استنادا إلى ما تقدم من حديث عن منطلقات الغرب الفكرية وفلسفته العقائدية وواقع تجارب التاريخ معه؛ يمكن إستبيان الخلاصات التالية مستخرجة من وقائع الأحداث وبواطن العقول ومخرجات السلوك، نجمل أبرزها بما يلي:
1/ الغاية تبرر الوسيلة..
وهو ما فصله وفلسفه وهندسه المفكر ميكيافيللي الإيطالي في كتابه: “الأمير”، الذي صار مرجعا لحكام الغرب وسياساتهم في كل مكان، حتى ان هذا المبدأ الإنتهازي اللا أخلاقي، تحول، وصار قانون السياسة في الغرب الذي راح يعممه دستورًا حياتيا خالدًا..
2/ إن منطلقات الغرب الفسلفية في السياسة والإقتصاد والإجتماع هي التي زودته بكل تلك الروح العدوانية العدائية تجاه بني البشر، أباحت وبررت سلوكه الإستعماري بحجة العمل، وفقا لما يحقق له مصالحه ويزيد في إنتاجه ويزيد قابلية الآخر للإستهلاك والخضوع، من دون أن يكون له حق المشاركة أو التقرير أو الإستفادة مما يملكه او يتوفر في بلاده.
3/ إنعدام الضوابط الأخلاقية والإعتبارات الإنسانية في تعامل الغرب مع العالم الآخر، فهي مصالحه المادية والعينية التي توجهه وتحركه، وتبرر له إجرامه ووحشيته، فهو بهذا منسجم مع منطلقاته الفلسفية الحياتية..
4/ كان إبعاد الدين المسيحي، بحجة سلوك المؤسسة الدينية المتحالف مع نظام الحكم المستبد؛ سببا في التخلي عن القيم الأخلاقية العظيمة التي يتضمنها ويضمنها الإيمان الديني المسيحي، حتى لا تكون هناك سلطة لأخلاق تحد من شهوة السيطرة والتحكم والإستعباد..
5/ إن ما يُسمّى الحداثة التي يطالب بها كثيرون من النخب العربية؛ إنما تستهدي وتستلهم تلك الفلسفات الفكرية الغربية، بكل ما فيها وما تحمله معها وما كانت سببا به من تفسخ إجتماعي، وضمنه تفكيك الأسرة وإنحدار أخلاقي شخصي وعام، ومن التهرب من الإلتزامات الأخلاقية والإنسانية، فهي التي صنعت بمجملها، متكاتفة متضامنة، حضارة الغرب الرأسمالية الفردية الإستهلاكية المنحطة أخلاقيا، المجرمة المتوحشة الإستعمارية، فلا تصلح منطلقا لنهضة وتقدم أيّ مجتمع وأيّ أمة..
6/ زاد تغوّل ذلك السلوك الغربي حدا بلغت به الظاهرة الإستعمارية، مبلغا متوحشا مفترسا، سُمّي بالإمبريالية، وهي أخطر مراحل الإستعمار وأكثرها خبثا وحقدا ودهاءً، وهي التي نعيش مراحلها الراهنة حاليا، وفيها تبيح القوة الإمبريالية العظمي – أي أمريكا – كل عمل مجرم متوحش مفترس لا أخلاقي ولا إنساني من أجل سيطرتها على العالم أجمع والتحكم به وبموارده، وقمع شعوبه وتخريب مجتمعاته..
7/ إن التبني الأمريكي/ الغربي الكامل للإجرام الصهيوني في فلسطين، ومحيطها العربي، ودعمه ورعايته وتبريره، وتأمين مستلزمات بقائه وتوسعه وإمتداده، ما هو إلا تأكيد على إعلاء الغرب الرأسمالي الإستعماري لمصالحه المادية، من دون أيّ ضوابط أخلاقية وإعتبارات إنسانية، وله في منطلقاته الفكرية وفلسفاته المادية الوضعية ما يمكنه من كل ذلك ويبرر له ويغطيه ويشجعه، من أول الفكر الرأسمالي المادي النفعي الإستهلاكي، وصولا إلى آخر صيحات العلمانية التي تسمح له بتقييد قيم الإيمان الديني وأخلاقه، ومنعها من التأثير في المجتمع أو في ضبط سلوك الناس فيه وتعاملاتهم، فيما بينهم ومع الآخرين؛ مرورا بالليبرالية التي تتفلت بها حرية الفرد من أيّ ضوابط أو إعتبارات، فتبيح له ألإنتحار وكافة أنواع الشذوذ و ألإنحرافات السلوكية من أي نوع..
8/ على ضوء هذا كله نفهم بواعث وخلفيات تلك الحرب الغربية الشرسة جدا، والمتصاعدة أبدا، والشاملة كل مظاهر الحياة دوما؛ على دين الإسلام ومحاولة إنتزاعه من عقل وسلوك الإنسان العربي والمسلم، وتفريغه من مضمونه الإيجابي وتحويله إلى جملة مظاهر لا تغير في واقع الحال شيئا، لأن الإسلام يحمل في مضمونه وجوهره وقيمه الأخلاقية النقيض التام لكل قيم الغرب المادية الإستهلاكية، على ضوئه نفهم لماذا إصرار كل قوى الغرب الإعلامية والثقافية على تبني “العلمانية” – التي يريدونها هم – والدعوة إليها وتجميلها وتسويقها في حياة الإنسان العربي، وفي علاقاته بأبناء مجتمعه، ومع أن الكثيرين يطالبونها فقط لإستبعاد السلطة الدينية التي لا وجود لها في الإسلام، إلا أنهم يقعون ضحايا التسويق الغربي للعلمانية المطلوبة، والمقصود منها إبعاد قيم الإسلام المسلكية والإجتماعية عن حياة الناس وتعاملاتهم، وسياسة نظمهم وحكمها..
9/ إنهيار كل المنظومة التي قام عليها النظام العالمي بعد الحرب الأوروبية (العالمية) الثانية؛ بما فيها المنظمات الدولية التي أنشئت آنذاك، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، وتوابعها من مؤسسات، طالما أنها فشلت في القيام بمهماتها المرسومة لها، فلم تستطع حماية ميثاقها ذاته من إنتهاكات دولة الإمبريالية العظمى، ولم تستطع فرض إحترام ليس فقط حقوق الإنسان؛ وإنما أيضا حقوق الأمم والشعوب في تقرير مصائرها، ولا حق اي شعب محتلة أرضه في الدفاع عن نفسه وتحرير أرضه؛ ولا وقف أيّ إبادة جماعية او تدمير عرقي ممنهج في أي مكان من العالم، وآخرها في فلسطين العربية المغتصبة، فلم تعد ذات أهمية عملية لأحد إلا لتلك الأطراف الإستعمارية التي تعرقل لها عملها وتمنعها من إحترام ذاتها ومبادئها، هذه المبادىء التي كانت دول الغرب الرأسمالية ذاتها مشاركة بفعالية في صياغتها وتبنيها في المنظمات الدولية إياها، والذي حصل على ما يبدو من الوقائع، أن دول النظام الغربي الرأسمالي تفرعنت جدا، فوجدت ذاتها مُتّسيّدة على العالم، من دون أيّ منازع، لا سيما بعد إنهيار “الإتحاد السوفييتي”، وغياب فعالية مجموعة “دول عدم الإنحياز”، وغياب أقطاب الحياد الإيجابي التاريخيين العظماء من جمال عبد الناصر وتيتو وغاندي وشو إن لاي وغيرهم؛ فلم تعد بحاجة حتى الى تلك المنظمات الدولية، تغطي بها جرائمها وتتمسح على أعتابها إظهارًا لحرص زائف على قانون دولي مغيب..
10/ إن كل ما سبق يستدعي من أحرار العالم، وفي القلب منهم أحرار العرب العمل على تشكيل وبلورة تيار ثقافي، يقوم على أسس من القيم الأخلاقية والإعتبارات الإنسانية يعيد إحياء الدعوات التحررية الإستقلالية عن الغرب الإستعماري، وتفعيل حق الشعوب والامم في تقرير مصائرها، من دون وصاية أو عرقلة أو تخريب، ويعيد الإعتبار الى مبادىء العدالة الإجتماعية والإنسانية، ويكفل حريات الجماعات البشرية وحقوقها القومية على أسس موضوعية سليمة من الحرية والديموقراطية الشعبية، وسيادة القانون والحداثة الحقيقية التي تتيح مشاركة كل شعب في إختيار ما يناسبه من نظم سياسية وإقتصادية، ومناهج فكرية تربوية تعليمية، ذات جوهر إنساني أخلاقي، بما يمهد لأنهاء عصر التفرد الغربي في السيادة على العالم، وإقامة نظام عالمي جديد، اساسه المشاركة والعدالة والتوازن والديموقراطية الشعبية الحقيقية، وإقامة منظمات دولية تتكافأ فيها المشاركات العالمية، من دون إستعلاء القوة وتعبيراتها الإستعمارية، ومن دون إمتيازات للاقوياء تمنحها سلطة المنع والردع لكل ما هو حق وعدل وخير..
إن إبتعاد الأمم الغربية عن القيم الأخلاقية، أوقعها في شرك العقل المادي النفعي الإستهلاكي، وصولا إلى الإستعمار فالإمبريالية ومضمونها الخطير: إرعاب ونهب وتخريب المجتمعات الإنسانية..
فبعد أن نجحت في تفكيك المجتمعات، فارضة مذهبها القائم على الذاتية الفردية، معيارًا وحيدًا للعمل والمصالح والمعاملات؛ ثم نجحت في تفكيك الأسرة، واضعة المرأة في صراع أبدي مع الرجل؛ ها هي تعمل ببراعة ما تملكه من تقنيات العولمة وإغتصاب العقول وتوجيه الرأي العام؛ على تفكيك الإنسان ذاته، بإلغاء هويته وإنتمائه الإجتماعي ثم إسقاط الجانب الروحي – الإنساني الذي يشكل أهم مكون في الإنسان، يضمن له إنسانيته ويضبط غرائزه وأنانيته ويمنع سقوطه وتحوله إلى مستهلك غرائزي بهيمي..
تلك إذن منطلقات الغرب الفكرية، ومسؤوليتها عما يعانيه العالم كله بسبب من عدوانيتها وأنانيتها وفرديتها وماديتها المفرطة وعلمانيتها المنحرفة، وهي التي تعبر عن عقل غربي لا يعرف إلا لغة الإستعمار، ولا يرضى بأقل من التحكم بمصائر البشر والسيطرة عليهم..
المصدر: المدار نت