ما وراء البحث عن الحقيقة برعاية الدولة.. كيف يتم تصميم لجان تحقيق موثوقة؟ (2)

فضل عبد الغني

نستكمل في هذا الجزء ما بدأناه من مناقشة المبادئ الأساسية التي ينبغي أن تستند إليها لجان التحقيق الوطنية في سوريا (الاستقلالية، التمثيل، وضوح التفويض)، مع التركيز على ديناميكيات العمليات، وخاصةً مشاركة الضحايا، والعدالة الإجرائية، ومسارات التنفيذ.

نظرية المعرفة المرتكزة على الضحية وآليات المشاركة

يمثل الانتقال من اعتبار شهادة الضحية مجرد دليل إجرائي إلى الاعتراف بها كسلطة معرفية، تحولاً في المناهج التقليدية لعمل لجان التحقيق، إذ يُعيد هذا التحول تعريف العلاقة بين مؤسسات البحث عن الحقيقة وبين الأشخاص الأكثر تضررًا من الانتهاكات. ويتجاوز هذا التحول التعديلات الإجرائية البسيطة، ليشمل ما يمكن وصفه بنظرية معرفية متمركزة حول الضحية؛ وهي الاعتراف بأن الضحايا يمتلكون معرفةً استثنائية بطبيعة الانتهاكات المنهجية التي يصعب الوصول إليها من خلال أساليب التحقيق التقليدية وحدها. لذا، فإن المشاركة الفعالة للضحايا تستلزم وجود آليات مؤسسية تُمكّن الناجين من تحديد أولويات التحقيق بأنفسهم، والتعرّف على أنماط الانتهاكات التي قد تغيب عن رؤية المراقبين الخارجيين، والمشاركة في تفسير النتائج وتحليلها قبل الإعلان عنها للجمهور.

تفعيل دور الضحايا لا يمكن أن يتحقق بمجرد آلياتٍ استشاريةٍ محدودة، بل يستلزم بناء هياكل تشاركية تُدمج بشكلٍ منهجي وجهات نظر الناجين وخبراتهم في جميع مراحل التحقيق، ويشمل ذلك تمثيلًا حقيقيًا للضحايا في الهيئات الاستشارية التي تحدد مسار التحقيق وأولوياته، ومشاركتهم في وضع بروتوكولات الإدلاء بالشهادة، إضافةً إلى منحهم فرصًا مُنظمةً لمراجعة النتائج الأولية والتعليق عليها. وتؤدي هذه الآليات عدة وظائف مهمة؛ فهي تعزز الدقة في نتائج التحقيق من خلال دمج المعرفة الذاتية للناجين، وتزيد من مصداقية النتائج لدى المجتمعات المتأثرة، كما تسهم في تمكين الضحايا وجعلهم جزءًا فاعلًا وأساسيًا في مسارات العدالة. ويجب تصميم هذه الهياكل التشاركية بشكلٍ يراعي تفادي إعادة تعريض الضحايا للصدمة، ويعظم في الوقت ذاته من مستوى مشاركتهم وتمكينهم، لينتقل من مفهوم «الشهادة السلبية» إلى «المشاركة المُمكَّنة».

وتُشكّل إمكانية الوصول (Accessibility) بنية تحتية ضرورية لضمان المشاركة الفعّالة للضحايا، ما يستدعي اهتمامًا بأبعاد متعددة تشمل: البُعد الجغرافي، واللغوي، والثقافي، والاقتصادي، بالإضافة إلى البُعد المادي، فاللجان التي تسعى لتحقيق مشاركة واسعة من الضحايا، تستثمر في إنشاء قنوات وصول متنوعة ومتعددة، مثل جلسات الاستماع المحلية التي تتيح للجنة الوصول إلى الضحايا في أماكن تواجدهم بدلًا من اشتراط سفرهم إلى مقار اللجنة. كما تتطلب الفئات الأكثر هشاشة – ومن بينها الأطفال، وكبار السن، وذوو الإعاقات، وضحايا العنف الجنسي – توفير مساحات آمنة للمشاركة، تأخذ بعين الاعتبار تنوّع القدرات وخصوصية احتياجات الدعم.

كما يُعد توفير الدعم النفسي عنصرًا رئيسيا في النهج الذي يتمحور حول الضحايا، بدءًا من التدخل الفوري في حالات الأزمات، ووصولًا إلى توفير الدعم النفسي المستدام طوال مراحل عمل اللجنة، وتتجاوز الإجراءات المراعية للصدمات مجرد تقديم الاستشارات النفسية، لتشمل جميع مراحل الإجراءات؛ مثل التصميم المادي لقاعات الإدلاء بالشهادة، وتدريب مُتلقي الشهادات على التعرّف على أعراض الصدمة وآليات التعامل معها، وتطوير إجراءاتٍ مرنةٍ في تقديم الإفادات، تسمح للضحايا بالتحكم في سرعة السرد ومستوى الإفصاح عن التفاصيل المؤلمة.

ويتضح التوتر القائم بين الحفاظ على كرامة الضحية وضرورات كشف الحقيقة بشكلٍ أوضح في القرارات التي تخص جلسات الاستماع العلنية مقابل الخاصة، وفي مستوى التفاصيل المطلوبة عن الانتهاكات، وكذلك في حماية هوية الضحايا في التقارير المنشورة، وهذا التوازن لا يتحقق من خلال قواعد جامدة، بل يتطلب اعتماد أطرٍ إجرائية مرنة تُعطي الأولوية لاحترام استقلالية الضحية، مع ضمان نزاهة التحقيق في آنٍ واحد. ويتضمّن ذلك توفير خيارات متنوعة للشهادة، تشمل جلساتٍ علنيةً لمن يرغبون في الاعتراف العلني بمعاناتهم، وجلساتٍ خاصةً لمن يطلبون الحفاظ على سرية هوياتهم، بالإضافة إلى إتاحة الشهادات المكتوبة لمن لا يستطيعون أو لا يرغبون في تقديم شهادات شفهية. ويجب أن تحكم مبدأ «الموافقة المستنيرة» جميع أشكال المشاركة من قِبل الضحايا، مع تقديم إيضاحات شفافة حول كيفية استخدام شهاداتهم، والتدابير المتوفرة لحمايتهم، والمخاطر التي قد تظل قائمةً رغم تلك الضمانات.

الضمانات الإجرائية وضرورات الشفافية

يفرض الطابع شبه القضائي للعديد من لجان التحقيق متطلباتٍ معقدة للعدالة الإجرائية، الأمر الذي يستلزم تحقيق توازنٍ دقيق بين مرونة التحقيق من جهة، وبين حماية الحقوق القانونية والإجرائية للأفراد المتهمين أو المشتبه بتورطهم في الانتهاكات من جهة أخرى. وتعمل لجان التحقيق في مساحةٍ حدودية تجمع بين إجراءات التحقيق الجنائي والتوثيق التاريخي، ما يتطلب صياغة أُطرٍ إجرائية تستعير من كلا المجالين، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بطابعٍ مستقلٍ ومميز. وتشمل متطلبات ضمان العدالة الإجرائية عادةً الإخطار المسبق بالادعاءات، وتوفير فرص كافية للرد على الأدلة التي تدين أو تضرّ بالمتهمين، والحق في الحصول على تمثيل قانوني في أثناء تقديم الإفادات، إضافةً إلى إمكانية الوصول إلى الوثائق ذات الصلة بالتحقيق. وتحقق هذه الضمانات غرضين رئيسيين: فهي تحمي الأفراد من الإجراءات التعسفية التي قد تتخذها اللجنة، كما أنها تعزز من مصداقية نتائج التحقيق من خلال إظهار الالتزام بمعايير العدالة الإجرائية.

وتُعد معايير الأدلة ومنهجيات التوثيق من الجوانب الفنية الأساسية التي تحدد مدى موثوقية نتائج التحقيق ومدى الاستفادة منها لاحقًا في إجراءات المساءلة، لذا، ينبغي للجان التحقيق أن تضع أُطرًا إثباتية واضحة تميّز بوضوح بين درجات اليقين المختلفة؛ بدءًا من المؤشرات الأولية التي تستوجب مزيدًا من التحقيق، ووصولًا إلى النتائج المدعومة بأدلة قاطعة. كما يجب أن توازن متطلبات التوثيق بين ضرورة ضمان الموثوقية وبين التحديات الواقعية التي قد تنجم عن تدمير الأدلة أو إرهاب الشهود في حالات الانتهاكات المنهجية واسعة النطاق. وقد دفع ذلك إلى تطوير منهجيات توثيقٍ متقدمة تقوم على التثليث بين الشهادات الشفهية، والأدلة الوثائقية، والتحليلات الجنائية والطب الشرعي. كذلك تتطلب الطبيعة الاحتمالية لكثير من نتائج التحقيقات، التي يتم التعبير عنها بلغة «الاعتقاد المعقول» بدلًا من «اليقين الجنائي»، صياغة دقيقةً وحذرةً لتجنب الالتباس أو سوء الفهم، مع الحفاظ في الوقت ذاته على الدقة والوضوح التحليلي.

وتتجاوز استراتيجيات المشاركة العامة مجرد نشر المعلومات إلى فتح قنوات حوار فعّال مع مختلف قطاعات الجمهور حول أهداف اللجان وإجراءاتها ونتائجها، وتتطلّب المشاركة العامة الناجحة اعتماد استراتيجيات اتصال متنوعة ومتعددة الوسائط تأخذ بعين الاعتبار تفاوت الجمهور في الوصول إلى المنصات الإعلامية، واختلاف مستويات الثقافة والمعرفة. ويشمل ذلك استخدام وسائل الإعلام التقليدية عبر المؤتمرات الصحفية والإحاطات الدورية، إضافةً إلى المنصات الرقمية التي تسمح بالتحديث المستمر والوصول إلى الوثائق الأساسية، والتواصل المباشر مع المجتمع عبر شبكات منظمات المجتمع المدني والهياكل المجتمعية التقليدية. وفي هذا الإطار، فإن توقيت الإفصاح عن المعلومات وتسلسل الإعلان عنها يُعتبران عاملين حاسمين؛ إذ قد يؤدي الكشف المبكر للمعلومات إلى تهديد سير التحقيقات، في حين أن السرية الزائدة قد تثير الشكوك وتؤدي إلى انتشار نظريات المؤامرة.

أكدت العديد من التجارب السابقة أن اللجان التي تُعاني من نقص الموارد تواجه عقباتٍ متلاحقة تُضعف من فعاليتها وقدرتها على إنجاز مهامها؛ فعدم توافر الموارد اللازمة لتوظيف كوادر مؤهلة يؤدي إلى تأخيرات في عمليات التحقيق، كما أن ضعف الدعم المُقدَّم للضحايا يحد من مشاركتهم

أما الشفافية فتتجاوز كونها مجرد مبدأ تنظيمي أو إجرائي، لتصبح آليةً رئيسية لبناء الشرعية والثقة المجتمعية، وتؤسس لملكية عامة واسعة النطاق لعمليات اللجان ونتائجها، وعلى الرغم من أهمية تطبيق مبدأ الشفافية، فإن ذلك ينبغي أن يتم بمراعاة دقيقة لضرورات السرية المشروعة في بعض مراحل التحقيق. وتتضمن الشفافية أيضًا نشر المنهجيات والإجراءات التي تعتمدها اللجان في عملها، وإصدار تقارير دورية توضح تقدم التحقيق مع المحافظة على المصلحة العامة من دون الإضرار بسير التحقيق، إضافةً إلى ضمان أن تحتوي التقارير النهائية على تفاصيل كافية حول الأدلة والمنهجيات بحيث يستطيع الجمهور تقييم نتائج التحقيق بشكل موضوعي. وقد أتاحت الثورة الرقمية إمكانات جديدة لتحقيق مستويات متقدمة من الشفافية، وذلك عبر إنشاء مستودعات إلكترونية للشهادات وقواعد بيانات قابلة للبحث، ومنصات تفاعلية لتعزيز المشاركة العامة، مع ضرورة تحقيق التوازن بين هذه الإمكانيات وبين متطلبات حماية الضحايا والتحديات المرتبطة بالموارد.

هندسة تعبئة الموارد وآليات تنفيذ التوصيات

تتجاوز كفاية الموارد المالية للجان التحقيق مجرد توفير الميزانيات الكافية إلى ضمان توافر هذه الموارد في الوقت المناسب، والتمتع بمرونة التخصيص، وحمايتها من أشكال التلاعب أو الضغوط السياسية المحتملة من خلال آليات تمويل شفافة ومستقلة. وقد أكدت العديد من التجارب السابقة أن اللجان التي تُعاني من نقص الموارد تواجه عقباتٍ متلاحقة تُضعف من فعاليتها وقدرتها على إنجاز مهامها؛ فعدم توافر الموارد اللازمة لتوظيف كوادر مؤهلة يؤدي إلى تأخيرات في عمليات التحقيق، كما أن ضعف الدعم المُقدَّم للضحايا يحد من مشاركتهم، وتؤدي أنظمة التوثيق الضعيفة إلى فقدان العديد من الشهادات المهمة أو الحد من إمكانية الاستفادة منها في عمليات مساءلة مستقبلية. لذا، ينبغي أن يشمل التخطيط المالي الكامل للجنة مختلف مراحل دورة حياة التحقيق، مع مراعاة العناصر التي قد تُغفل غالبًا، مثل خدمات نسخ الشهادات، والترجمة، وأنظمة إدارة الوثائق، وكذلك صيانة الأرشيفات بعد انتهاء عمل اللجنة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يراعي التخطيط المالي تخصيص احتياطيات طارئة لتغطية التغيرات المفاجئة في مسار التحقيق، أو تمديد الجداول الزمنية، أو تعزيز الاحتياجات الأمنية المستجدة.

أما متطلبات التوظيف المهني فلا تقتصر على أعضاء اللجنة وحدهم، بل تشمل أيضًا بناء بنية تحتية تقنية وفنية متكاملة تُعزز من كفاءة التحقيقات وفاعليتها، ويتطلب ذلك توظيف محققين ذوي خبرة واسعة في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، ومحللين قادرين على التعرف على الأنماط العامة من خلال التعامل مع مجموعات البيانات الضخمة، وباحثين قانونيين مُلمين بآليات القانون المحلي والدولي، ومسؤولي اتصال متخصصين في التواصل مع الضحايا وتدريبهم على التعاطي مع حالات الصدمة النفسية، إضافةً إلى موظفين إداريين محترفين قادرين على إدارة العمليات اللوجستية المعقدة المرتبطة بالتحقيقات. وينبغي أن يحقق اختيار الكوادر توازنًا دقيقًا بين الكفاءة الفنية من جهة، والحساسية الثقافية من جهة أخرى، الأمر الذي يتطلب في كثير من الأحيان جهودًا واعية لاستقطاب الموظفين من المجتمعات المتضررة، مع الحفاظ على معايير الاختيار المهني. وتُشكّل الطبيعة المؤقتة لأعمال اللجان تحديًا إضافيًا في استقطاب الكفاءات والاحتفاظ بها، مما يستدعي توفير حزم تعويض تنافسية ووضع مسارات واضحة للتطوير المهني المستقبلي.

نجاح لجان التحقيق الوطنية في السياق السوري يعتمد على هندسة مؤسسية دقيقة، ورغم أن اللجان وحدها قد لا تضمن تحقيق المصالحة أو تطبيق المساءلة، فإنها تظل قادرة على خلق مساحاتٍ حيويةٍ لكشف الحقائق، والاعتراف بالضحايا، وتعزيز التعلم المؤسسي والمجتمعي، مما يسهم في دفع مسار التحولات الاجتماعية والسياسية الأوسع قدمًا

وفي السنوات الأخيرة، تطورت متطلبات البنية التحتية التقنية تطورًا ملحوظًا مع التقدم التكنولوجي؛ لتشمل استخدام أنظمة متقدمة لإدارة قواعد البيانات وتنظيم الشهادات وأرشفتها، وتقنيات تحليل الأدلة الجنائية المستخدمة في التحقيقات الميدانية (مثل المقابر الجماعية)، وأنظمة الأمن الرقمي لحماية البيانات الحساسة والمعلومات السرية، ومنصات التواصل التي تتيح التنسيق الفعال بين العمليات التي تجري في مناطق جغرافية متعددة ومتباعدة.

وربما تمثّل آليات متابعة تنفيذ التوصيات الجانب الأكثر تحديًا وتعقيدًا في عمل لجان التحقيق؛ إذ إن ترجمة نتائج التحقيقات إلى إصلاحات مؤسسية ملموسة، وبرامج تعويض للضحايا، وإجراءات للمساءلة، يتطلب ما هو أكثر من صياغة توصيات مُحكمة فقط. فالتنفيذ الفعّال يحتاج إلى إنشاء آلياتٍ مؤسسية مستقلة ومتخصصة لمراقبة مدى التزام الجهات المسؤولة بتنفيذ هذه التوصيات، بالإضافة إلى استمرار الضغط السياسي لضمان إنجاز الإصلاحات المطلوبة، مع القدرة على تكييف التوصيات مع الظروف المتغيرة، وعادةً ما تشمل هذه الآليات تأسيس هيئات متابعة خاصة ذات صلاحيات واضحة وموارد مخصصة، وإنشاء آليات رقابة برلمانية دورية، ودعم مبادرات المجتمع المدني لرصد ومتابعة التنفيذ، كما تستدعي الفترة الزمنية الممتدة بين إعلان النتائج وتنفيذ التوصيات اهتمامًا خاصًا؛ للحفاظ على الزخم العام واستمرار جذب انتباه المجتمع والإعلام للقضية.

أما حفظ الذاكرة المؤسسية، فيتجاوز الوظائف التقليدية للأرشفة ليشمل التنظيم الفعّال للمواد التي أنتجتها اللجنة بهدف استخدامها في أغراض متعددة، مثل إجراءات المساءلة المستقبلية، والأبحاث التاريخية، والمبادرات التعليمية، وأنشطة تخليد ذكرى الضحايا. وتُظهر الخبرات الدولية ضرورة التوازن بين إتاحة الوصول إلى هذه المواد للأغراض المشروعة، وبين حماية خصوصية الضحايا وضمان عدم إساءة استخدام شهاداتهم أو بياناتهم الشخصية، وتوفر تقنيات الحفظ الرقمي فرصًا هامةً لتطوير أرشيفاتٍ إلكترونية قابلة للبحث، مع إمكانية الوصول إليها عن بُعد، شرط الالتزام الصارم ببروتوكولات أمن المعلومات وضمان استدامة هذه الأرشيفات على المدى الطويل. كما يُمثّل إنشاء أرشيفات «حيّة» تواصل جمع الشهادات وتحديث النتائج ممارسةً ناشئةً تؤدي إلى إطالة أمد تأثير اللجنة إلى ما بعد انتهاء فترة عملها الرسمي، مع ضرورة توفير التمويل المستدام والدعم المؤسسي الكافي لضمان استمرار هذه الجهود.

خاتمة

يؤكد هذا المقال أن نجاح لجان التحقيق الوطنية في السياق السوري يعتمد على هندسة مؤسسية دقيقة، ورغم أن اللجان وحدها قد لا تضمن تحقيق المصالحة أو تطبيق المساءلة، فإنها تظل قادرة على خلق مساحاتٍ حيويةٍ لكشف الحقائق، والاعتراف بالضحايا، وتعزيز التعلم المؤسسي والمجتمعي، مما يسهم في دفع مسار التحولات الاجتماعية والسياسية الأوسع قدمًا.

وعليه، فإن إنشاء لجان تحقيق موثوقة ومقبولة اجتماعيًا هو مشروع سياسي في جوهره، يهدف إلى خلق توافقٍ كافٍ بين أصحاب المصالح المتباينة، يضمن أن يكون البحث عن الحقيقة مُعبّرًا عن المصلحة الجماعية للمجتمع ككل بغض النظر عن خلفياته وتنوعاته.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى