
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه، هل يمثل قرار رفع العقوبات نهاية المعركة الدبلوماسية والشعبية معها، أم هو بداية الطريق الأصعب في خط سير سوريا السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟
صحيح أن النطاق الذي يتيحه هذا القرار في البيئة الاقتصادية هو كبير ومتعدد المستويات، إلا أنه في الوقت ذاته يضع الحكومة والشعب السوري أمام تحديات جديدة، تتمثل بكيفية استيعاب هذا الانفتاح وتوظيف مخرجاته بما يخدم النمو الاقتصادي المنشود، وبما لا ينعكس سلباً على معيشة المواطنين، وخصوصاً ما يتعلق بتبعات تحرر قيمة الصرف الحقيقي للعملة المحلية، والتي لا تزال تحت قيد ورقابة الحكومة المركزية التي تسعى لمنع انهيارها المفاجئ.
فالانفتاح المرتقب على الاستثمارات والشركات العالمية التي تتأهب لدخول السوق السورية، ما لم يكن مدعوماً بقدرات داخلية مؤهلة تمكنها من تنظيمه واستثماره بشكل يوفر عملية تبادلية تطويرية، تبدأ من العامل البشري السوري، ليكون مردودها على بيئته المحيطة، سيجعل من سوريا مجرد محطة عابرة ويد عاملة رخيصة، ما يعني أن التحدي المقبل لا يكمن فقط في توفر التدفقات المالية أو الموارد الخارجية، بل في كيفية استثمار كل ذلك بما يجعل سوريا تنهض على أسس عابرة للتقلبات السياسة والأنظمة الحاكمة، أي بناء البنية التأسيسية الصالحة لاقتصاد صحي وطبيعي وعام يماثل البيئات الاقتصادية التي عبرت ظروف حروبها وأزماتها السياسية.
مواجهة الواقع الحالي الذي تعاني منه سوريا، سواء من خلل الهيكل التنظيمي للاقتصاد أو غياب الشفافية، والفساد المؤسساتي المتراكم، وكل ذلك مرتبط حالياً بواقع سياسي قانوني يحتاج إلى بنية تحتية تشريعية وقانونية وأمنية، تحمي “التطلعات” قبل الوصول إليها، سواء كانت الحكومة السورية ترى صورة اقتصادها مناصفة بين القطاع العام والخاص، أو أنها تريد لحصة القطاع الخاص أن تكبر على حساب العام في خطوات حذرة ومنظمة، ما يجعل الأولوية اليوم لتسريع وجود بيئة تشريعية تمثل السوريين وتسعى للحفاظ على التوازن المطلوب لضمان حقوق السوريين في حياة كريمة وفرص عمل مجدية، وعادلة لجميع القطاعات والمنشآت الكبيرة والصغيرة وما بينهما.
سوريا اليوم أمام فرصة ربما لم تحصل عليها سابقاً، وهي الاجماع الدولي والإقليمي وأهمه التوافق العربي البيني ومع الآخرين، على رعاية هذا التغيير الجذري في السلطة وآليات الحكم وأهدافه، رغم أنه تغيير محفوف بالمخاوف المرافقة له، والمشروط أيضاً بتغييرات داخلية تؤدي إلى ضمان السلم الأهلي، الذي لا يزال يعاني من زلات ممارسات مسلحة تارة، ومن انزلاقات المكونات نحو التكتلات المرجعية الطائفية أو القومية تارة أخرى وثانية وثالثة.
فإن لم يضبط إيقاع المرحلة المقبلة على هدف التنمية الحقيقي، وهو تعزيز قدرة المواطن السوري، فقد يطرح هذا الانفتاح ثماره خارج الأرض السورية، فتغرق مراكبنا في بحر الشراكات الخارجية غير المجدية. ولهذا لا بد من رفع الحصار عن الكفاءات السورية وفتح الأبواب لها، تكنولوجياً وخدماتياً ومشاريع التنمية في كل المجالات، لتكون هي الرافعة الوطنية الحقيقية لمجتمعاتها المحلية.
فرصة الانفتاح التي توفرها قرارات رفع العقوبات، التي باتت قاب قوسين أو أدنى من حدوثها الفعلي القانوني، يجب ألا تضيعها حالة الانفلات الأمني والانغلاق “المكوناتي”، وفوضى البيئة الداخلية التشريعية التي لم تأخذ موقعها المؤسساتي حتى اللحظة.
إن عودة سوريا إلى خريطة العالم كدولة مستقرة وقادرة على النهوض من رماد حربها الطويلة، يحمّل السوريين وحكومتهم مسؤوليات تكاد تكون أشد وطأة عليهم من كل ما سبق، هو طريق الخلاص الصعب، لكنه بالإرادة قد يكون قريباّ.
المصدر: المدن