عن لقاء العقبة والدور الأممي المطلوب في سوريا

حسن النيفي

يجسّد لقاء العقبة في المملكة الأردنية الهاشمية يوم السبت الفائت (14 – 12 – 2024) حراكاً سياسياً عربياً وإقليمياً ودولياً هو الأول من نوعه في أعقاب سقوط نظام الأسد، وقد جاء هذا اللقاء في سياق يؤكّد على أن الشأن السوري كان وما يزال محطّ اهتمام عربي واسع، ليقين الجميع بأن التحوّلات الكبيرة التي تجري في سوريا لن تنحصر تداعياتها على الجغرافية السورية فحسب، بل لها امتداداتها العربية والإقليمية.

وبعيداً عن العبارات والمواقف التي تدلّ على إجماع واسع في دفع عملية الانتقال السياسي في سوريا بسلاسة عبر إشراك جميع السوريين في صياغة مستقبلهم وتوفير الفرصة لمساهمات فعّالة من جميع الطيف السوري -قومياً ودينياً- وكذلك بعيداً عن المواقف التي جاءت مؤكّدةً لسابقاتها فيما يخص الحرص على وحدة وسلامة الأرض السورية وإدانة العدوان الإسرائيلي المتكرر على سيادة الدولة السورية واستباحة بنيتها العسكرية ومقدراتها المادية وكذلك إدانة التوغل الصهيوني في عمق الأراضي السورية، أقول: بعيداً عن كل ذلك، فإن ثمة ما يستوقف الكثير من السوريين، بل وربما يثير المزيد من التساؤلات التي لا تخلو من الريبة، وأعني بذلك تأكيد جميع من التقوا في العقبة على أن تكون العملية السياسية في سوريا مُستندةً إلى القرارات الأممية، وعلى وجه الخصوص القرار رقم 2254، جاء ذلك ضمن البيان الذي أصدرته لجنة الاتصال العربية المنبثقة عن مجلس الجامعة العربية، وكذلك جاء هذا التأكيد على لسان المبعوث الدولي غير بيدرسن الذي سافر إلى دمشق في اليوم التالي للقاء العقبة، للقاء القيادة السورية الجديدة، كما أكّد بيدرسن على أن العملية الانتقالية في سوريا سوف تكون تحت إشراف الأمم المتحدة ووفقاً لمرجعية القرار المذكور سالفاً.

عقم المسارات التفاوضية:

صدر القرار الدولي 2254 في 18 من كانون الأول عام 2015 مؤكِّداً على وجوب عملية انتقال سياسي في سوريا سمّاها القرار المذكور: (حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية)، علماً ان القرار نفسه جاء مسبوقاً بقرارين أمميين (جنيف 1 في حزيران 2012 و2118 في أيلول عام 2013)، وكلاهما يتضمن إقراراً بعملية انتقال سياسي تتمثل بتشكيل هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات كاملة، تتشكّل بالتفاهم بين النظام والمعارضة، وبناء عليه يكون القرار 2254 موضّحاً لما جاء في القرارين السابقين وشاملاً لما ورد فيهما بآن معاً، وليس ناسخاً لهما، لأن القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لا تلغى ولا ينسخ بعضها بعضاً ولا تتناقض، بل يجب تفسيرها وفقاً لمبدأ (الأثر التراكمي) وذلك بحسب القانون الدولي.

بسقوط نظام الأسد لم يبق طرفان متصارعان، بل زال أحدهما وانتصر الآخر، فمع من سيتفاوض الطرف المنتصر؟ هل عليه استحضار خصم افتراضي مثلاً؟ أم هل يتوجب على المعارضة البحث عن مؤيدين للنظام السابق لاستيفاء الجانب الشكلي للعملية الانتقالية

وعلى الرغم من تعدد المسارات التفاوضية (جنيف – أستانا – اللجنة الدستورية) إلا أن العملية السياسية لم تتقدّم قيد أنملة، علماً أن المعارضة السورية أبدت المزيد من الاستجابة والمرونة في التعاطي مع مقترحات المبعوثين الدوليين، إذ قبلت بفكرة (السلال الأربع) التي اقترحها ديمستورا في اللقاء الرابع في جنيف في 23 شباط 2017، كما قبلت بتنحية سلة هيئة الحكم الانتقالي، وتقديم سلة الدستور إبان الشروع في تشكيل اللجنة الدستورية التي انطلقت في 30 من تشرين الأول 2019، وعقدت ثماني لقاءات لم تفض إلى شيء على الإطلاق، وبات واضحاً للجميع أن نظام الأسد لا يريد من عملية التفاوض سوى كسب المزيد من الوقت للاستمرار في الحل الأمني من جهة، ولمشاغلة الرأي العام الدولي وإيهامه بالمشاركة في العملية التفاوضية من جهة أخرى. وعلى مدى عشر سنوات من التفاوض العقيم لم يشر السيد بيدرسن ولا مرة واحدة إشارة صريحة تؤكّد أن مصدر العقم هو نظام دمشق.

ماذا يريد بيدرسن وسواه من القرار 2254 ؟

في الثامن من الشهر الجاري سقط نظام الأسد، ليس نتيجةً لمسارٍ تفاوضي، بل بفعل عسكري ثوري تجسّد بعملية (ردع العدوان) التي انطلقت في السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني الفائت، وقادتْها وخططتْ لها هيئة تحرير الشام وبمشاركة فصائل أخرى تنسق معها، ما يعني أنه لم يبق في المشهد السياسي خصمان متنازعان، بل انتصر أحدهما وزال الآخر، وهنا لا بدّ من طرح سؤالين اثنين:

الأول: بسقوط نظام الأسد لم يبق طرفان متصارعان، بل زال أحدهما وانتصر الآخر، فمع من سيتفاوض الطرف المنتصر؟ هل عليه استحضار خصم افتراضي مثلاً؟ أم هل يتوجب على المعارضة البحث عن مؤيدين للنظام السابق لاستيفاء الجانب الشكلي للعملية الانتقالية وفقاً للقرار الأممي المذكور؟

الثاني: إن الدعوة إلى ضرورة إشراف أممي على العملية الانتقالية تقتضي حكماً أن يقوم المبعوث الأممي السيد بيدرسن بتقديم تقرير إلى الأمين العام للأمم المتحدة يتضمن إحاطة بخلاصات تلك العملية الانتقالية، وبدوره سيقوم الأمين العام بإحالة هذا التقرير إلى الجهة التنفيذية للأمم المتحدة، (مجلس الأمن الدولي) من أجل التصويت الذي يجيز أو يرفض تلك العملية، وهنا يعود السوريون من جديد إلى الدخول تحت سطوة الفيتو الروسي والصيني، ولعل المفارقة الأبرز هنا تكمن في أن الفيتو الروسي الذي حال دون معاقبة نظام الأسد على كل جرائمه بحق السوريين طوال السنوات السابقة، قد عاد من جديد ليصادر إرادة السوريين ويتحكّم في العملية السياسية التي يجمعون عليها، ويتحكّم –كذلك– بمصيرهم وكيفية رسم ملامح مستقبلهم.

لقاء العقبة الذي أبدى حرصاً كبيراً على ضرورة ألّا تكون سوريا ملاذاً للإرهاب والتطرف، لم يشير ولو بإيجاز إلى جرائم الأسد بحق السوريين وإلى ضرورة محاسبته وفقاً لمفهوم العدالة الانتقالية

لا ريب في أن كيانات سياسية معارضة ترحّب بدور للأمم المتحدة في عملية الانتقال السياسي، وكان من الممكن تفهّم ترحيبها لو أن الدور الأممي كان مقتصراً على تقديم المشورة والمساعدة، كأنْ تكتفي بالإشراف على استفتاء شعبي على الدستور الجديد، أو الإشراف على انتخابات رئاسية أو برلمانية مثلاً، أمّا أن يكون الدور الأممي وصائياً يجعل خيارات السوريين مرهونة بيد أطراف دولية والغة بالدم السوري فهذا ما يثير المزيد من الاستغراب.

لا يفوتنا التأكيد على أن لقاء العقبة الذي أبدى حرصاً كبيراً على ضرورة ألّا تكون سوريا ملاذاً للإرهاب والتطرف، كما أبدى حرصاً مماثلاً للحفاظ على حقوق الأقليات العرقية والدينية وضرورة مشاركتها الفعّالة في المشهد السياسي السوري، وكذلك دعوتهم إلى عودة اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم، إلّا أنهم لم يشيروا ولو بإيجاز إلى جرائم الأسد بحق السوريين وإلى ضرورة محاسبته وفقاً لمفهوم العدالة الانتقالية، وذلك على الرغم من المشاهد الفظيعة والمروّعة عن سجن صيدنايا، باستثناء المندوبة عن الاتحاد الأوربي التي حضرت لقاء العقبة، وكان صوتها هو الوحيد الذي دعا إلى محاكمة رأس النظام وضرورة امتثاله للقضاء.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى