حول ذكرى جريمة الكيماوي

دعيت للمشاركة في احياء الذكرى الثانية عشرة لبدء النظام البائد في استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين وذلك بقصفه الغوطة بالصواريخ المحملة بهذا السلاح الحرم دوليا موقعا مئات الضحايا من نساء وأطفال ومدنيين ومفتتحاً بذلك صفحة جديدة من صفحات اجرامه، وتقديم مداخلة خلال الفعالية.

الفعالية أقيمت في بلدة معضمية الشام بريف دمشق بحضور عدد من الوزراء والمحافظ ومسؤولين آخرين من الإدارة الانتقالية، وكان برنامج احياء الذكرى المعتمد مسبقاً يتضمن عددا من الكلمات لكن يبدوا ان القائمين على اعداد هذه الفعالية وقعوا في حالة من الارباك لأسباب غير واضحة ما دعاهم الى اقتصار الكلمات على بعض المتحدثين من “اهل السلطة” دون التزام بالدعوات والبرنامج المعلن مسبقا، لذلك ظهرت الفعالية دون مستوى الحدث.

أثمن المشاركة الجماهيرية العالية التي بعثت برسالة واضحة بان الناس في وطننا الذين عايشوا هذه الجريمة ومثيلاتها ودفعوا اثماناً غالية جداً من حياة احبائهم، فهم ينتظرون ان يروا مستقبل وطنهم من خلال التطبيق الشامل والواضح والفعال لمفهوم العدالة الانتقالية.

ادناه أعرض نص الكلمة التي اعددتها لهذه المناسبة لكن الارباك الواضح في إدارة هذه الفعالية حال دون تقديمها.

في ذكرى الهجوم الكيماوي على الغوطتين الشرقية والغربية

الاخوة الحضور الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبعد

في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة عشر عاماً شهدت هذه المنطقة واحدة من أبشع جرائم النظام الأسدي البائد، حين استخدمت قواته  صواريخ محملة بغاز السارين الكيماوي المحرم دولياً لتقصف هذه المنطقة في الثانية والنصف بعد منتصف الليل، بينما كان الأهالي: الأطفال والنساء والمدنيين غارقين في نومهم،  فافتتح بهذه الجريمة فصلاً جديداً من فصول الجرائم التي ترتكبها قواته، دون الخشية من أي رد فعل دولي إذ كان النظام يتدثر بغطاء دولي من حلفاء له ضربوا عرض الحائط بكل قوانين الصراع وقيمه وحدوده، ومن دول عظمى كان يعلم أن معارضتها المعلنة له تفتقد لأي موقف جدي، لذلك لم يأخذ هذه المعارضة في حسبانه.

مئات الشهداء من الأطفال والنساء والمدنيين من أهلنا قتلوا بهذا السلاح، وما زالت وستبقى صورهم، وهم مسجون على الأرض، يخرج الزبد من أفواههم، وتختلج أجسامهم وصدورهم من أثر تنشقهم للسارين، ستبقى صور هذه الفاجعة ماثلة أمامنا استحضاراً للجريمة، وإحياءً لذكرى شهدائها، واستنهاضاً للهمم، هممنا جميعاً للعمل الجاد والحاسم حتى لا نجد أنفسنا، أمام حالة جديدة يستخدم فيها هذا السلاح وأمثاله في أي صراع ضد المدنيين، أو غير المدنيين، فمثل هذه الأسلحة لا تفرق بين مدني وعسكري، ولا تفرق بين طفل صغير أو امرأة أو شيخ، إنها مما يوصف بأسلحة الدمار الشامل، وهي محرمة دينياً وأخلاقياً قبل أن تكون محرمة دولياً.

إن أهالي الغوطتين الغربية والشرقية، بل إن السوريين جميعاً ينتظرون ما سيؤول إليه مسار العدالة الانتقالية في التصدي لهذه الجرائم وأمثالها، ولن يهدأ قلب ولا وجدان ولا عقل أحد حتى نرى العدالة وقد طالت هؤلاء المجرمين، فأنزلت بذلك السكينة في قلوب المكلومين جميعاً، فتطمئن قلوبهم لهذه العدالة، فيتجاوزا كل مشاعر الانتقام الشخصي والجماعي.

أيها الأخوة

في العقل سؤال لا يغيب عن الذهن، ويبحث عن إجابة لا بد أن نصل إليها ونتفق عليها جميعاً لتكون هذه الإجابة بمثابة قاعدة اتفاق بيننا، السؤال هو:

كيف أمكن لقوات عسكرية نظامية أن تستخدم هذا السلاح ضد المواطنين المدنيين؟

كيف استطاع المسؤولون عن هذا القرار، على تسلسل رتبهم، والمنفذون له، أن يمضوا في استخدام هذا السلاح ضد المواطنين السوريين دون أن يهتز لهم طرف.

إن البحث عن جواب لهذا السؤال ضروري لفهم المسار الذي سارت به هذه الجريمة. ولاستخلاص العبرة والدرس.

وإننا لنعتقد أن الجواب يكمن في بنية الجيش الذي كان، والمتمعن في هذه البنية لا يصعب عليه أن يدرك أن البنية الطائفية لقيادة الجيش السوري زمن حكم الأسدين البائد كانت هي السائدة، وكانت هذه البنية الطائفية تتحكم في مراكز القرار والضبط والربط فيه تحت ستار ما كان يدعى بالجيش العقائدي، وكانت هذه العقلية الطائفية منبعا لمظلة “الخوف والرهبة والخنوع” التي كانت تخيم على كل العاملين في الجيش وفي الأجهزة الأمنية.

هذه حقيقة واضحة وضوح الشمس، وهي التي تمثل العنصر الأساسي التي سمحت في أن يرتكب الجيش هذه الجريمة دون أي رادع ذاتي.

ونحن إذ نحيي ذكرى هذه الجريمة يجب أن تكون لدينا قناعة وعزيمة قاطعة بوجوب التصدي لأي حالة يمكن من خلالها أن تتكرر هذه الجريمة وأمثالها.

ونعتقد أن الأساس لمنع تكرار هذه الوضع، أن نعمل على بناء قواتنا المسلحة على اساس وطني شامل ولا يخالطه عملياً أو نظرياً أي معلم طائفي، وأن يكون هذا البناء تحت سقف وظل الدستور والقانون.

إن هذا يحتاج العمل وفق ثلاثة شروط أساسية:

أولها: أن تكون عقيدة هذا الجيش متمركزة حول الوطن والمواطنة، أي حول عقيدة وطنية قائمة على حماية الوطن: “الأرض والشعب والثروة” من كل اعتداء خارجي. وأن تتضمن هذه العقيدة تحديداً واضحاً قاطعاً للعدو، وهو عندنا يتمثل بالعدو الصهيوني، وبكل القوى الخارجية التي تمثل تهديداً لسلامة وأمن سورية.

ثانيهما: أن تكون بنية الجيش وطنية، أي مفتوحة ومتاحة تطوعاً لكل أبناء الوطن، دون تفريق أو تمييز. وأن تكون هناك خدمة الزامية في الجيش للشباب السوري وفق قواعد وأسس وطنية، كمظهر مشرف يعتز به من مظاهر الاشتراك الوطني في تكوين هذا الجيش وفي المشاركة بمهامه وقيمه ومعاركه الوطنية، فيشعر المواطن أن هذا الجيش جيشه، وأن فيه أبناؤه، وأهله، وأنه مساهم حقيقي في بنيته.

ثالثهما: أن تكون كل ممارسات الجيش والقوى الأمنية منضبطة تحت سقف الدستور والقانون بما في ذلك تلك القوانين التي تحفظ حقوق الانسان. فلا يكون أحد أيا كان فوق الدستور، وفوق القانون. ويكون التزام عناصر الجيش بمختلف رتبهم بهذا السقف التزاماً حاسماً، فلا يسمح لأحد مهما علت رتبته أن يتجاوز هذا السقف.

إن نجاحنا في تحقيق ذلك يمثل أكبر وفاء لشهداء الثورة عموماً، ولشهداء الكيماوي الذي نحيي اليوم ذكرى أول جريمة يرتكبها النظام البائد اعتمادا على هذا السلاح.

أيها الأخوة

إنهم يريدون لنا أن نبقى بدون جيش ذي قيمة حقيقية قادر أن يحافظ على وحدة بلادنا، ويحمي حرمة الوطن، يريدون لنا أن نبقى في حدود ميليشيات وقوات أمن داخلي بعد أن حطم النظام البائد بنية الجيش العربي السوري على مدى عشرات السنين، قبل أن يحل تلقائياً يوم أن هرب رئيسه من البلاد – كونه كان جيش آل الأسد وليس جيش الوطن–، وأكمل العدو الصهيوني تحطيم الأسلحة والعتاد الذي كان جيشنا يملكه بالاعتداءات التي لم تتوقف منذ سقوط النظام، والتي استهدفت كل أنواع العتاد لدينا الأرضية والجوية والبحرية.

والقوى المعادية لسورية تعتبر أن استمرار هذا الحال هو المقدمة الحقيقية لتمرير مخططاتهم في تقسيم وطننا، وما نشاهده في الجزيرة السورية حيث تسيطر القوى الانفصالية المنتظمة تحت لواء قسد، والتي اجتمعت في مؤتمر الحسكة، وفي جبل العرب حيث يتجمع حلفاء العدو الصهيوني رافعين علمه مع فلول النظام البائد، دليل ما بعده دليل على الإرادة المنعقدة من أعداء وطننا وشعبنا على تفتيت سورية وتقسمها وتحقيق الحلم الصهيوني في خطوته الثانية بعد خطوة إقامة كيانه الغاصب، والتي باتت تعرف بممر داوود.

إننا مدعوون أن نقف موقف وطنياً حازماً ضد هذه الدعوات والممارسات وأن نمنع بكل الطرق نجاح هذا المخطط.

وإن من أهم ما يجب القيام به، أن نتعامل مع هؤلاء جميعاً من منطلق الوطنية والمواطنة، فنفرق في أفعالنا واستهدافاتنا بين هؤلاء المنحرفين الانفصاليين وبين جموع المواطنين السوريين في جبل العرب وفي الجزيرة السورية وفي الساحل السوري وفي عموم الساحة السورية.

لقد كشفت لجان التحقيق الوطنية والاممية عن تجاوزات وجرائم ارتكبت تحت رداء الدولة، ورداء قواها الأمنية المنظمة، وأكد السيد رئيس الجمهورية هذه النتائج التي أعلنتها لجان التحقيق ووعد بالمحاسبة دون محاباة ودون تستر، وهو موقف مهم، لكننا نطالب بأن تقف السلطة وقفة حاسمة تبحث خلالها الظروف التي سمحت بوقوع هذه التجاوزات الكبيرة والخطيرة والتي ترتقي وفق وصف التقارير الى مصاف جرائم الحرب، وليس القصد من دعوتنا هذه رد الحقوق والمحاسبة، على الأهمية الفائقة لهذا الهدف، وإنما أيضا الكشف عن الثغرات التي مرت منها هذه السلوكيات، وهي كلها ثغرات طائفية تغذيها أفكار منحرفة قائمة على تكفير الآخر وإدارة المعركة الوطنية على أساس من هذه الأحكام الطائفية، وعلى السلطة التصدي لهذه الأفكار، وتعقبها، وتطهير جسم القوات المسلحة وقوات الأمن منها، وهذه من أهم خطوات التصدي للقوى الانفصالية، واحباط محاولاتها المستمرة في خطف المكونات الوطنية في جبل العرب، وفي مناطق تواجد الأكراد وفي الساحل.

ولعلني أختم كلمتي في الإشارة إلى أن حفظ الوطن وسيادته، والتصدي لكل محاولات التقسيم الجغرافي والاجتماعي، لا يستقيم إلا بإعلان الثقة بالناس، واتخاذ الموقف الشعبي نبراساً نهتدي به، وهذا لا يكون ولا يتحقق إلا بانتهاجنا جميعاً النهج الديمقراطي، وإقامة حياتنا السياسية على أساس من التعددية السياسية وفي ظل أعمدة النظام الديمقراطي من دستور دائم، ومجلس نواب منتخب، وإيمان عميق بمفهوم تداول السلطة، وقضاء مستقل، وشفافية في عمل السلطة التنفيذية، وفي عمل مختلف أجهزة الدولة فيما لا يخل بأمن الوطن وسلامته.

وإني لأستدرك قبل مغادرة هذا المنبر بأن أدعو إلى إقامة نصبين  تذكاريين يجسدان هذه الجريمة ويبقيها حية أمام أنظار الإنسانية جميعاً أحدهما في مدخل مدينة عربين / الغوطة الشرقية ، وثانيها في داريا / الغوطة الغربية، باعتبار هذه الجريمة هي الأولى في سلسلة جرائم النظام في استخدام هذا السلاح المحرم، وأن يكون موقعه في الساحة الأولى بداريا من جهة دمشق ، التي كان يطلق النظام البائد عليها اسم ساحة باسل الأسد،  وإذا تم تبني هذا الاقتراح فإني أعرض أن يقوم المسؤولون بإطلاق مسابقة يشارك بها “فنانوا  الشعب ومبدعوه”، في تقديم رؤيتهم لهذا النصب التذكاري، ومن ثم يصار إلى تنفيذه، وأقترح أن تغطى تكاليف هذا النصب التذكاري من تبرعات شعبية حرة.

الرحمة لشهداء الثورة والسلام والأمن لوطننا الحبيب

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

معضمية الشام 21/8/2025                         م. أحمد العسراوي

                                    الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى