تطور الانسان عبر مسيرته الحياتية وتطورت معه طبيعة الاشكالات والأزمات وتداخلت الأمور فيما بينها، حيث بات يتعرض إلى أزمات طبيعية من كثرة تدخلاته بطبيعة مسيرتها ، فسببت له الكوارث الطبيعية، ولكن لم يتوقف الأمر على الطبيعة ، بل وصل إلى نشوء أمراض وأوبئة راح ضحيتها ملايين الأرواح ، وبلا شك فإن طمع الإنسان ولد حالات من الجشع ، الذي قاد إلى سوء فهم للكثير من القضايا الدولية ، وخلق أجواء توتر حتى وصلت لمستوى أزمة قد ينتج عنها التصادم العسكري بامتياز ، ناهيك عن قرارات أحادية الجانب ، سببت انعكاسات على المستوى الدولي وأزمات عانت منها الدول المعنية مباشرة، ودول لا ناقة لها ولا جمل بالموضوع ،مما قاد كبار السياسيين والقائمين على إدارة الدول لإنشاء مفهوم إدارة الأزمات بشتى مفاهيمها وتشعباتها ، وبالأسطر التالية سنحاول قدر الإمكان التعرف على هذا الموضوع وبعض من تشعباته وإمكانات مواجهة الأزمات أو على الأقل تخفيف حدة قوتها .
لقد تم تداول مصطلح الأزمة الدولية في السياسية الدولية خلال القرن التاسع عشر، لتحديد الفترة الانتقالية ما بين السلم والحرب سواء أدت الأزمة إلى نشوب صراع مسلح أو تمت التسوية للأزمة بالطرق السلمية، حيث تعتبر الأزمة الدولية مرحلة تمهيدية للحرب، ولكن قبل الوصول الى هذا النوع منها يتعين علينا توضيح أنواع الأزمات:
- أزمات طبيعية (براكين زلازل أعاصير فيضانات تصحر الخ …)
- أزمات وبائية صحية
- أزمات اقتصادية غذائية نقدية
- اعتصامات وعمليات ارهاب
- أزمات أمنية
- أزمات ثقافية اجتماعية بشتى مفاصلها
- الأهم هي الأزمات الدولية ، التي تقود بعض الأحيان إلى حالة تصادم عسكري، كما بينت أعلاه وهي ظاهرة متكررة تظهر للوجود وتفرض نفسها على الواقع الدولي ، وتشكل في الوقت نفسه نقطة تحول في مسار العلاقات الدولية ،حيث تضع أصحاب القرار في مواقف يصعب التعامل معها بنجاح ، وهي ظاهرة تنبع بأغلب الأحيان من تخبطات سياسية يسودها الخوف من تهديدات للقيم والمصالح العليا للدولة المتفاعلة مع الأزمة ، كون العلاقات الدولية بالأساس هي علاقات متشابكة في المجتمع ككل، لذلك دراستها ووضع نظم وقوانين للتعامل مها يعتبر من أهم مسؤوليات القائمين على إدارة تلك الدولة كي تخفف من حدتها ومخاطرها لمنع نشوب حروب بين الدول المعنية بها وتجر ورائها دولا أخرى .
لذلك أصبح من الضروري وضع خطوات أساسية ومطالب ومن جرائها يمكننا الوصول الى مفهوم أكثر شمولية:
المطلب الأول: تعريف الأزمة
المطلب الثاني: أسباب الأزمة ومراحل تطورها.
المطلب الثالث: إدارة الأزمة وسبل تسويتها.
تعريف الأزمة الدولية
حيث يستخدم المصطلح للتعبير عن أشكال متنوعة لتصف حالة معينة تمر بها الدولة كما بينت ، ويمكن لها أن تحدث بأي وقت وبأي مكان ويمكن لبعضها الوقوف عليها وحلها ، والبعض يصعب حتى تخمينها ، فلذلك كل الخطوات الوقائية تنتهي بالفشل وخاصة الدولية الكثيرة التعقيد والتشابك ، وحينما تكون الدولة غير معنية كما حدث على سبيل المثال أزمة البترول عام 1973 حيث تأثرت دول لا علاقة لها بأحداث الدول العربية مع الكيان الصهيوني وسببت لها كوارث وأزمات اقتصادية هائلة حينها تكون إدارة الأزمة لديها بحالة متفرج لا أكثر منتظراً نتائج تلك الأزمة بين الدول الأخرى .
ما يتعلق بطبيعة إدارة الأزمة وتحديد ماهيتها فيما إذا كانت علماً أم فناً، يمكننا أن نقول أن إدارتها فن وعلم في آن واحد، لأنها تتم وفق منهج علمي له أصوله وقواعده ومبادئه، كونه نشأ عن عمليات استدلال مسبقة يمكن من خلالها مواجهة الأزمات التي تحدث بشكل مبكر، ووضع الخطط اللازمة لتفادي وقوعها كأزمات الغذاء وشحه، أو التصحر وانتشار الأوبئة، فوجود أشخاص يمتلكون مؤهلات ومواصفات خاصة كالقدرة على التحكم في مسارات الأزمات حيث حتى الأزمات تمر بمراحل مختلفة يتوجب العمل عليها.
تتمثل مراحل الأزمة بالشكل التالي:
- مرحلة تجنب الأزمة: وفيها يتم تفادي وقوع الأزمة من خلال منع حدوث الحالات
التي تؤدي إلى نشوب الأزمة.
- مرحلة التهيؤ لإدارة الأزمة: وهذه تأتي بعد فشل محاولة منع وقوع الأزمة، وتتم
بوضع خطة لإدارة الأزمة المتوقعة وبشكل منفصل.
- مرحلة إدراك الأزمة: وهذه المرحلة تمثل التحدي الأكبر لصناع القرار لأنها تؤشر
إلى الوجود الفعلي للازمة وفيها يجب تحديد أسباب الأزمة ومعرفة كيفية التعامل معها.
- مرحلة احتواء الأزمة: وهذه تتطلب اتخاذ قرارات سريعة في ظل ظروف نقص
المعلومات وأجواء الشك والتهديد السائدة.
- مرحلة حل الأزمة: ويتم فيها استخدام مجموعة من الأساليب التقليدية وغير
التقليدية والأدوات الترغيبية والترهيبية وبكفاءة عالية من اجل حل الأزمة.
- مرحلة الاستفادة من الأزمة: وهذه المرحلة مهمة جداً،حيث يمكن أن ينتج عنها كوادر جديدة قادرة بالمستقبل التعامل مع الأزمات بالشكل الأكثر تلاؤما مع طبيعة الأزمة، ليتم دراستها بالكامل وإعادة النظر بالأساليب التي استعملت والتركيز على الأكثر فعالية وتحسين ما كان أكثر ضعفاً ليتماشى مع حقيقة الأزمة.
لنأخذ المثل الأكثر قرباً لنا اليوم ، وهو أزمة فيروس كورونا ، وكيف قلب كل الموازين والمعايير الدولية، ووضع الدول والشعوب أمام تحدي لامثيل له عبر التاريخ ،فقد ولدت عن تلك الأزمة إشكالات اقتصادية غذائية مالية ووفيات، مما أجبر الدول على إعادة النظر بكل معاهداتها الدولية وسياستها بإدارة المفهوم الصحي الوقائي وما يتطلبه هذا المفهوم ، وبلا شك هو ناتج عن سوء تخطيط للدول بإدارة الأزمات ، وقد اختلفت التحضيرات للأزمة من دولة إلى أخرى ، وأكيد اختلفت نتائج الأزمة باختلاف تلك التحضيرات ، مما دفع الدول بالإجمال إلى صك قوانين أكثر شدة بمراقبة المخابر الطبية ومصانع الأدوية ، ووضع بروتوكولات دولية تنص على مفهوم التعاون الدولي لمواجهة هكذا نوع من الأزمات الصحية .
أما إذا انتقلنا الى نوع آخر من تلك الأزمات التي يكون للدولة فيها دور أكثر أهمية بالتحضير للوقاية منها فسنجد مثلاً الأزمات الغذائية، وكلنا يعلم ماذا يعني الأمن الغذائي، وكيف تعمل الدولة على إنشاء مخازن غذائية تكفي شعبها لسنوات، تحسباً لأزمة محصولية أو وباء قد يصيب زراعتها، وبالشكل العام تكون كافية لفترة ثلاث سنوات لبعض المواد، وأقل لبعض منها، ومنها الأدوية الزراعية والأسمدة وفقاً لشروط وفترات التخزين لها.
لننظر اليوم إلى الأزمة أو بالأصح الكارثة التي حلت بلبنان وانفجار مستودعاتها بالميناء. إن الغياب الكامل لمفهوم الأمن بمعنى تحاشي انفجارات وما إلى ذلك من تداعيات ، نتج عنه كارثة أصابت المنطقة ككل، ليس فقط لبنان، وهذا يعطينا أكبر مثال على المفهوم والحس ببعد إدارة الأمور قبل حدوثها ، ومدى خطورة ذلك، ونستطيع القول أن الموضوع لا ينحصر ضمن مسؤولية القائمين على ذلك بلبنان، بل بالأصح أصبح من ضمن مسؤولية المجتمع الدولي ، لتقصي حقائق الأمور للتوصل لمفاهيم وبروتوكولات دولية تجبر الكل على اتباع الوقايات والخطوات اللازمة لتفادي هكذا أزمة ، التي قد تقود إلى أزمة دولية بامتياز بالمنطقة، لتداخل وتشعب الأمور فيها ، انطلاقاً من المصالح الشخصية وتحقيق المكاسب وصولاً لمكاسب سياسية وأهداف لا تمت للإنسانية مطلقاً ، أكيد ستتداخل علينا بعض الشيء التعاريف لمفاهيم الأزمة الدولية حيث اختلفت الرؤى الفكرية للباحثين ونتج عن ذلك التعدد بالتعاريف بمصطلح الأزمة الدولية وكونها ظاهرة نتيجة تفاعلات بين الدول مما قد يؤدي الى حدوث توتر في هذه العلاقات وقد يتصاعد إلى درجة اندلاع حرب ومن الطبيعي أن تكون هناك مسببات تختلف من وقت لآخر ومن دولة لأخرى، وأكبر مثال لنا اليوم هو حالة لبنان وهذا يحثنا على أن ندرس جيداً مفاهيم الأزمة والسعي المستمر لتطوير اساليب التعامل معها وفقاً لطبيعة الدولة الجغرافي السياسي الاقتصادي وتحسين دور المواطن ودفعه إلى التفاعل مع موضوع الأزمات كون الموضوع يعنيه بالدرجة الأولى.