تتعدد مجالات وتداعيات الكارثة التي ضربت السوريين في سنوات العقد الماضي، إذ أصابت كيانهم في أُسسه وبناه وعلاقاته، وامتدت إلى مسارات حياة السوريين وصولًا إلى تفاصيلها لدرجة يصعب فيها القول، إنّ سوريًا نجا من آثار الكارثة وارتداداتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
ووسط الشمولية التي تركتها الكارثة، صار من الطبيعي قول إنّ السوريين بحاجة ماسة إلى مساعدة العالم من حولهم، سواء من جانب الدول والمؤسسات وصولًا إلى المتميّزين من الأشخاص الذين تسمح إمكانياتهم بتقديم مساعدة على طريق تخفيف معاناة السوريين والمساهمة في إعادة تطبيع حياتهم.
ورغم أنّ المساعدة المطلوبة، تتركز على الجوانب المادية لتوفير الاحتياجات الأساسية للحياة من غذاء ومياه ودواء وسكن، فإنها تشمل مجالات أخرى منها خدمات الصحة والتعليم والتدريب والاتصالات والمواصلات، التي دُمّرت في سنوات الحرب أو أُصيبت بأعطال جوهرية.
وحاجة السوريين للمساعدات لا تقتصر على المقيمين في سوريا الموزّعين تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع الموزّعة بين نظام الأسد المسيطر في خط الوسط السوري، والإدارة الذاتية شمال شرق سوريا ومنطقة السيطرة التركية في شمال غرب البلاد، بل تشمل أيضًا اللاجئين السوريين أصحاب الأوضاع الصعبة في دول الجوار ولا سيما لبنان والأردن وتركيا وإقليم كردستان العراق.
وتتوزّع المساعدات من حيث طبيعتها إلى نوعين، أولها مساعدات عاجلة من أجل توفير الاحتياجات العاجلة والمُلحّة من غذاء وسكن ودواء، والتي تشاركت في تأمينها دول ومنظمات في الثلاثة عشر عامًا الماضية، والأهم فيها ما قدّمته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والنوع الثاني هي مساعدات تقدّم بعد الوصول إلى حل في سوريا، هدفها الأساسي إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وبين النوعين استجدت نوعية ثالثة من المساعدات أخذت اسم عمليات التعافي المبكر، والتي يُقال تبسيطًا في شرحها، إنها تهدف إلى تحسين واقع حياة السوريين الحالية، ليس في الاستجابة إلى احتياجاتهم فقط، بل وفتح بوابات أمل في الحل والسير نحو استعادة حياتهم الطبيعية، إضافة إلى تدريب السوريين بأطرافهم المختلفة على الخروج من مرارات مرحلة الصراع إلى التعاون وصولًا إلى تحقيق الأهداف المشتركة.
والذهاب إلى هذا النوع من المساعدات، يسبق إعادة الإعمار التي تبدأ بعد التوصل إلى الحل، وهو مرهون بتوفير بيئة سياسية توافقية لدى أطراف الصراع والداعمين لهم، وتأكيد أنّ الصراع في طريق الحل، وأنهم يمكن أن يديروا بطرق شفافة ومسؤولة مشاريع، بما فيها مشاريع مشتركة، ومتكاملة تساعد في إشاعة الثقة والتقارب بين مختلف الأطراف.
وواقع الحال في سوريا، كما في بلدان الجوار، التي يعيش فيها ملايين اللاجئين السوريين وخاصة لبنان، لا تتوفر بيئات مناسبة للقيام بعمليات التعافي المبكر، وتدعم هذه الخلاصة تجارب مرّة في تعامل مختلف القوى النافذة مع موضوع المساعدات الإنسانية طوال سنوات الصراع، حيث تكالبت مختلف الأطراف للتصرف بالمساعدات واستغلالها سياسيًا في الصراعات البينية، والاستيلاء عليها لبيعها في الأسواق المحلية وتوزيعها على أدواتها وأنصارها وليس للمستحقين، وكلها معطيات تؤكد عدم توفر بيئات مناسبة لعمليات التعافي المبكر، التي تحتاج إلى إعلان سياسي وخطوات عملية، تؤكد مغادرة المواقف والسياسات السابقة في الصراع السوري والسير نحو الانخراط في حل للقضية وفق التوجهات الدولية لا سيما القرار 2254 وملحقاته، وكلها خارج توجهات قوى الأمر الواقع في سوريا ومواقف حكومات دول الجوار، وثمة أمثلة كثيرة، يمكن التوقف عندها على سلوك تلك القوى، أحدها استيلاء نظام الأسد على المساعدات التي قُدمت لضحايا زلزال 2023، والثاني قيام السلطات اللبنانية بإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا وتحويلهم إلى ورقة مساومات في علاقات لبنان الإقليمية والدولية.
وسط واقع الحال، فإنّ تنفيذ عمليات التعافي المبكر في سوريا وللسوريين في دول الجوار، وصرف الأموال في ظل استمرار السياسات والمواقف التي تتبناها قوى السيطرة الحالية، إنما يعني أنّ لا فائدة حقيقية للسوريين من تلك العمليات، بل إنّ قوى السيطرة وأجهزتها، هي الطرف الرئيس الرابح عبر نهب الأموال، واستخدامها في غير مهمتها، ومراكمة أكثرها في جيوب وحسابات النافذين، ويُعتبر نظام الأسد والمتحالفون معه النموذج الأهم في هذا المجال.
ورغم المشاكل المحيطة بعمليات التعافي المبكر وأبرزها مواقف وممارسات نظام الأسد، فإنّ العمليات يجب أن تستمر، وأن تشكل حافزًا لطريق يجبره على الانصياع، وتغيير مواقفه وممارساته عبر مجلس الأمن الدولي، وتكليف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة بإدارة عمليات التعافي المبكر، ليس لضرورات العمليات، التي تتصاعد يومًا بعد يوم، وإنما أيضًا لدفع نظام الأسد للانخراط في تسوية سياسية شاملة للقضية السورية.
المصدر: “عروبة 22“