حماية كل مواطن مسؤولية جماعية

زكريا ملاحفجي

تُعَدُّ حماية المواطن من مختلف أشكال التهديدات المادية والمعنوية أحدَ الأسس الجوهرية لقيام أي مجتمع متماسك ودولة عادلة.

ولا يمكن النظر إلى الحماية باعتبارها مهمة مقتصرة على أجهزة الدولة أو مؤسسات الأمن، بل هي مسؤولية جماعية تتوزع بين الدولة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، ووسائل الإعلام، والمنابر الدينية، والأفراد أنفسهم. إن هذا المفهوم ينسجم مع مبادئ العقد الاجتماعي الذي يقوم على ضمان حقوق الأفراد مقابل التزامهم بواجباتهم، كما يعكس مدى نضج المجتمعات وتحضّرها.

تتحمل الدولة الدور الأكبر عبر فرض سيادة القانون وضمان العدالة، غير أن المجتمع بمؤسساته وتجمعاته وأفراده عليه مسؤولية أيضاً عبر نشر ثقافة احترام الآخر، ونبذ العنف، وتغليب الحوار.

فمفهوم الحماية يتجاوز المعنى الضيق المتمثل في حماية الأفراد من المخاطر الأمنية المباشرة، ليشمل الأمن الاعتقادي والفكري، والصحي، والاقتصادي، والاجتماعي.

فالمواطن يحتاج إلى بيئة آمنة من العنف والجريمة، وهذا دور مؤسسات الدولة في حماية المواطن أياً كان انتماؤه، وكذلك بتجريم لغة الكراهية والخطاب القائم على البعد الطائفي أو القومي، وتعزيز دولة القانون والعدل، فلا ثبات ولا استقرار بلا تطبيق حقيقي للقانون وتحقيق العدالة، والتصدي للانتهاكات بشكل شفاف وواضح، والسعي لتأمين سبل الحياة الأساسية، وتأمين فرص العمل الكريمة، والحماية من الفقر والإقصاء. هذه الأبعاد المتداخلة تجعل من الحماية مسؤولية جماعية معقدة، لا يمكن لأي طرف واحد أن ينهض بها بمفرده، وإنما يتحقق ذلك من خلال تكامل الأدوار بين الجميع من أجل الجميع.

فالوطنية هي ذلك التواضع الواعي من الجميع من أجل الجميع، ومن أجل المصلحة العامة للجميع، حيث يضع الفرد مصلحة الوطن فوق مصلحته الخاصة، ويسهم بجهوده مع غيره في بناء مجتمع عادل ومتكاتف، يسوده التعاون والاحترام المتبادل. فهي سلوك عملي يتجسد في سلوك الأفراد.

وتتحمل الدولة الدور الأكبر عبر فرض سيادة القانون وضمان العدالة، غير أن المجتمع بمؤسساته وتجمعاته وأفراده عليه مسؤولية أيضاً عبر نشر ثقافة احترام الآخر، ونبذ العنف، وتغليب الحوار. ولهذا أعتقد أن دور وزارة الثقافة أهم اليوم من دور وزارة الداخلية، فتركة الاستبداد كبيرة، والانقطاع الجغرافي كبير، وأصوات التحريض كثيرة، وكذلك هي مسؤولية كل معني بالثقافة والوعي والتحضر. فالتحدي كبير أمامنا في سورية، وحتى الممارسات الخاطئة لأفراد المؤسسات الرسمية سببها خلل ثقافي في الوعي المركب، وخلل في غياب الخوف من العقاب والمحاسبة، والتي ينبغي أن تكون صارمة وشفافة وعلنية، ليشعر الجميع أن الناس سواسية أمام القانون والعدالة.

فالتزام الأفراد بالسلوكيات الوقائية، ومساهمة المجتمع المدني في التوعية والدعم، والمبادرات المجتمعية، إضافة إلى المبادرات التضامنية من المجتمع لسد الفجوات بين مكوناته، أمر ضروري، لاسيما أننا مجتمع عشنا الفترة الماضية بشكل صناديق مغلقة على نفسها، غير متواصلة، وربما متوجسة من بعضها البعض.

الحماية بمختلف أشكالها ليست فقط التزاماً قانونياً أو سياسياً، بل هي أيضاً قيمة أخلاقية وإنسانية. فالمجتمع الذي يترك أضعف فئاته عرضة للتهميش أو الخوف يفقد تماسكه الداخلي ويزرع بذور الاضطراب.

وسائل التواصل، والتحريض، والجرائم الإلكترونية، وحملات التضليل الإعلامي من أخطر أشكال التهديد التي تطال الأفراد، الأمر الذي يستدعي وعياً مجتمعياً شاملاً، وتنسيقاً بين الدولة، والمؤسسات التربوية والإعلامية، والأفراد.

في المقابل، حين ينهض الأفراد بمسؤولياتهم تجاه بعضهم البعض – سواء عبر مساعدة محتاج، أو الدفاع عن مظلوم، أو المشاركة في مبادرات إنسانية – فإنهم يسهمون في تعزيز شبكة الأمان الجماعية. ومن هنا، فإن المسؤولية الفردية تشكّل جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الكلية للحماية.

فالمقياس الحقيقي لتحضر أي مجتمع لا يُقاس فقط بمدى تطوره العلمي أو العمراني، بل بمدى قدرته على حماية أضعف مكوّناته وضمان حقوق الأقليات، سواء كانت دينية أو قومية أو ثقافية أو حتى فكرية.

فالمجتمع الذي يحترم التنوع ويضمن المساواة والعدالة، هو مجتمع يرسّخ قيم الاستقرار والانسجام ويمنع التفكك والصراعات.

وعلى العكس، فإن إقصاء الأقليات أو تهميشها يؤدي إلى التوتر والعنف ويفقد الدولة شرعيتها الأخلاقية.

فنحن اليوم أمام مسؤولية عن المستقبل، وأفعالنا اليوم هي نتائج الغد.

إضافة إلى أن التطورات المعاصرة أفرزت تحديات جديدة تجعل من الحماية مسؤولية أكثر تعقيداً. وهو خطر لا تستطيع أي دولة مواجهته منفردة، بل يتطلب تعاوناً جماعياً عابراً للحدود. فوسائل التواصل، والتحريض، والجرائم الإلكترونية، وحملات التضليل الإعلامي من أخطر أشكال التهديد التي تطال الأفراد، الأمر الذي يستدعي وعياً مجتمعياً شاملاً، وتنسيقاً بين الدولة، والمؤسسات التربوية والإعلامية، والأفراد.

ولا يمكن إغفال الدور المحوري للشباب في هذا السياق، فهم الأكثر انفتاحاً على التحديات الجديدة، والأقدر على استخدام أدوات العصر الحديثة في مجالات التوعية والمبادرة المجتمعية.

وإشراك الشباب في برامج الحماية وتوعيتهم هو أعظم أداة في المسؤولية الجماعية للحماية الفردية.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى