معادلة توازن القوى في الشرق الأوسط بعد الحرب الإسرائيلية–الإيرانية

حسن الشاغل

في ضوء التصعيد غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، تبرز الحاجة إلى قراءة جديدة لمعادلة توازن القوى في الشرق الأوسط، لا سيما في ظل الأضرار التي تكبدها الطرفان خلال المواجهة العسكرية المباشرة. ومع احتمالية انكفاء النفوذ الإيراني والإسرائيلي، تلوح في الأفق فرص أمام قوى إقليمية صاعدة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وتركيا، للعب أدوار محورية في إعادة تشكيل خارطة النفوذ السياسي والأمني في المنطقة.

تحاول هذه المقالة أن تتناول السعودية وتركيا كقوتين إقليميتين فاعلتين وقادرتين على لعب دور في “اليوم التالي” لوقف الحرب الإيرانية–الإسرائيلية، باعتبار أن الدولتين هما الأكثر قوة وتأثيرًا في المحيط الإقليمي، لما تمتلكانه من مقومات القوة العسكرية والاقتصادية، وما يرتبط بهما من أدوات.

الواقع الحالي لإسرائيل وإيران

حتى كتابة هذه المقالة، شهدت إيران أضرارًا كبيرة في منشآتها العسكرية والنووية، وبنيتها التحتية في قطاعات مختلفة، بفعل الضربات الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت قواعد ومراكز تصنيع ونقل الصواريخ.

في المقابل، تتعرض إسرائيل لعمليات قصف بمئات الصواريخ الإيرانية، والتي وصلت إلى مدن مثل تل أبيب، حيفا، رامات غان، وبت يام. واستطاعت إيران، عبر الصواريخ الفرط صوتية، استهداف مصفاة النفط في حيفا ومجمّع الطاقة “بزان”، وعدة مواقع حكومية وعسكرية مؤثرة.

ورغم الخسائر التي مُنيت بها الدولتان على كافة الأصعدة، إلا أنهما أظهرتا أدوات قوة عسكرية قد تغيّر معادلات القوة الإقليمية.

  • فعلى الجانب الإسرائيلي، برز فرط كبير في القوة:
    1. اتخاذ القرار بشنّ حرب على دولة إقليمية كإيران، وهو ما يُعد تغييرًا كبيرًا في عقلية الدولة، لأن هذا القرار قد تكون نتائجه غير محسوبة بشكل دقيق.
    2. الفعالية الاستخباراتية الإسرائيلية، من حيث قدرتها على اختراق وتصفية الصف الأول من الشخصيات والمسؤولين الذين يديرون الدولة.
    3. تفوق القوة الجوية الإسرائيلية، التي سيطرت على الأجواء الإيرانية دون ردع فعّال، بعد تحييد منظومات الدفاع الجوي لطهران، وضرب نقاط مؤثرة أضعفت قدرات الدولة.
  • وعلى صعيد القوة العسكرية الإيرانية، فقد استطاعت طهران الوصول وقصف قواعد عسكرية إسرائيلية وبنى تحتية مهمة، عبر الصواريخ الفرط صوتية، وتجاوز أنظمة الدفاع الجوي “القبة الحديدية”، والتي تُعتبر فخر الصناعة الإسرائيلية.

بالتالي، تقف قوى الإقليم أمام فرط قوة إسرائيلية، وإيرانية بدرجة أقل، ما قد يدفع الدول الإقليمية إلى تطوير أدوات قوتها العسكرية وتعزيز حالة الردع لمواجهة أي أخطار محتملة، علاوة على قدرتها على اقتناص الفرص لملء أي فراغات أمنية وسياسية قد تنجم عن تراجع النفوذ الإيراني والإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط.

دور السعودية وتركيا في معادلة توازن القوى في الشرق الأوسط

من المهم التنويه إلى أن كلاً من تركيا والسعودية حليفان استراتيجيان للولايات المتحدة الأمريكية، وتندرج القوة العسكرية للدولتين ضمن المنظومة الغربية، بخلاف إيران التي تعتمد على منظومة شرقية.

أولاً: المملكة العربية السعودية

تُعد المملكة العربية السعودية لاعبًا محوريًا في الشرق الأوسط، وتتسم سياستها الخارجية بتحولات ديناميكية تهدف إلى تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، وحماية مصالحها الحيوية، وتتمتع بقدرات إقليمية ذات فاعلية.

القوة العسكرية

الضربة الأولى التي نفذتها إسرائيل ضد إيران كافية لإعادة تفكير الدول الإقليمية في تدعيم قوتها العسكرية والاستخبارية. انطلاقًا من ذلك، من المتوقع أن تسعى السعودية إلى تعزيز قدراتها العسكرية والدفاعية لمواجهة أي تهديدات محتملة، وقد تزيد من مشترياتها من الأسلحة وتكنولوجيا الدفاع، بالإضافة إلى تنويع وتعزيز تحالفاتها الاستراتيجية بما يخدم أمنها.

وقد تعزز السعودية من خططها لتبني مقاربات جديدة لتوطين تصنيع السلاح محليًا، عبر عقد شراكات مع شركات سلاح صينية وتركية وأوروبية، بما يقلل من حجم الاعتماد على صفقات السلاح الخارجية.

وفي الواقع، حققت السعودية خلال السنوات الأخيرة تقدمًا ملحوظًا في توطين الصناعات الدفاعية، وهي جزء من رؤية 2030 التي تهدف إلى توطين 50% من الصناعات العسكرية. حيث أبرمت أكثر من 30 اتفاقية مع شركات عالمية مثل بوينغ، لوكهيد مارتن، رينو، ورايثيون، بهدف نقل التقنية والمعرفة وتوطين خط الإنتاج داخل المملكة.

ورغم التحديات المتمثلة في محدودية الكفاءات الفنية المتخصصة والاعتماد على التقنية الأجنبية، إلا أن السعودية تسير بخطوات متدرجة نحو تحقيق اكتفاء عسكري. تعكس هذه الجهود رغبة واضحة في بناء قوة صناعية عسكرية ذاتية، تعزز السيادة الوطنية والاستقلالية الأمنية، وتُقوي من وزن المملكة في معادلة الردع الإقليمية.

القوة الاقتصادية

تُعد السعودية واحدة من أبرز القوى النفطية على مستوى العالم، لما تمتلكه من مقومات استراتيجية واقتصادية تعزز نفوذها الدولي. فهي ثاني أكبر دولة في العالم من حيث احتياطي النفط المؤكد، بواقع يُقدّر بحوالي 267 مليار برميل.

بفضل هذه المقومات، تتمتع المملكة بنفوذ اقتصادي كبير وقدرة على التأثير في أسواق الطاقة العالمية، ما يمنحها مكانة استراتيجية في موازين القوى الدولية والإقليمية.

وقد حققت السعودية في عام 2022 إنجازًا اقتصاديًا كبيرًا بتخطي حجم ناتجها القومي الإجمالي حاجز التريليون دولار لأول مرة في تاريخها، حيث سجلت 1.01 تريليون دولار.

انطلاقًا من ذلك، توفّر الموارد المالية التي تمتلكها السعودية أدوات داعمة لسياستها الخارجية بما يخدم مصالحها ويعزز نفوذها في المنطقة. وقد يأتي هذا الدعم بأشكال متعددة، مثل المساعدات التنموية، وتدفقات الاستثمار، والودائع في البنوك المركزية، وتوفير النفط والغاز للدول الحليفة بأسعار تفضيلية.

الدور السعودي المتوقع

على المستوى الأمني، من المتوقع—في حال لم تتوسع دائرة الحرب—وتمكنت الرياض من احتواء التداعيات الأمنية والاقتصادية، واستغلال تراجع النفوذ الإيراني، أن تكون قادرة على رفع مستوى الأمن القومي، والتحكم في ملفات إقليمية.

فضعف النفوذ الإيراني سينعكس بشكل كبير على ضعف جماعة الحوثي في اليمن، حليفة إيران، الأمر الذي سيحسن شروط أي مفاوضات مستقبلية قد تخوضها السعودية مع الحوثيين. وستكون الرياض قادرة على ملء أي فراغ ناتج عن ضعف الحوثيين عبر حلفائها، وعلى رأسهم الحكومة الشرعية في عدن.

وفي سياق متصل، ستسعى السعودية للعب دور سياسي أوسع في العراق، فور ضعف المجموعات الفصائلية المدعومة من إيران.

إن تحييد النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، يمنح السعودية فرصة لبناء قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية، مستفيدة من حالة الاستقرار الإقليمي التي ستُخلفها الحرب.

ثانيًا: تركيا

تُعد تركيا من الدول المحورية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وتتحكم بموقع جيوسياسي مميز، وتملك شراكات سياسية واقتصادية وعسكرية مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.

القوة العسكرية

أعلن الرئيس التركي عن رفع جاهزية بلاده لإنتاج كميات ضخمة من الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وفق خطة عاجلة، مؤكدًا أن تركيا ستصل قريبًا إلى مرحلة الردع، وستمتلك قدرة دفاعية وهجومية تجعل من المستحيل على أي طرف في المنطقة التفكير حتى في استفزازها.

يوضح هذا التصريح أن تركيا ماضية في تعزيز قوتها العسكرية. وقد استطاعت خلال السنوات الأخيرة تطوير صناعات عسكرية محلية، وهي في صدد تحقيق اكتفاء شبه كامل من إنتاجها العسكري، وهو ما يعزز أمنها القومي.

وتشهد الصناعات الدفاعية التركية منذ عام 2014 تطورًا ملحوظًا من حيث الإنتاج المحلي، وتوسيع قاعدة التصدير، وتنوع مجالات التصنيع الدفاعي (جوي، بري، بحري).

فوق ذلك كله، تُعد أنقرة ثاني أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتمتلك منظومات عسكرية متطورة تكنولوجيًا، وهي شريك أساسي في صناعة السلاح مع العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.

الاقتصاد التركي

يُعد الاقتصاد التركي من الاقتصادات الناشئة الكبرى، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي نحو 1.1 تريليون دولار (2023). ويستند إلى مجموعة من المقومات، أبرزها الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يجعل من تركيا نقطة وصل بين آسيا وأوروبا، ويمنحها ميزة كبيرة في مجالات التجارة والطاقة.

ورغم ما يتمتع به الاقتصاد التركي من تنوع ومرونة، إلا أنه يواجه تحديات هيكلية، أبرزها التضخم، وانخفاض قيمة الليرة، والعجز في الحساب الجاري، وارتفاع الدين العام. ويتأثر الاقتصاد التركي بشكل كبير بالأحداث والتوترات السياسية والأمنية، بسبب اعتماده الكبير على الخدمات والسياحة، فضلًا عن عدم امتلاكه موارد أولية طبيعية بكميات مؤثرة.

الدور التركي المتوقع

لتركيا نفوذ سياسي وعسكري في منطقة الشرق الأوسط، في سوريا والعراق وليبيا وأجزاء من القارة الإفريقية. وتبدو فرص تحركها لملء الفراغ الأمني والسياسي المتوقع في المنطقة كبيرة جدًا، إذ تملك أنقرة عمقًا جغرافيًا وحدودًا مشتركة مع عدد من دول الشرق الأوسط، ما سهّل عليها خلق نفوذ وتحالفات استراتيجية، ويمنحها فرصًا أكبر للتمدد.

انطلاقًا من ذلك، قد تستغل تركيا تراجع النفوذ الإيراني لتوسيع دائرة تأثيرها في المنطقة، وتعزيز نفوذها الإقليمي. وستسعى أنقرة إلى أن تكون لاعبًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل المنطقة، كما ستعمل على تعزيز نفوذها في شمال العراق وسوريا، بما يضمن أمن حدودها ومواجهة أي تهديدات محتملة، خاصة في ظل تراجع قوة إيران ووكلائها.

الخلاصة

ستُحدث الحرب الإسرائيلية–الإيرانية تغيرًا جوهريًا في معادلة توازن القوى في الشرق الأوسط، حيث سيؤدي التراجع في النفوذ العسكري والسياسي لكل من إيران وإسرائيل إلى إتاحة فرص جديدة للقوى الإقليمية الصاعدة، خاصة المملكة العربية السعودية وتركيا، لتعزيز مكانتهما وتوسيع نفوذهما في المنطقة.

تعكس هذه التحولات مسارًا نحو نظام إقليمي متعدد الأقطاب، يتسم بالتنافس الحاد والمرونة في التحالفات، مع اعتماد متزايد على تطوير القدرات العسكرية الذاتية والاستراتيجيات الأمنية المستقلة.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى