يقول الدكتور نديم البيطار في كتابه ” الأيديولوجية الانقلابية “: حين يبدو أن كل شيء قد انتهى وأن لا حيلة لأحد في فعل شيء، تنطلق قلة قليلة من الناس وتمسك بزمام قوانين التغيير والتطوير وتُحدث انقلابها الحضاري، إنها ” الطليعة ” “.
الطليعة الثورية:
كان الوضع في مصر قبل الثورة : وضع بائس ، يائس ، ووطن جزء من أرضه محتل ، وحكم ملكي مسلوب الإرادة السياسية ، يميزه الفساد بكافة أبعاده وأنواعه ، الأحزاب يومئذ كانت لعبة سياسة بيد الملك أو بيد الخارج ، أو رهينة مصالحها الذاتية ، ضاربة بعرض الحائط المصلحة الوطنية ، ومن جهة أخرى كانت حرب فلسطين عام ١٩٤٨ ، وخيانة الحكام العرب حينها ، أو التغرير بهم في أحسن الأحوال ، حيث توقفت الجيوش بأوامر خارجية على عتبات نصر محقق ، واسترخاص أرواح مقاتلي الجيوش العربية خاصة بقصة الأسلحة الفاسدة التي قُدمت للجيش المصري قصداً أو سوء فطنة وتدبير ، وكانت مصر تخضع لنظام الإقطاع ، وكان الفقر والتخلف والأمية والجهل والظلم المجتمعي بقايا نبت تركته قرون من تسلط تم توارثه في ظل الحكم العثماني ، أو الأسر الحاكمة من سلالة محمد علي باشا ، حيث بدأ الخط البياني يهبط من وريث الى وريث وصولاً إلى الملك فاروق ، وأضحت مصر مرتعاً سياسيا واقتصاديا واستعمارياً وصل إلى الحضيض ..
وبدا حينها – كما وصف د. نديم البيطار – أن لا حيلة لأحد في فعل شيء تجاه هذا الوضع المأساوي من جميع النواحي ، لتظهر فجأة ( طليعة ) من ” الضباط الأحرار ” تخطط وتعمل لإحداث ذلك الانقلاب الثوري ، ليس وفق ايديولوجية انقلابية كما في كتاب د. نديم البيطار ، وليس وفق منهج ونظرية في الثورة كما ارتآه د. عصمت سيف الدولة في نظرية الثورة العربية ، إنما انطلقت تلك الطليعة الثورية من الضباط الأحرار وفق ” ملامح وضوابط ” فكرية ثورية وأحدثت انقلابها الثوري الذي غير وجه مصر وأحيا مشروع وفكر القومية العربية ، والوحدة العربية ، وأنضج الوعي القومي العربي ، وترك ثقل وزنه وتأثيره في معترك عالم السياسة الدولي .
ما هي الملامح والضوابط الفكرية الثورية
التي انطلقت منها ثورة ٢٣ يوليو بزعامة وقيادة جمال عبد الناصر؟؟
انطلاقاً من البيان السياسي للثورة ، ثم المبادئ السته ، ثم فلسفة الثورة فالميثاق ، فبيان ٣٠ مارس ، .. كانت تتحرك ثورة تموز متقدمة نحو الأمام، وصاحب ذلك ( تنظيمياً ) تشكيل هيئة التحرير ثم الإتحاد القومي ثم الإتحاد الاشتراكي فطليعة الاشتراكيين ، إلى أن تُوّج ذلك بالدعوة إلى بناء الحركة العربية الواحدة كطليعة عربية أو كتنظيم قومي كي تقود معارك الأمة العربية ، وترك أمر تحقيق هذه الدعوة بين أيدي الشباب القومي ليشكلوا ( هم ) وبعيداً عنه بحكم حرج موقعه الرئاسي لمصر.. أداة الثورة العربية ( والتي هي الحركة العربية الواحدة ).
تجلت هذه الضوابط الفكرية والحركية والسياسية والتنظيمية بالنمو التدريجي على مستوى الحركة والتنظيم والفعل السياسي ..
- أول هذه الضوابط في رؤية اتجاهات الحركة خارج مصر لُخصت في فلسفة الثورة عبر تحديد اتجاهات الفعل السياسي من خلال طرح الدوائر الثلاث
والتي تحددت انطلاقاً من موقع مصر الجغرافي الاستراتيجي، وارتباطها التاريخي والمصيري بمحيطها عربياً وأفريقياً واسلامياً وعالمياً، لتكون أولوية التعامل والحركة مع ( الدائرة العربية ) التي هي منا ونحن منها كما قال ، ثم ( الدائرة الأفريقية ) ثم ( الدائرة الإسلامية )، كمهام وأولويات للحركة ، وهذا ما حدث ، إذ كانت هذه الأبعاد الثلاثة هي التي وضعت مصر أمام دورها الحقيقي أعاد لها ثقلها التاريخي المؤثر عربياً وأفريقياً واسلامياً وعالمياً تتوج في المشاركة بتشكيل(دول عدم الإنحياز )
ثاني هذه الضوابط كان بيان الثورة السياسي . والذي تحدد من خلاله الأسباب الأساسية التي دعم للقيام بالثورة بدءا من حرب فلسطين ثم فساد الحكم في مصر ووجود مستعمر على أرضها … حيث حدد في البيان الاسباب المنطلق .
- ثالث هذه الضوابط كان يتجه نحو الإصلاح الداخلي وتجلى ذلك من خلال طرح المبادئ السته والتي هي : ١- القضاء على الإقطاع . ٢- القضاء على الاستعمار. ٣- القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم. ٤- إقامة جيش وطني قوي. ٥- إقامة عدالة اجتماعية. ٦- إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
إن تأمل هذه المبادئ يقدم لنا مفاهيم وملامح فكرية ، حيث ترسم عناوين استراتيجية لتحرير الوطن ، وتحرير الإنسان ، وتعمل على إعداد القوة لحماية المكاسب الحاصلة أوالتي ستحصل ، أي تحقيق فكرة ( لابد لكل حق من قوة تحميه ) ، وترسم ملامح نظام اقتصادي يكون ( مستقلا ) وسيد نفسه ، ويبني بواسطته أسس تحقيق العدل الإجتماعي ضمن فكرة هامة جداً تشكل بذاتها ضابطاً فكرياً وهي:
( أن الحرية ذات جناحين لا ينفصلان الحرية السياسية والحريّة الاجتماعية ) وهذا ما ورد بالحرف في بيان ٣٠ مارس ، بينما مضمونه متحقق في المبادئ السته .
- استطاعت الثورة تحقيق مضامين ما تقدم فقضت على الإقطاع ، وأجلت المستعمر عن البلاد ، وحررت القناة من خلال تأميمها ، الذي أدى إلى عدوان ١٩٥٦، بذلك ترجمت الثورة عملياً وعلى رأسها عبد الناصر التزامها بالمقاومة والتصدي لأي عدوّان ، وأيضاً حالت دون سيطرة رأس المال على الحكم ( لكنها لم تقترب من سيطرته على الاقتصاد ) ، وأوفت الثورة بالعمل على بناء جيش قوي وعدالة اجتماعية ، وبدأت نهضة علمية واقتصادية وتحررية ، وتحرر العمال والفلاحين من الظلم التاريخي، وأصبح للإنسان المصري والعربي عموماً قيمة وعزة وكرامة في العالم ، لدرجة أن اي عربي كان يُعرف بأنه من بلد ناصر .
@ لقد كانت المبادئ السته بمجملها ملامح فكرية تنمو وتتطور عبر التجربة في الواقع ، لدرجة أن عبد الناصر قال : إننا لا نبحث عن الواقع في النظريات إنما نعمل في الواقع وصولا الى النظريات او بحثاً عنها ، كان هذا القول في معرض ردٍ ايديولوجي حاسم ، أن الاشتراكية في مصر تنبع من الواقع ، وليس من النظرية الماركسية كما كان البعض يتهمونه كالإخوان المسلمين والرأسماليين الليبراليين .. وهذا من أهم الضوابط الفكرية الثورية التي حققت استقلالية الرؤيا الفكرية في المسألة الإشتراكية عند عبد الناصر.
@ من زاوية أخرى لابد لنا من تناول ( فلسفة الثورة ) بما تضمنته من تحليل عكس فهماً عميقا للتاريخ ، إن فهم التاريخ هو من أهم لبنات بناء الوعي ورسم بوصلة التوجه للمستقبل حيث يشكل الماضي بدروسه منطلقا للمستقبل ..
إن أهم ما جاء فيها من ضوابط فكرية وسياسية واجتماعية تتجلى في قوله : ” كانت أرواحنا تعيش في آثار القرن الثالث عشر ، وإن يرتقي نواحيها مظاهر القرن التاسع عشر والقرن العشرين “
إن مد بصر وبصيرة عبد الناصر سبعة قرون الى الخلف حيث يحدد اسباب التخلف ويستعرض العهد العثماني والحروب الصليبية والمماليك والألبان والشركس ثم الفرنسيين والانجليز ويعتبرهم جميعاً وعلى مر تلك القرون هم اسباب الظلم والتخلف والاستعمار وغير ذلك ، ويضرب لنا مثلا كيف كان الشعب المصري يهتف ( يا رب يا متجلي .. أهلك العثملي ) ثم استبدلها الشعب حين تغير ( الظالم أو الغازي ) لتصبح ( يا رب يا عزيز .. دهية تاخد الإنجليز )..
إن ما تقدم يؤسس لأهم الضوابط الفكرية التي كانت حاضرة لدى عبد الناصر وهي : مقاومة الظلم أياً كان مصدره وطرد الظالم أو المستعمر أياً كانت هويته .
@ من زاوية أخرى ، إن أهم الضوابط التي رسمت الملامح الاستراتيجية لجمال عبد الناصر هي:
بيان ٣٠ مارس
شكل بيان ٣٠ مارس نضوج التجربة الثورية ومراجعة شاملة تقييمية إثر هزيمة ٦٧ ، كانت نقداً ذاتياً ومعالجة ورفضاً قاطعاً لأن يكون هناك دولة داخل الدولة ، وذلك من خلال سيادة القانون والدستور ، وتصحيح وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب الذي بدا مختلاً ، خاصة على مستوى قيادات في مجلس الثورة كعبد الحكيم عامر ، وطرح البيان للتصويت عليه ، كما كانت مخاطبة للشعب وعودة أعمق إليه ديمقراطياً ، اثر ٩ و١٠ يونيو الذي هبت فيهما الملايين تأييدا لعبد الناصر رغم هزيمته في ٥ يونيو ، ومطالباً إياه بالعدول عن استقالته مع هتاف حنحارب ، قد شكلت هذه الهبة الشعبية صلة بين الشعب والقائد لم يعرفها قائد آخر في التاريخ ، وفق ظروف الهزيمة ..
مانريد أن نقوله بناء على ماتقدم
أن عبد الناصر قاد تجربته الثورية اعتمادا على ماتقدم من ضوابط فكرية ، فكانت حرب فلسطين إحدى منطلقات ثورته ، فكان وطنياً فقومياً وتحررياً على مستوى الوطن العربي حيث وقف بكل ثقل مصر مسانداً لثورات التحرر من الاستعمار ومن الرجعية العربية ومسانداً ومتحالفاً مع حركات التحرر العالمية ، وكانت اقامة الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسورية بداية عملية ومبكرة لمشروعه القومي العربي ، وكان القضاء على الإقطاع ، وتنفيذ قانون الإصلاح الزراعي ، ثم النهضة العلمية والتعليمية والصناعية والإقتصادية وبناء القطاع العام ….الخ .. كانت كلها قد شكلت تطبيقاً للضوابط التي قدمناها ، مما يجعل الفارق بين ( ما قبل ثورة يوليو ) و( ما بعدها ) فارقاً كبيراً شكل نقلة نوعية ، سياسياً وعربياً واسلامياً وعالمياً بما لا يقارن ، لذا لا يمكن أن يسمى عمل الضباط الأحرار مجرد انقلاباً عسكرياً ، بل ان هذا الفارق الكبير النوعي ، برغم خسائره ، إنما ينطبق عليه قول د. نديم البيطار أعلى هذا المقال ، بأن طليعة ثورية أحدثت انقلابها الثوري الفكري السياسي الإجتماعي في لحظة بدا أن كل شيء كان قد انتهى وأن لا حيلة لأحد في عمل شيء !!
إن إطلاق مصطلح ” ثورة ” كان استحقاقاً تاريخياً استحقته ثورة يوليو طالما كان عبد الناصر على رأسها … ولكن برغم ما تقدم كانت الثورة تفتقر إلى منهج ونظرية أو استراتيجية عليا ، إذ أنها وبرغم ذلك السياج من الضوابط الفكرية التي تسلحت به ، بقيت ثورة تجريبية في التفاصيل ، والتجريبية بمقدار ما تصيب في أمور تخطئ في أمور أخرى ، وعلى ضوء ذلك نفسر فشل وحدة سورية ومصر وهزيمة ٦٧ وغياب تنظيم أو أداة يحمي ويحافظ على الثورة واستمرارها ، وهذا الأمر الذي تنبه له عبد الناصر متأخراً ، والذي أدى غيابه كما رأينا ؛ إلى أن أكلت الثورة نفسها من الداخل ، من خلال انور السادات وصولا للسيسي ، كما أن المفارقة الخطيرة والكبيرة أن الجماهير التي هبت لنصرة عبد الناصر وهو مهزوماً لثقتها أنه الوحيد القادر على تحقيق النصر بعد النكسة ، والذي كان ( هو ) حافز خروجها لأجل عودته عن الإستقالة ، إذ تمثلت جميع أحلامها في شخصه وفي كونه رمز أحلامهم الوطنية والقومية ، هذه الجماهير لم تستطع أن تقف في وجه الردة الثورية بعد عبد الناصر لأنها افتقرت للتنظيم من جهة ، وللوعي الديمقراطي الذي وحده يستطيع ان يقف في وجه من انقلب على الثورة من داخلها ، لأنهم لم يدركوا أن هذا الإنقلاب هو انقلاب على ما تحقق لهم من مكاسب ، الذي يجعلنا نؤكد أن الشعب في مصر وفي الوطن العربي ، كان شعباً عاطفياً في علاقته بعبد الناصر فكان متكلاً عليه ، ناسياً – هذا الشعب – دوره السياسي الحاسم كشعب.
كانت ثورة تموز انقلابا ثوريا تحوّل إلى مشروع ثورة تنمو وتكبر وتمتد عبر التجربة والخطأ، وكانت ثورة تحررية بامتياز، من الاستعمار واعوان الاستعمار اي الرجعية العربية ، وكانت ذات نزوع وحدوي قومي عربي ، امتلكت في كل ذلك ضوابط عمل نظرية ، أو ملامح وعناوين فكرية ثورية ، لكنها افتقرت الى استراتيجية عمل شاملة ، لهذا كان تخطو فتنجح وتخطئ وتصحح عبر مشوارها الثوري ، لهذا فقد أدى هذا الأسلوب التجريبي إلى الوقوع في أخطاء كارثية أبرزها ضياع الوحدة ونكسة ٦٧ وانقلاب الثورة على ذاتها بعد وفاة قائدها وضامنها.
- الديمقراطية:
وقع الإشكال في البند السادس من المبادئ السته وفي طريقة تحقيق ( حياة ديمقراطية سليمة ) .. إذ أن عدم نضوج الوعي الديمقراطي من جهة ، والحياة الحزبية الفاسدة قبل الثورة من جهة أخرى ، وافتقاد كادر ثوري شعبي يحمي الثورة من تسلق أعوان الرجعية وأصحاب رأس المال الى الحكم من جهة ثالثة ، وبالتالي الخوف من مصادرة مكتسبات العمل الثوري والردة به إلى سابق عهده قبل الثورة ، حيث اللعبة الديمقراطية كانت مسطحة ومختزلة في صندوق الإقتراع ، كل ذلك جعل عبد الناصر يقف موقفاً صلباً ضد تعددية حزبية فاسدة ، ففي تلك الظروف الإجتماعية وغياب وعي يساعد على الإنتصار لصالح فصيل ثورة يوليو ، سيمكن قوى ما قبل الثورة أن تنقض على الثورة عبر صندوق الإقتراع ، من هنا قام عبد الناصر بحلّ جميع الأحزاب مستثنياً جماعة الاخوان المسلمين الذين برغم ذلك ناجزوه العداء ووقفوا ضد الثورة وتآمروا داخلياً وخارجياً عليها.
- لقد كانت الديمقراطية وفقاً للظروف هي ديمقراطية ( عطاء ) بدل أن تكون ديمقراطية ( مطالب ) وبهذا المعنى .. فالديمقراطية كما قال جمال عبدالناصر :
- (( تختلف باختلاف المستوى الاجتماعي ، فالديمقراطية في آسيا وأفريقيا هي لقمة العيش أولاً ، وهي الكساء والمسكن ، فإذا ما عز ذلك على الفرد ، فلا معنى للحرية والديمقراطية )) .
- ونجد تجليات أخرى للفهم الديمقراطي في ممارسة عبد الناصر ، كان في إتاحة الفرصة عبر الاتحاد الاشتراكي كاتحاد لتحالف قوى الشعب العاملة .. لإشراك مختلف الطيف الشعبي في المشاركة في الحياة السياسية والإجتماعية ، وكان انشاؤه بديلاً عن الاحزاب الفاسدة التي كانت قبل الثورة .. وكان مضمونه شعبياً أكثر مما هو حزبياً ، لممارسة كل الطيف الشعبي بدور فعال عبر هذا التنظيم ، وبغض النظر عن فاعليته ، حيث كان للوصوليين فرصة أن يكونوا جزءاً منه والذي أفسد مهمته التي كانت مطلوبة منه أي مشاركة الناس في الرأي والفاعلية ..
- ولما كانت الديمقراطية هي طرح الناس لآرائها حول فهم المشكلات والغايات وطرح الحلول وأساليب الحل ضمن آليات منظمة ، فهي إذن تعبير عن حاجات الناس أفقياً وعمودياً ، ( الحاجات = الحريات ) ، وبرغم أن عبد الناصر كان في منتهى المصداقية في رد الحقوق للناس بكافة أنواعها ، وتحريرهم من الظلم والجهل ، ولكونه خارج من بيئة مجتمعية مكافحة يحمل مشاعر قلقها وألمها وأملها .. إلا أن الأسلوب الأبوي لا ينفع في السياسة ، ولا يخدم بناء حياة ديمقراطية سليمة .
- ولعل هذه المسألة إضافة للنهج التجريبي هما القشة التي قصمت ظهر البعير. برغم قناعتنا أنه (ليس بالإمكان إلا ما كان) قياساً على ظروف ذلك الزمان.
- كانت ثورة تموز انقلابا ثوريا تحوّل الى ( مشروع ثورة ) تنمو وتكبر وتمتد عبر التجربة والخطأ ، وكانت ثورة تحررية من الاستعمار وأعوان الاستعمار أي الرجعية العربية ، وكانت ذات نزوع وحدوي عربي ، امتلكت ضوابط عمل نظرية ، وافتقرت الى استراتيجية عمل شاملة ، لهذا كانت تخطو فتنجح ، وتخطئ فتصحح عبر مشوارها الثوري ، لهذا فقد أدى هذا الأسلوب التجريبي إلى الوقوع في أخطاء كارثية أبرزها ضياع الوحدة ، ونكسة ٦٧ ، وانقلاب الثورة على ذاتها بعد وفاة قائدها وضامنها.
- إن جميع الاخطاء الكارثية سنجد لها مبررات موضوعية في الزمان والمكان والظروف المحيطة حينها ، فضياع الوحدة ، وأسباب النكسة ، سنجد لها ظروفا دولية وأسباب ذاتية وموضوعية أو خارجية أو داخلية ، وسنجد أن المنهج التبريري واسع الحيلة في تقديم الأسباب والمبررات ، إنما عدم التحوط والتخطيط الدفاعي المسبق ، وغياب الاستراتيجية يجعل ( المبررات ) أخطاء إضافية ، وبالتأكيد كثير من الأخطاء لا إرادية ، إنما النوايا الطيبة لا تشفع لها ، ولا تمنع من وقوعها .
- نقول هذا تحديداً للقوميين التقدميين الناصريين (ونحن منهم) أن يتجنبوا تبرير تقصيرهم أو قصور رؤيتهم، في مواجهة واقعهم ومشكلات وطنهم.
في الختام
نذكّر بقول للدكتور عصمت سيف الدولة يقول فيه: إن أحدا في العالم لا يستطيع أن يمس شعرة في رأس إنسان عربي ولو في الربع الخالي ، دون أن يحسب حساب لرد فعل جمال عبد الناصر .. ولو لم يكن غير هذه السمة في ثورة عبد الناصر لاستحقت أن تكون من أعظم الثورات .