نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً حول الجهود الأمريكية والعربية التي تجمعت من أجل منع حرب شاملة في الشرق الأوسط.
وفي التقرير، الذي شاركت فيه ميسي ريان وجون هدسون وياسمين أبو طالب وكارين دي يونغ، جاء أن إدارة الرئيس بايدن تسابق الزمن لمنع انفجار العنف في الشرق الأوسط الذي يعيش لحظة برهانات عالية تهدد اتفاقية وقف إطلاق النار المنتظر في غزة، وتشير إلى محدودية التأثير الأمريكي على إسرائيل التي تعتبر حليفتها الأقرب بالمنطقة.
واجتمع الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة، مع المستشارين البارزين، يوم الإثنين، في “سيتويش روم” بالبيت الأبيض لمناقشة الهجوم الإيراني المرتقب ضد إيران، والهجوم الذي شنته جماعة عراقية مسلحة موالية لإيران ضد القوات الأمريكية وجرحت عدداً من الجنود، وهو هجوم تعهدت أمريكا بالرد عليه “في الوقت الذي نختاره”، ودفعت الولايات المتحدة بقوات إضافية إلى المنطقة، بما فيها سرب من مقاتلات أف-22 والمدمرات البحرية قريباً من إسرائيل ومساعدتها للدفاع ضد ما يقول المسؤولون الأمريكيون إنه هجوم إيراني محتوم انتقاماً لمقتل زعيم “حماس” في طهران، إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران.
وتقول الصحيفة إن وزير الخارجية أنطوني بلينكن، الذي يقود الجهود الدبلوماسية، يعمل على ممارسة ضغط غير مباشر على إيران، حيث طلب من المسؤولين في مصر والعراق ودول عربية أخرى الحث على أن يكون أي رد إيراني، وبالضرورة من “حزب الله”، الذي اغتالت إسرائيل قائده العسكري، منضبطاً. وحذر بلينكن، في أحاديثه الخاصة مع الدبلوماسيين، من أن الرد الانتقامي سيأتي في قريباً، وربما الثلاثاء، حيث قال: “لا ينبغي لأحد أن يصعد هذا الصراع”. مضيفاً: “لقد انخرطنا في دبلوماسية مكثفة مع الحلفاء والشركاء، ونقلنا هذه الرسالة مباشرة إلى إيران. لقد نقلنا هذه الرسالة مباشرة إلى إسرائيل”.
وليس من الواضح ما إذا كان حلفاء أمريكا العرب قادرين على احتواء الرد الإيراني المضاد، وإن كانت واشنطن قادرة على ثني رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إشعال مزيد من الصراع.
وبدت المنطقة، يوم الثلاثاء، على الحافة، حيث ألغت شركات الطيران رحلاتها إلى تل أبيب وبيروت، ونصحت الدول الغربية رعاياها بمغادرة لبنان حالاً. ومثل راعيتها الإيرانية، تعهدت الجماعة اللبنانية المسلحة بالانتقام من إسرائيل، حيث قتلت الأخيرة، في 30 تموز/يوليو، القيادي العسكري لها في الضاحية الجنوبية ببيروت. وحذر الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، في خطاب له يوم الثلاثاء: “قد نرد حالاً أو يرد كل واحد منا في محور المقاومة حسب توقيته، وبطريقتنا وأهدافنا”.
وظلت إسرائيل في حالة تأهب، حيث أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت عن أن الجيش “مصممٌ ومتماسك وقوي وجاهز للهجوم والدفاع”.
وسيكون الرد الإيراني الهجوم المباشر الثاني على إسرائيل في تاريخها، ولكنه، بعد أربعة أشهر من الأول، والذي حرصت فيه إيران على أن تعلن عنه مبكراً وتخبر الجيران. وأطلقت إيران وابلاً من الصواريخ والمسيرات التي اعترضت الولايات المتحدة معظمها. إلا أن هجوماً منسقاً من “حزب الله” وإيران، وكلاهما يملك ترسانة ضخمة من الأسلحة، قد يغرق نظام القبة الحديدية وشبكة الدفاع الجوي الإسرائيلية. وليس من الواضح إن كانت الدول العربية ستظهر استعداداً لردّ الهجوم الإيراني، كما فعلت في المرة الأولى.
وفي إشارة عن استمرار التنسيق الأمريكي- الإسرائيلي، تحدث غالانت مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وهذه هي المكالمة الخامسة بينهما منذ 28 تموز/ يوليو، عندما سقط صاروخ بملعب كرة قدم ببلدة درزية في مرتفعات الجولان.
وحمّلت إسرائيل والولايات المتحدة “حزب الله” المسؤولية، وهو ما نفاه الحزب. وزار قائد القيادة المركزية الجنرال إريك كوريلا إسرائيل، يوم الإثنين، كـ “ترجمة للدعم الأمريكي لإسرائيل مباشرة إلى أفعال”.
وخلف الأضواء هناك توتر متزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فقد ردّ المسؤولون بالبيت الأبيض بدهشة وغضب على مقتل هنية، في 31 تموز/يوليو، حيث قالوا إنه يمثل نكسة لجهودهم الطويلة لوقف إطلاق النار، وهي جهود اعتقدوا أنهم حقّقوا فيها تقدماً، حسب ثلاثة أشخاص على معرفة بالنقاشات داخل البيت الأبيض.
والتزمت إسرائيل بعدم التعليق على عملية الاغتيال، إلا أنها أخبرت الولايات المتحدة حالاً بها.
ويوم الثلاثاء، أعلنت حركة “حماس” عن تعيين يحيى السنوار، رئيساً للمكتب السياسي خلفاً لهنية.
ويعتقد المحللون أن السنوار يعيش في غزة، خلافاً لهنية الذي كان يقيم في قطر، وهو ما دعا المحللين للتساؤل عن سبب اختيار نتنياهو هذه اللحظة المتفجرة للقتل.
وقال المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط، دينس روس: “لو كان هدفك التوصل لصفقة، فلماذا قتلت هنية؟ وفعلتها لكي تجبر إيران على الرد!”.
وعلى مدى النزاع، بات المسؤولون الأمريكيون يتعاملون مع نتنياهو بأنه العامل الرئيسي لاحتواء الوضع لا إيران، وذلك بحسب مسؤولين في الإدارة الأمريكية.
وقامت إسرائيل بشن هجمات ضد قادة إيرانيين، وفي “حزب الله”، وبدون إعلام الأمريكيين، بشكل أغضب مسؤولي إدارة بايدن والرئيس نفسه.
ويواجه نتنياهو خلافات مع قادته الأمنيين بشأن الحرب في غزة بدلاً من الموافقة على وقف إطلاق النار، كما أنه غيّرَ من شروط الاتفاق الذي أعلن عنه بايدن، وقال إنه موافق عليه.
وقال فرانك لوينشتاين، الذي عمل مبعوثاً خاصاً للمفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية في إدارة باراك أوباما، إن نتنياهو “وضع الولايات المتحدة في وضع مستحيل”، وقد “استفزَّ رداً قد يجرنا إلى الحرب، ولكن لا أحد يتحدث عنه لأننا بالطبع سنقف إلى جانب إسرائيل ضد إيران”.
وتحدث مسؤولون في الإدارة عن مكالمة “حامية” بين بايدن ونتنياهو، يوم الخميس، وبعد مقتل هنية، إلا أن الرئيس لم يبدِ أي استعداد لفرض عقوبات، أو استخدام ما لديه من أوراق ضغط لتغيير مسار الحرب، مثل اشتراط المساعدات العسكرية أو تعليقها مثلاً.
وشملت الحملة الأمريكية، التي قادها بلينكن، حلفاء أمريكا، مثل مصر والعراق.
وزار وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، طهران، يوم الأحد، وهي الأولى لمسؤول أردني منذ 20 عاماً.
واتصل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بنظيره الإيراني، في اتصال نادر، يوم السبت، وحثّه على ضبط النفس. وجاءت المكالمة بعد طلب بايدن من حكومة عبد الفتاح السيسي التواصل مع طهران.
وقال مسؤول عراقي إن بلينكن اتصل مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وطلب منه “عمل ما يستطيع” واستخدام علاقاته مع إيران وإيصال رسالة ضرورة خفض التوتر.
وفي مكالمة، يوم الإثنين، مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قال إنه أوصل للإيرانيين رسالة مفادها أنهم سيكونون “الخاسر الأكبر” لو قرروا تصعيد النزاع، حسب مسؤول على معرفة بالمكالمة.
مضيفاً أن المسؤولين الإيرانيين أخبروا شركاءهم العرب أن رد الجيش الإيراني سيكون “مدروساً ومتجاوباً” ضد إسرائيل.
وطالما اعتقدت إدارة بايدن أن إيران تمر بمرحلة انتقالية، وتعاني من اقتصاد متآكل، وتريد مواجهة شاملة مع إسرائيل. ولكن المسؤولين العرب عبّروا عن حذرهم. وقال مسؤول مصري سابق: “لا أعتقد أن الدول العربية قادرة على عمل شيء”، و”إيران تفكر في شيء، وستنفذ ما يدور بذهنها”.
وفي تعليق لديفيد إغناطيوس بنفس الصحيفة، قال إن الرئيس يحاول الجمع بين الردع والدبلوماسية الشرسة لوقف القنبلة الإسرائيلية- الإيرانية. وقال إن بايدن سيغادر البيت الأبيض، إلا أنه قضى الأسبوع الماضي للتحضير لعملية عسكرية وجولة دبلوماسية. وشملت جهود إدارة بايدن ضرورة ضبط النفس وتحذير نتنياهو من عدم عرقلة جهود وقف إطلاق النار وإرسال أرمادا، أو أسطول من القوات البحرية والجوية للدفاع عن إسرائيل.
ولا تزال مخاطر الحرب الشاملة عالية، إلا أن هناك إشارات عن نجاح الجهود الأمريكية، يوم الثلاثاء.
وربما قررت إيران إعادة النظر في خطة الانتقام، لكن “حزب الله” لا يزال الورقة غير المضمونة.
وتعقد الرد الإيراني من خلال الظروف التي قتل فيها هنية، ففي البداية اعتقد الإيرانيون أن المسؤول الفلسطيني قتل من خلال صاروخ، لكنهم توصلوا لاحقاً إلى أن قنبلة زرعت في مسكنه قتلته، حسب قول المسؤولين الأمريكيين. وقالوا إن إيران قامت بهجمات موجهة مماثلة ضد دول أخرى.
وربما نجحت الولايات المتحدة بثني إيران عن رد قوي، من خلال الرسائل السرية التي أوصلتها البعثة السويسرية، التي تقوم برعاية المصالح الأمريكية في إيران، وكذا الرسائل للبعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة.
وقال مسؤول بارز في الإدارة: “تفهم إيران أن الولايات المتحدة ثابتة في دفاعها عن مصالحنا وحلفائنا وشعبنا. وحركنا قدراً كبيراً من الأرصدة العسكرية للتأكيد على هذا المبدأ”.
وأكدت أمريكا في رسائلها على مخاطر التصعيد، وما يمكن أن يواجه الرئيس الجديد مسعود بزشكيان من مشاكل.
وأشار الكاتب للمكالمة بين بايدن ونتنياهو، والتي وصفت بالحادة. وطلب الرئيس من المسؤول الإسرائيلي أن يكون “شريكاً جيداً”.
المصدر: “القدس العربي”