حال العراق كما يراه ناشط تشريني

عبد اللطيف السعدون

                                                                                      

وصلت إلي رسالة من بغداد، مرسلها “ناشط تشريني”، بحسب وصفه نفسه، يعرض فيها رؤيته لحال بلاده، مضيفاً أن معظم شباب حراك تشرين يلتقون معه في هذه الرؤية التي يتمنّى أن تطرح عبر “العربي الجديد”، ومع أن رؤيته تميل إلى التشاؤم المفرط، وتحمل الأمور أكثر مما ينبغي، إلا أنني آثرت أن أعطي مساحة مقالتي هذا الأسبوع له ليقول كلمته.

يقول: “لم يعد الحال في العراق يقبل التفسيرات التبسيطية، ذلك لأن ما يجري هنا هو حالة تعقيد مفرط يحمل أكثر من دلالة، ويتطلب نمطاً من الرؤية الموضوعية التي تستجيب لمتطلبات المرحلة لكنها لا تتجاهل المعطيات القائمة.

أول ما يصدمنا في عملية التحليل اكتشافنا أن المنظور التقليدي لعملية التغيير لم يعد في وارد التحقّق، الانقلاب العسكري أو الحراك الشعبي أو حتى التغيير من داخل المنظومة الحاكمة كلها أشكال غير قادرة أن تحقّق لنا ما هو مطلوب، الحسابات أكثر تعقيداً مما يظن البعض، وحتى لو فرضت الولايات المتحدة تغييراً في إدارة الحكم في بغداد، باعتبارها الراعية للعملية السياسية، وهذا ما يتوقّعه كثيرون، ومنهم من يكون قد تفاوض على حصّة في الربح، فلن يكون الحال أفضل، بل سيكون هناك إعادة إنتاج للعبة، عن طريق (تطعيم) الفئة الحاكمة بعناصر من الذين يمكن أن نطلق عليهم تسمية (الاحتياطي المضموم)، والهدف هو إبعاد وكلاء (الجمهورية الإسلامية) عن مواقع القرار. ولن تفكّر الولايات المتحدة بأكثر من ذلك، كما أنها لن تفكر بالخروج من بلادنا، لأن هناك ما يغريها بالبقاء فيها إلى أبد الدهر، النفط، والأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، والاستثمار في بلد مخرّب، وهي، بالطبع، تتحرّك في ذلك كله وفق استراتيجيتها التي تضمن مصالحها وأمنها القومي، وأمن اسرائيل الذي يشكّل جزءا لا ينفصم من أمنها.

وعلى وقع هذه الحسابات، ليس ثمة ما يوحي بتغيير جذري في المشهد، ولن تكون الفرصة سانحةً لإقامة (دولة عراقية ذات سيادة) في المدى المنظور، وسوف تتداخل المشكلات من دون أن تجد حلولاً، وهذا يجعل حالنا عصيّاً على الاحتمال، حيث ستظل الجزرة بيد النظام، والسكين باليد الأخرى، ومن لم يتبع يقمع، والخنوع سيد الساحة، ليس بسبب الخوف فقط، إنما جرّاء يأس امتد أزيد من 20 عاماً، وطيلة الأعوام العشرين ونحن ننتظر التغيير لكن “المهدي” لم يظهر كما وعدنا ولاة أمورنا، وهكذا فإن كل ما هو متوقع بالنسبة لنا هو تأبيد الحال، ودوام معاناتنا ربما إلى الأبد.

اكتشفنا أن كل الذين بشّرونا بالتغيير باعونا الوهم، ولم يسرقوا ثرواتنا وحريتنا فقط إنما سرقوا زمننا أيضا

إلى ذلك تظلّ المواقف ديماغوجية ومرتجلة، وحتى الأمم المتحدة لا تستطيع أن تعلق الجرس، مع أنها شخصت الحال، إذ أكد ممثلها في بغداد (أن الفساد قد تفشى بأشكاله، السياسي والأخلاقي والمالي والإداري والقضائي والعلمي، (..) والعراق أمام أحد أمرين، إما محاربة الفساد أو الانهيار)، لكن هذه الصرخة لم تواجه من قبل القائمين على أمورنا سوى بالصمت!

إذن ما الذي على المواطن المحروم من أبسط متطلبات الحياة أن يفعله في مواجهة ذلك؟ حتى النكتة الساخرة التي كان في السابق يعبر بها عن همومه أضحت ثقيلة الوطأة وسط واقع شرس من الصعوبة، ربما من المستحيل تغييره، وقد اكتشفنا أن كل الذين بشّرونا بالتغيير باعونا الوهم، ولم يسرقوا ثرواتنا وحريتنا فقط إنما سرقوا زمننا أيضا، كما اكتشفنا، ولو متأخّرين حاجتنا إلى ركيزة أساسية، رابطة متينة ومرنة في الوقت نفسه، عريضة لكي تتّسع لكل المحرومين من الأمن والأمان والخبز والماء والكهرباء والصحة والتعليم، ولكي تنتج مشروعاً يتخطى ما هو سائد، مشروعاً ينبع من الداخل، وليس من الذين يقيمون خارج البلاد، وينتظرون الرياح تهبّ لتعيدهم إلى بلادهم، كي يحصلوا على الجوائز الكبرى، تماماً كما فعل حكام اليوم الذين شحنتهم الطائرات من الأزقة الخلفية في دول العالم، وألقت بهم على كراسي السلطة في بغداد!

بقي أن نعرب عن خوفنا من أن نكون قد اقتربنا من (متلازمة الماعز الذي يسقط أرضاً جرّاء اليأس)، عندها لن يكون هناك عراق، ولن يكون هناك شعب عراقي واحد يتخطى الطوائف والمذاهب والأعراق، وقد قرأنا عن شعوب انقرضت، فقد اختفى شعب النياندرتال قبل 40 ألف عام، واختفى الهنود الحمر أيضاً على أيدي الغزاة الأميركيين، ولم يعد لهم ذكر.

وقد تتكرّر الواقعة معنا… من يدري!”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى