منذ قيام نظام الثورة الإسلامية في إيران، طبع سوء الفهم والحسابات الخاطئة العلاقات الغربية مع طهران، وذلك نتيجة فشل العواصم الغربية في إدراك طبيعة العلاقة بين إيران الدولة وإيران الثورة التي يرسمها مرشد الثورة.
شوق الغرب لعودة إيران إلى حضنه يجعل عواصم الدول الغربية الأساسية وعلى رأسها الولايات تفرط بالتفاؤل حول التحوّلات الإيرانية التي يُعبّر عنها بما يعرف تقليدياً بمعسكر الإصلاحيين. لكنّ هذا التفاؤل سرعان ما يتلاشى عند كلّ “مغامرة إيرانية” خارج الحدود، سواء كانت عملية اغتيال معارضين، تمويل مجموعات “إرهابية” أو حملة قمع واسعة داخلية. فتدخل العلاقات مع الغرب بموجة جديدة من العقوبات ضدّ طهران بانتظار إشارات إيرانية “إصلاحية” جديدة تحيي الآمال بتغيّر سلوك النظام.
إتقان لعبة التضليل
إيران ومرشدها أتقنوا لعبة تضليل الغرب واستغلّوا رغبته بالتعاطي مع طهران من خلال الواقعية السياسية واستجابة لأمنياته بتغيّر سياسة طهران، وذلك منذ الأيام الأولى للثورة حين أوفد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان مستشاره للأمن القومي سرّاً إلى طهران للقاء مسؤولين إيرانيين كانوا يُصنَّفون في خانة الإصلاحيين. وهو ما عرف فيما بعد بفضيحة الأسلحة مقابل الرهائن.
في بعض الأحيان التناقض بين مفهومَي الثورة والدولة قد لا يكون تضليلاً متعمّداً، إنّما نتيجة طبيعية إذا ما قرّرت الحكومة الإيرانية مراعاة مصالحها القومية لكنّ الغلبة دائماً تكون لإيران الثورة التي يمسك بجميع مفاصلها المرشد الذي له وحده القرار بموازنة مصالح الدولة والإبقاء على مبادئ الثورة، تصديراً وتفعيلاً، التي تختزن محاولات “تشييع” مبطّنة من أجل تبرير صرف أموال المزارات الشيعية في إيران على أذرع إيران في الخارج، وتحديداً الحزب.
مقتل الرئيس الإيراني رئيسي ووزير خارجيّته في تحطّم طائرة الهليكوبتر التي كانت تقلّه مع رفاقه سيشكّل فرصة لمعرفة الاتّجاه الذي يريد المرشد أن يأخذ فيه البلاد.
انتخاب الرئيس الراحل رئيسي كان المرّة الأولى التي يتمّ فيها انتخاب رئيس أقرب إلى الجناح الثوري المحافظ في إيران، حيث أصبح من الصعب التفريق بين إيران الدولة والثورة، خصوصاً على مستوى التشدّد في الملفّات الداخلية. رئيسي حلّ مكان الرئيس حسن روحاني الذي كان على خلاف مع المتشدّدين في إيران في عدّة ملفّات. وعبّر عن ذلك وزير خارجيته محمد جواد ظريف الذي لعب دوراً كبيراً للتوصّل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة. لكنّه دفع ثمن هذا الاتفاق بعدما قام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالانسحاب منه. وهو ما دفع عدداً من القيادات الإيرانية المحافظة إلى إلقاء اللوم على روحاني وظريف على أنّهما فشلا في الحفاظ على المصالح الإيرانية. روحاني مُنع من الترشّح في الانتخابات الرئاسية اللاحقة من قبل مصلحة تشخيص النظام. وهي الهيئة التي يستطيع من خلالها المرشد التأثير على نتائج الانتخابات وإيصال مرشّحه المفضّل إلى سدّة الرئاسة أو المرشّح الذي ينسجم مع مناوراته السياسية.
النظام الإيراني لا يسمح بوصول رئيس بأصوات المعارضة، لكنّ المرشد يأخذ بعين الاعتبار مزاج الشارع الإيراني فيسعى إلى احتوائه دون الاستجابة لمطالبه الأساسية.
ما هي المعطيات الجديدة؟
من غير الواضح ما إذا كان المرشد سيسعى إلى إيصال مرشّح يرضي الشارع الإيراني بعد موجة الاحتجاجات الداخلية فيعود بذلك إلى سياسة التمايز بين الدولة والثورة كما حصل مع الرؤساء السابقين رفسنجاني، خاتمي وروحاني.
الانتخابات المقبلة تجري في ظلّ معطيات جديدة أهمّها:
– تزايد الحديث عن خلافة المرشد بسبب تقدّمه في السنّ ومستقبل نظام ولاية الفقيه.
– احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً في الولايات المتحدة وما له من تداعيات على أجواء التهدئة بين طهران وإدارة الرئيس بايدن.
– وتعاظم فرص التوصّل إلى اتفاق أمني بين الرياض وواشنطن يشمل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
كلّ هذه الاعتبارات توحي بأنّ المرشد قد يعود إلى أسلوب إعطاء إشارات متناقضة للغرب واللعب على التمايز بين الدولة والثورة من أجل تقطيع المراحل وتجاوز المخاطر التي تشكّل تحدّياً للنظام.
المصدر: أساس ميديا
نظام ملالي طهران يتلاعب بالتناقض بين مفهومَي الثورة والدولة تضليلاً متعمّداً، كنتيجة طبيعية لقرّارت النظام بمراعاة مصالحه القومية “الفارسية” مع الغلبة لإيران الثورة الممسك بجميع مفاصلها المرشد الذي له وحده القرار بالإبقاء على مبادئ الثورة، تصديراً وتفعيلاً،