
في تعليقه على الجريمة المروعة التي حدثت في كنيسة مار الياس توقف أحد الاعلاميين الأذكياء متأملا فكرة لا تخطر على بال.
إنها فرصة ثمينة لأول مرة منذ زمن طويل ليحصل المسيحيون في سورية على مركز سياسي أفضل في الدولة .
لا أعرف كيف أصف عقلية كهذه , دعونا نقول إنها سقطة أخلاقية قبل كل شيء , فالصعود على دماء الشهداء لبعث مشاعر طائفية تهدف لتحسين حصة في الدولة لايمكن وصفه بأقل من ذلك .
لكن دعونا نواجه حقائق أوسع قليلا مرتبطة بمثل ذلك التفكير .
بعد عهد طويل من الحكم بالقوة المتوحشة والتي استطاع فيها النظام البائد اختراق قيادات دينية سورية متنوعة من كل الطوائف كعملاء لأجهزة المخابرات , فإن بعضها مايزال على رأس عمله حتى الآن .
صحيح أنه حاول التملق للدولة الجديدة , لكنه ظل ينظر بالعين الأخرى إلى مايمكن أن يكسبه كفائض قوة وظهور في ظروف مرحلة انتقالية ظهر وكأن سورية يعاد صنعها فيها من جديد .
من الطبيعي أن تفكر هذه الطبقة من رجال الدين بأن الطريق الأمثل للصعود هو المزج بين السياسة والمشاعر الطائفية .
ومن الطبيعي أنها بعيدة عن أفكار مثل الديمقراطية ودولة المواطنة , لكن مالضير من استخدام تلك الأفكار كشعارات تختفي تحتها التعبئة الطائفية الصرفة .
فالديمقراطية تصرف كتحسين مركز الطائفة السياسي وهذا يتطلب حشد وتعبئة الطائفة وتوحيد كلمتها واستثمار أي مناسبة أو فرصة بما في ذلك صياغة مظلومية للطائفة يمكن أن تستعين بالتاريخ الذي يتسع لألف وأربعمئة عام .
هكذا لاتعود الديمقراطية حكم الشعب نفسه بنفسه عبر الانتخابات الحرة لمواطنين أحرار ولكن انتزاع حصة أكبر في الدولة , وأكبر دون تحديد السقف ولمن ؟ طبعا للطائفة المظلومة .
وحين نصل لهذا المكان من التفكير علينا أن نقول وداعا ليس للديمقراطية الحقيقية فقط , ولكن للدولة الحديثة التي لايمكن أن تقوم على هكذا عقلية أبدا .
ولمن يشتكي من مظاهر التعصب الاسلامي في الحكم الحالي : ألا ترى أنك تلتقي مع العقلية ذاتها حين تمسك بالطرف الآخر من التعصب الطائفي .
فإما أن نؤمن بدولة المواطنة التي لاتميز بين أفرادها على أساس الدين والمذهب , هذه الدولة التي لايمكن أن تقوم إلا على أساس ديمقراطي وطني عبر انتخابات لمجلس نيابي تتنافس فيه قوى سياسية عبر برامج اقتصادية وسياسية أونلتحق بقيادات دينية رضعت الانتهازية خلال نصف قرن ثم وجدت فرصتها للظهور من خلال شحن المشاعر الطائفية وعزل المكونات السورية بعضها عن بعض .
ليس صدفة ولا مجرد خطأ أن يصرح حنا العاشر أن أحدا من المسؤولين لم يهتم بالجريمة ولم يزر الكنيسة ولم يقدم واجب التعزية سوى السيدة هند قبوات المسيحية بصورة مخالفة للحقيقة مخالفة صارخة .
الرجل يهمه جدا فصل رعيته المسيحية عن جوارها المسلم وصنع جدار بين المكونين , هكذا يمكن له ولأمثاله ممن يراهن على استثمارالفرصة ِ, أي دم الشهداء , لتكون سلما نحو الأعلى .
ويبدو أن آخرين غير متدينين يشاركونه في هذا التفكير البغيض .