لطالما انتظر الشعب السوري ساعة تأتي لتقتلع الطغيان الأسدي، الذي عاث فساداً في الواقع والزمن السوري، فهو ومنذ أن خطف حافظ الأسد الوطن والسلطة في سوريا، صبيحة 16 تشرين ثاني/ نوفمبر 1970، يمارس شتى أنواع القهر والسلب والنهب والفساد والإفساد، حتى بات الوطن السوري مجرد “مزرعة لآل الأسد” وزبانيتهم، ولتصبح سوريا على يد “الأسد”، دولة عصابة لا دولة مواطنة.
دأب السوريون طوال 53 عاماً من القهر والسلب والنهب على الصبر تارة، والمواجهة السلمية تارة أخرى، أمام نظام سياسي عرضهم لحالات متواصلة من الاعتقال السياسي، وزجهم في الأقبية والسجون، حتى أصبح للحيطان آذان كما كان يقال، بحيث لم يكن أحد يتحدث بالسياسة إلا همسًا، أو في جوانية نفسه.
عندما انطلقت ثورة الحرية والكرامة منتصف آذار 2011، تساوقاً مع موجات الربيع العربي، كان في مخيال الناس أن ثورة شعبية سلمية من الممكن أن تقتلع جذور الطغيان إلى غير رجعة، لكن نظام الدولة الأمنية عمل على الضغط طويلًا نحو تحويل الثورة إلى حالة المسلّحة، ليسهل عليه قمعها وإنهاء حراكها وحركتها المتقدة.
رغم أن النظام استخدم سلاح الكيماوي المحرم دولياً والبراميل والصواريخ البالستية لقمع الثورة، فقد بقيت ثورة السوريين مستمرة، وبقي شبابها الشجعان يتابعون نضالهم حتى تهاوت قوات النظام وميليشياته..
وكان ما كان من مقتلة أسدية، راح نتيجتها أكثر من مليون سوري، علاوة على اعتقال ما يزيد عن 900 ألف سوري وفلسطيني سوري، منذ بداية الثورة وحتى لحظة إعلان السقوط المدوي للنظام.
ومع ذلك ورغم أن النظام استخدم سلاح الكيماوي المحرم دولياً والبراميل والصواريخ البالستية لقمع الثورة، فقد بقيت ثورة السوريين مستمرة، وبقي شبابها الشجعان يتابعون نضالهم حتى تهاوت قوات النظام وميليشياته، ومن معه، تحت أرجل كل رجال سوريا الميامين.
سقط النظام الفاشيستي وانتهى عهد الذل والهوان، وبدأت مرحلة جديدة من مراحل الكفاح والنضال السوري، نحو سوريا الجديدة الحديثة، الخالية من الإرهاب الأسدي، والخالية من ناهبي خيرات الوطن.
لكن هل يمكن اعتبار هذه المرحلة الجديدة سهلة في المناولة والعمل؟ وهل تستطيع الحكومة الانتقالية المؤقتة والمرحلية إنجاز ما هو مترتب عليها، ضمن ظروف محلية وإقليمية غاية في الصعوبة؟ لعل الإرادة القوية والإيمان الكبير لدى السوريين في أنه لا بد من زمن جديد، سوري حر وقادر على إهالة التراب على كل مراحل العسف الأسدي هو ما سوف يسهم في لملمة الجراح، والبدء بعمل لا يهدأ، يشارك فيه كل السوريين بجميع أطيافهم بدون “آل الأسد” وزبانيتهم.
ويبدو أن من أولى أولويات المهام المطلوبة من الحكومة الجديدة هو الحفاظ على أمن الناس وصيانته كذلك، والبناء عليه، حتى يتمكن كل إنسان سوري سبق وتم تهجيره قسرياً إلى الشمال السوري، أو خارج سوريا، من العودة الطوعية الآمنة، لأنّ الأمن والاستقرار حالة مهمة جداً كي يُبنى عليها، ومن ثم الاشتغال حثيثاً على تعويض ما فات، وتأمين كل الخدمات التي غيبها نظام بشار الأسد عن الناس، حتى باتت سوريا بلا كهرباء، ولا محروقات ولا غذاء ولا دواء.
إن من المهام الأساسية المترتبة على “حكومة البشير” تأمين هذه الخدمات المفقودة حيث لا حياة هنيئة بلا كهرباء في هذا العصر، ولا يمكن أن يبقى الناس يقفون طوابير على أبواب أفران الخبز، ولا يمكن أن يبقى المواطن بلا دواء ولا خدمات صحية.. كثير كثير من المتطلبات الآنية والعاجلة بات ينتظرها المواطن السوري، بعد أن تم كنس الطاغية بشار الأسد وأزلامه ونظامه ووصول الثورة السورية إلى الحكم.
وتبقى المسائل الكبرى التي عملت من أجلها الثورة، ثورة الحرية والكرامة مهمة قادمة، وهي من المتطلبات المطلوبة من القيادات السياسية، والتي ستحكم البلد، ولعل من أهمها انتخاب جمعية تأسيسية سوريّة تكون من مهامها صياغة دستور جديد للوطن، يحل مكان الدستور البائس، الذي وضعه نظام بشار الأسد، ثم إجراء انتخابات تشىريعية يشارك بها الجميع ولا تستثني أحداً، توحّد سوريا وتعيد إنتاج وطناً يعيش فيه الناس في دولة تحترم الجميع، دولة المواطنة المفتقدة في سوريا.
ومن ثم الدعوة إلى صياغة العقد الاجتماعي السوري الجامع للجميع والذي يتوافق عليه السوريون ويؤسس لبناء الوطن السوري الكبير بهوية وطنية سورية صرفه، تراعي علاقاتها مع الجوار العربي والإسلامي، وتقيم علاقات مبنية على فكرة الاحترام المتبادل في العلاقات الدولية، مع دول العالم، لا تستعدي أحداً ولا تتعدى على أحد، ولا تفرّط بالوطن، تبني الوطن السوري الديمقراطي، عالي الأسوار، المؤمن بشعبه، والذي يعمل أولًا وأخيرًا على أهمية الحق والعدل والمساواة داخل سورية الحديثة والجديدة.
يتطلع السوريون إلى سوريا الجديدة، سوريا الأفضل، والوطن السوري الديمقراطي، حيث لا يألُ السوري جهداً في عملية الخروج من عنق الزجاجة، معافى سليم البصر والبصيرة، وهو ما سيكون في قادم الأيام..
قد تبدو هذه المهام صعبة التحقيق للغاية، لكن إرادة العمل وإيمان الأفراد والجماعات، والصبر على تخطي الصعاب، والكفاءة التي يمتاز بها السوريين في الداخل والخارج، تجعل الأمر سهلًا وتنتج واقعاً جديداً ومتجدداً، طالما حلم به الشعب السوري بكل تلوين الطيف السياسي وبكافة أثنياته وطوائفه.
والشعب السوري يعيش الآن مرحلة مفصلية ولحظة زمنية فارقة، لا بد سيكون عملياً في الممارسة ويمتلك القدرة على تخطيها، وإنجاز متطلبات المرحلة الآنية والمستقبلية حيث تتضافر الجهود، ويتطلع السوريون إلى سوريا الجديدة، سوريا الأفضل، والوطن السوري الديمقراطي، حيث لا يألُ السوري جهداً في عملية الخروج من عنق الزجاجة، معافى سليم البصر والبصيرة، وهو ما سيكون في قادم الأيام، رغم كل المعوقات وبالرغم من كل المنغصات، التي سيحاول البعض وضعها أمام قوى الثورة، وأهل الحل والعقد، في حكومة ثورة الحرية والكرامة.
ما زال الأمل قائماً وما زالت الثورة في بداياتها، وكل جهد يبذل سيكون واضحاً، وسوف يسهم بالضرورة في بناء سوريا الجديدة، سوريا دولة المواطنة، وسيادة القانون حيث لا صوت يعلو على صوت الدستور والقانون وحرية وكرامة الناس.
المصدر: تلفزيون سوريا
الثورة السورية إنتصرت وسقط نظام طاغية الشام، ولكن ماذا بعد ذلك ؟ تم تكليف حكومة الإنقاذ “إدلب” كحكومة انتقالية مؤقتة ومرحلية، فهل ستستطيع إنجاز ما هو مترتب عليها؟. إعادة تهيئة الأجواء لإنتخابات وضبط الأمن وسحب السلاح من الفصائل ودمجها بالجيش إعادة حركة الحياة بمؤسسات الدولة و…. الحذر والخوف من سيطرة عقلية الإسلام السياسي الإقصائي عليها.