يُقال إن الكلمة كالرصاصة، إذا أُطلقت لا يمكن استعادتها، وفي زمن الثورات والحروب، تصبح الكلمة أكثر خطورة من الرصاصة، لأنها قد تُشعل نارًا يصعب إخمادها، أو تبرر جرائم تُرتكب بحق الأبرياء، وفي السياق السوري، استخدم النظام الفنانين والإعلاميين بمثابة أدوات حشد وتحريض، لدعم أعمال عنف أدت إلى قتل وتهجير مئات الآلاف من المدنيين. فهل يتحمل هؤلاء مسؤولية قانونية عن كلماتهم إلى جانب المسؤولية الأخلاقية التي لا خلاف على قيامهم بهدرها تماماً؟
لعب الفنانون والإعلاميون السوريون دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام خلال سنوات الثورة السورية، لكن بعضهم تجاوز حدود المسؤولية الأخلاقية والقانونية ليصبح طرفًا فاعلًا في النزاع، من خلال التصريحات العلنية التي دعت للقتل أحياناً حتى بالسلاح الكيميائي المحرم (أما آن للكيماوي أن يستشيط كما دعت إحدى الفنانات)، بينما ارتدى بعضهم الزي العسكري، وزاروا قطعات الجيش وقبلوا أحذية جنود جيش الأسد الذين ارتكبوا إحدى أفظع المجازر التي عرفتها الإنسانية، دعماً للعمليات العسكرية التي أفضت إلى مقتل وتهجير ملايين من المدنيين وإلى تدمير سورية.
ويمكن إدراج هذا التحريض والدعم ضمن إطارين من الأفعال التي تثير المسؤولية القانونية:
- الدعم العلني للعمليات العسكرية ونشر خطابات الكراهية والتحريض:
ساهم العديد من الفنانين والإعلاميين في تبرير العمليات العسكرية من خلال تصريحات تروج لفكرة الحرب على “الإرهاب” أو “الخونة”……الخ، مما يُعدّ تحريضًا مباشرًا أو غير مباشر على العنف وحملت هذه التصريحات في طياتها نزع السمة الإنسانية عن المعارضين أو المجموعات المستهدفة، ما عزز الفجوة الاجتماعية وشجع على استمرار النزاع..
- ارتداء الزي العسكري وزيارة الجبهات:
ارتبطت هذه الأفعال بتقديم صورة رمزية للدعم المباشر للجيش. ويعدّ ذلك انخراطًا فعليًا في النزاع، يرقى لاعتباره قانوناً مشاركة معنوية أو تحريضية أو حتى مادية في الجرائم المرتكبة.
سياق هذه المسؤولية وفق القانون السوري:
قانون العقوبات السوري (المواد 285 – 286) : تعاقب على كل فعل أو خطاب يهدف إلى إثارة الحرب الأهلية أو الطائفية، وهو ما يمكن تطبيقه على تصريحات الإعلاميين والفنانين الذين دعموا العمليات العسكرية ضد المدنيين وعلى نشرهم الأخبار الكاذبة التي أضرت بالسلم الأهلي.
قانون العقوبات السوري (المواد 2017 – 2019-2018): التي قضت بمعاقبة المحرض بالعقوبة المقررة للجريمة إذا وقعت النتيجة أو شرع في الجريمة وإذا لم يفض التحريض لنتيجة فبعقوبة أخف، واعتبار كل شخص ساهم بأي شكل في ارتكاب جريمة شريكًا فيها، حتى لو لم يكن الفاعل المباشر”، فيمكن الاستناد إلى هذه المواد لمحاسبة من أيدوا أو حرضوا على عمليات أدت إلى قتل أو تهجير المدنيين.
قانون العقوبات السوري (المادة 307): كل عمل وكل كتابة وكل خطاب يقصد منها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة فنشر أخبار كاذبة أو مغرضة تؤدي إلى الإضرار بالسلامة العامة أو تهديد الأمن الوطني يمكن أن يعرض مرتكبها للعقوبة وبالفعل فإن ثمة فنانين وإعلاميين قد أطلقوا تصريحات تهدف إلى ترويج معلومات غير صحيحة أو تعزز الكراهية بين أطياف المجتمع، مما ساهم في تدهور الوضع الأمني أو التسبب في قلاقل اجتماعية أو سياسية.
سياق مسؤولية الفنانين والإعلاميين وفق القانون الدولي
وفقاً لنظام روما الأساسي المادة 25 تجرم التحريض على ارتكاب الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الدولية مثل القتل أو القصف العشوائي للمدنيين أو الهجمات التي تستهدف أماكن غير محمية، فالإعلامي أو الفنان الذي حرض على ارتكاب هذه الأفعال، سواء عبر وسائل الإعلام أو من خلال دعم العمليات العسكرية في مناطق معينة، فيمكن ملاحقته يتم محاسبته بموجب هذه المادة.
وقد عرفت لجنة القانون الدولي جريمة التحريض المباشر والعلني بأنها نداء في مكان عام موجه لعدد من الأفراد لاقتراف الجريمة، أو أنها نداء موجه لجمهور أكبر من الناس بوساطة وسائل الإعلام الجماهيرية كالإذاعة والتلفزيون.
وفقاً لاتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولات الإضافية تحظر جميع أشكال العنف ضد المدنيين، بما في ذلك الهجمات العشوائية أو الهجمات التي تستهدف المدنيين أو المنشآت غير العسكرية، وفقًا للبروتوكول الإضافي الأول لعام (1977) ، يُعتبر التحريض على العنف ضد المدنيين أو تأييد الهجمات التي تستهدف المدنيين جريمة.
المسؤولية عن خطاب الكراهية والتحريض بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وفقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يحق للأفراد التعبير عن آرائهم، ومع ذلك فإن حرية التعبير ليست غير محدودة، بل إنها مقيدة في حالات التحريض على العنف أو الكراهية التي تشكل تهديدًا للأمن العام أو السلامة العامة، فالمادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تحظر التحريض على الحرب أو الكراهية، أي الدعوة إلى العنف ضد أي مجموعة على أساس الدين أو العرق أو المعتقدات السياسية.
وعليه فالمسؤولية القانونية للفنانين والإعلاميين الذين دعموا جرائم نظام الأسد في سوريا ليست مسألة أخلاقية فحسب، بل قضية قانونية أيضاً في مفصل تاريخي يفترض أن يتم فيه إعادة بناء الضمير الجمعي السوري وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان ومحاسبة هؤلاء سوف تمكن سوريا في مرحلة ما بعد الصراع من تحقيق العدالة، وترسيخ مبادئ المصالحة الوطنية، وبناء دولة تعتمد على سيادة القانون.
هؤلاء الفنانون والإعلاميون الذين شكلوا سابقاً ويشكلون اليوم تهديداً حقيقياً على السلم الأهلي والذين لا رادع يمنعهم من التلون وإعادة الكرة مع ثورة مضادة أو التملق لأي مشتر جديد، يتعين على رجال القانون والجهات الحقوقية الحريصين على الثورة والعدالة والسلم الأهلي والمخلصين لبناء وطن تعود فيه رسالة الفن إلى دورها الأخلاقي الصحيح البدء ببناء ملفات الادعاء عليهم على شركاء الأسد في جرائمه استعداداً لمرحلة المحاسبة والعدالة القادمة وسلوك سبل الملاحقة القانونية العديدة المتاحة لمحاسبة هؤلاء الذين تحاول اليوم بعض وسائل الإعلام إعادة تدويرهم وتسويقهم وأتاحت الفرصة أمامهم لتقديم تبريرات بائسة لدورهم القبيح، فعداك عن النبذ والعزل الاجتماعي لهم فإن المحاسبة والمحاكم هي المكان الطبيعي لمن ترك رسالة الفن الأخلاقية واختار أن يشارك المجرمين جرائمهم فعليهم مثل ما عليه من مسؤولية أخلاقية وقانونية فالتابع تابع.
المصدر: تلفزيون سوريا