الإيجارات تبتلع دخول السوريين.. السكن في دمشق وحلب “أقرب للمستحيل”

عمر حاج حسين

شهد قطاع العقارات في مدينتي دمشق وحلب قفزات غير مسبوقة مع نهاية عام 2024، بالتزامن مع تعليق معاملات نقل الملكية في دوائر السجل العقاري بعد سقوط النظام المخلوع، ما تسبب بارتفاع بدلات الإيجار إلى مستويات قياسية، وفاقم معاناة المواطنين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود.

وعلى الرغم من تراجع أسعار العقارات في بعض المناطق، تشهد حركة الشراء حالة من الشلل نتيجة لضعف القدرة الشرائية للسوريين، ما حوّل العقارات إلى سلعة استثمارية من خلال عرضها للإيجار، وهو ما شكّل عامل ضغط إضافياً على السوق وتسبب بزيادة غير مبررة في الأسعار.

جمود في سوق العقارات السوري

ومنذ تعليق معاملات بيع وشراء العقارات في 8 كانون الأول 2024، دخل السوق العقاري في حالة جمود تام، ما ألحق أضراراً كبيرة بالعديد من المستثمرين والمواطنين الذين كانوا يخططون لبيع أو شراء ممتلكاتهم.

وفي هذا السياق، يقول فادي الحمود، صاحب مكتب عقاري في حي المرجة بدمشق: “على الرغم من أن الأسعار تراجعت في بعض المناطق بنسبة تصل إلى 50%، إلا أن هذا التراجع لم ينعكس على حركة السوق عموماً، حيث ما زالت العقارات تُعد أصولاً مجمّدة”.

وأوضح في حديثه لتلفزيون سوريا أن الشقة كانت تُعرض سابقاً بـ500 مليون ليرة في المرجة، انخفض سعرها اليوم إلى 300 مليون ليرة، كما تراجعت أسعار الغرف السكنية المنفصلة من 100 مليون إلى 50 مليون ليرة، في ظل الجمود السائد في بيع العقارات، مما زاد من الطلب على الإيجارات.

وأشار الحمود إلى أن الإيجارات الشهرية في بعض أحياء وسط العاصمة تجاوزت 7 ملايين ليرة سورية، أي ما يعادل 700 إلى 1000 دولار بسعر السوق السوداء، مع اشتراط دفع المبلغ مقدّماً، ما قد يصل إلى 100 مليون ليرة، أي ما يعادل نحو 10 آلاف دولار.

أما في الأحياء الشعبية مثل نهر عيشة وركن الدين، فقد تراوحت بدلات الإيجار بين مليونين إلى خمسة ملايين ليرة، وهي مبالغ تفوق القدرة الشرائية لكثير من المواطنين.

وعلى الرغم من ذلك، اضطرت العديد من العائلات إلى مغادرة مراكز المدن والتوجه إلى الضواحي والمناطق الأقل كلفة، إلا أن هذا الخيار لا يخلو من التحديات، حيث تواجه تلك المناطق نقصاً في الخدمات الأساسية وارتفاعاً في تكاليف المواصلات، ما جعل النزوح إلى الضواحي عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على المواطنين.

تقول السيدة أم عبود، وهي أم لأربعة أطفال من ضواحي دمشق، لموقع تلفزيون سوريا: “حتى في حي صحنايا، الذي انتقلنا إليه بسبب الأسعار المرتفعة في المدينة، لا يقل الإيجار عن نصف مليون ليرة، وهذا المبلغ وحده يلتهم أكثر من نصف دخلي الشهري، في وقت أحتاج فيه لتأمين أساسيات الحياة لأطفالي”.

وضع السوق العقاري في حلب

لا يختلف الوضع في محافظة حلب، حيث يشهد السوق العقاري حالة من التخبط الشديد، إذ ارتفعت بدلات الإيجارات بنسبة 20% بعد سقوط النظام السابق.

ووفقاً لـعبد الله أعرابي، صاحب مكتب عقاري في حلب، فإن متوسط الإيجار السنوي في أحياء الحمدانية، حلب الجديدة، والأعظمية يصل إلى 30 مليون ليرة، أي نحو 3000 دولار، وهو رقم بعيد عن متناول غالبية السكان.

وأوضح أعرابي أن الأسعار في أحياء مثل الفرقان، الشهباء، الموكامبو، والعزيزية تراوح متوسط الإيجار السنوي فيها بين 100 و200 مليون ليرة، بحسب المساحة والموقع.

بدوره، قال رئيس جمعية الإسمنت والخبير العقاري شوكت بلال، إن أسعار البيع ارتفعت بنسبة تراوحت بين 10% و15%، في حين زادت الإيجارات بنسبة 20%، رغم أن الحلبيين تقليدياً يعزفون عن السكن بالإيجار.

وأشار إلى أن شقة صغيرة من غرفتين وصالة في حي سيف الدولة تجاوز إيجارها السنوي 25 مليون ليرة، مؤكداً أن الإيجارات ارتفعت مسبقاً بنسبة 50% في المناطق الشعبية و100% في الأحياء الحديثة منذ آذار 2024.

وحمل بلال البلديات ونقابات المهندسين والمقاولين مسؤولية ارتفاع تكاليف البناء بسبب الرسوم المرتفعة والرشاوى، التي قال إنها تشكل نحو 35% من مجمل الكلفة.

كما أشار إلى أن حلب تضم 22 منطقة عشوائية يقطنها أكثر من نصف السكان، وأن تلك المناطق بحاجة إلى تنظيم وتسليمها لشركات تطوير عقاري تبني أبراجاً سكنية بمعايير عالمية.

وكشف أن بلدية حلب هدمت مئات المنازل في هنانو والحيدرية عامي 2013 و2014 بحجة التنظيم، من دون تنفيذ أي مشاريع بديلة، مشدداً على ضرورة إلغاء جهات الترخيص المعطِّلة، وتخفيض رسوم المهندسين التي ارتفعت بنسبة 300%.

ودعا بلال رجال الأعمال السوريين والعرب للاستثمار في السوق العقاري، معتبراً أن “العقار في حلب استثمار مضمون” بعائد لا يقل عن 15%، بشرط وجود قوانين محفّزة وضمانات حكومية واضحة تشجع على إعادة الإعمار بشفافية وفعالية.

وقال إن “تحليل الوضع الراهن يكشف أن عدة عوامل أسهمت في اختلال السوق العقاري، أبرزها تراجع السيولة النقدية، وغياب الرقابة الحكومية، و”دولرة” السوق، إلى جانب إغراء السوق للمستثمرين بعد تحسن الأوضاع الأمنية، وعودة آلاف المغتربين، ما أدى إلى ضغط إضافي على الإيجارات”.

غياب التنظيم الحكومي

ويشير أصحاب مكاتب عقارية إلى غياب أي تنظيم حكومي واضح لضبط السوق، ما يسمح بزيادة الأسعار بشكل غير قانوني، إذ تُسجَّل العديد من عقود الإيجار بأسعار رمزية لتجنب الضرائب، في حين تُفرض الأسعار الحقيقية شفهياً، ما يعرّض المستأجرين للاستغلال والابتزاز.

ورغم أن بعض الخبراء يشيرون إلى إمكانية استقرار السوق العقاري، إلا أن هذا الاستقرار مرهون بتفعيل دوائر السجل العقاري، وتسهيل الحصول على القروض السكنية، وتطوير مشاريع سكنية في الضواحي، وتعزيز الرقابة الحكومية لضمان الشفافية في التسعير.

وفي ظل تراجع القدرة الشرائية وتزايد معدلات الفقر، يصبح السكن بعيد المنال لشريحة واسعة من المجتمع، وتظل الأزمة السكنية في سوريا واحدة من أكبر التحديات التي تتطلب حلاً وطنياً شاملاً، يضمن الحق في المسكن الكريم، ويُنهي الاستغلال العقاري.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى