الأبعاد الاستراتيجية لزيارة الرئيس الشرع إلى السعودية

عبدالله تركماني

نظر السوريون إلى زيارة الرئيس بآمال تنطوي على تمنيات بتجاوز ظروفهم الصعبة وتلبية حاجاتهم الملحة إلى السكن والغذاء والماء والكهرباء، إذ إنّ التحدي الاقتصادي الموروث عن نظام المخلوع، الذي ترك سورية منهارة تحتاج إلى إعادة البناء على كل الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

وتساءلوا: لماذا اختار الرئيس السعودية في زيارته الخارجية الأولى، وقبلها استقبل أمير قطر أول زائر إلى دمشق بعد التغيير؟

لا شكَّ أنّ القيادة الجديدة تدرك أهمية تنظيم شراكاتها الاستراتيجية بما يؤمّن متطلبات الأمن والاستقرار، من خلال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، إضافة إلى الطموح في الاندماج بالمشاريع الإقليمية.

ما تحتاجه سوريا اليوم هو الوزن الدبلوماسي للمملكة، لإقناع الدول الفاعلة في السياسات الإقليمية والدولية أنّ سوريا الجديدة ستكون عامل أمن واستقرار في المنطقة والعالم..

إذ يدرك الرئيس الشرع أنّ السعودية تمتلك القدرة والمصلحة لدعم سوريا خلال المرحلة الانتقالية كي تمرَّ بسلام، فهي قوة سياسية مؤثرة في مخاطبة المجتمع الدولي وطمأنته للدخول في شراكة مع القيادة الجديدة، التي يحتاجها للاعتراف بشرعية نظامه ورفع العقوبات عن سوريا، وقد أدت المساعي السعودية إلى إلغاء بعضها.

في الواقع، إنّ ما تحتاجه سوريا اليوم هو الوزن الدبلوماسي للمملكة، لإقناع الدول الفاعلة في السياسات الإقليمية والدولية أنّ سوريا الجديدة ستكون عامل أمن واستقرار في المنطقة والعالم، وبذلك تكون الزيارة مهمة للبلدين والأمن والسلام في الشرق الأوسط، خاصة بعد أن حاول الرئيس إصلاح الترسبات السلبية التي خلّفها نظام الهارب بشار الأسد.

ويبدو أنّ الزيارة قد تُوجت بشراكة تسهم في الاستجابة لحاجات الشعب السوري الإنسانية والاقتصادية، بخطط مستقبلية واسعة، ستتجاوز الاستثمارات المالية والاقتصادية إلى الموارد البشرية والطبيعية والصناعية، في مجالات الطاقة والتعليم والصحة والتقنية، إضافة إلى الجانب الإغاثي، الذي كانت المملكة قد استجابت له منذ بداية التغيير، من خلال جسرين جوي وبري، مما أسهم في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية على الشعب السوري.

مما يدل على سلامة الخيار الأول للرئيس الشرع، إذ أدرك أنّ المملكة تمثل القوة العربية الكبرى ذات التأثير في التوجهات الإقليمية الشرق أوسطية، للحصول على دعم سياسي على الأصعدة العربية والإقليمية والدولية، إضافة إلى جذب الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية، لما تمتلكه من نفوذ في مجلس التعاون الخليجي، الأكثر قدرة على تمويل إعادة الإعمار والاستقرار في سوريا، المشروط بمصداقية إعلانات قيادة المرحلة الانتقالية.

وفي المقابل فإنّ ثمة مكاسب هامة للملكة من دعم التحول السوري، من أهمها: إعادة التوازن الإقليمي بعد تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا خاصة والمنطقة عامة بما يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي، وفرص استثمارية للشركات السعودية خاصة في مجال إعادة تأهيل المدن المدمرة من خلال مشاريع الطاقة التقليدية والمتجددة، والخدمات الإلكترونية المتنوعة.

لقد كانت قيادة المملكة تراقب توسّع النفوذ الإيراني، الممتد من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن، بما يهدّد مجالها الحيوي في دول مجلس التعاون الخليجي، ورأت أنّ التغيير في سوريا أدّى إلى خسارة إيران لحليفها بشار الأسد وسوريا، خاصة بعد أن أكدت قيادة التغيير على الابتعاد عن إيران، والتوجه الاستراتيجي نحو مجلس التعاون الخليجي وتركيا.

من هنا جاء انفتاح المملكة على الحكم الانتقالي في سوريا، إذ عقدت اجتماعاً موسعاً حول الاستجابة لحاجات سوريا الجديدة، حضره عدة وزراء خارجية من دول عربية وتركيا وأوروبا.

المساهمة السعودية في إعادة إعمار سوريا يكسبها تعاظم نفوذها الإقليمي وإعادة صياغة المشهد العربي، من خلال ضمان مصالح مجلس التعاون الخليجي والدول العربية..

كما أصبحت المملكة تطمح إلى المشاركة الفعالة وإبراز دورها في ضمان الأمن الإقليمي، بما يحمي مصالحها ومكانتها وإيصال رسالة إلى القوى الدولية الحريصة على استقرار الشرق الأوسط وضمان مسالك الطرق التجارية.

وفي هذا السياق تبرز أهمية زيارة الرئيس الشرع، لما تتمتع به سوريا من مكانة جغرافية سياسية هامة في ضمان هذا الاستقرار بسبب مركزيتها في بلاد الشام القريبة من منطقة الخليج العربي، نظراً لحسابات اليوم التالي لما بعد حرب غزة.

وبالتالي فإنّ المساهمة السعودية في إعادة إعمار سوريا يكسبها تعاظم نفوذها الإقليمي وإعادة صياغة المشهد العربي، من خلال ضمان مصالح مجلس التعاون الخليجي والدول العربية.

وبذلك تمتلك مفاتيح الحلول للملفات الإقليمية العالقة، وأولها القضية الفلسطينية، أي أنّ الدعم السعودي للقيادة السورية الجديدة يندرج ضمن إطار حساباتها ومصالحها، والحرص على ضمان استكمال الانتقال السياسي السلمي، بما يخدم مصالح الشعب السوري.

وهكذا، فإنّ المستقبل المنظور سيكشف مدى ترجمة اتفاقات الزيارة إلى خطوات عملية، بما يساعد الشعب السوري على الخروج من حالة عدم توفّر حاجاته الأساسية إلى مرحلة إعادة الإعمار والاستقرار.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى