قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي لن يغير مسار الحرب في قطاع غزة على الفور، لكنه يضاف إلى سلسلة ضغوط دولية تتزايد لإنهاء الحرب. صيغة القرار الملتوية تترك لإسرائيل إمكانية استخدام تفسيرات بحسبها يمكن مواصلة العملية العسكرية في رفح الآن. بدرجة معينة، زاد الجيش الإسرائيلي نشاطاته الهجومية على رفح في الأيام الأخيرة. ولكن الصعوبة تكمن هناك على المدى البعيد. ومع توقع الاستجابة لطلب المدعي العام إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع غالانت، فإن وضع إسرائيل في الساحة الدولية آخذ في التعقد. هذا رغم أنه لا توجد أي عملية أحادية الجانب من المؤسسات الدولية لوقف الحرب في هذه المرحلة، كما أمل الفلسطينيون، الذين يتوقعون قراراً من مجلس الأمن، وفرض عقوبات على إسرائيل مستقبلاً.
في الأسبوع الأخير، ساد في إسرائيل الرضى مما وصف كليونة في موقف أمريكا تجاه العملية في رفح. بعد أن أبعد تهديد الجيش الإسرائيلي من المدينة 1.4 مليون غزي، الذين تجمعوا هناك منذ بدء المعارك إلى كل أرجاء القطاع. قلصت الإدارة الأمريكية انتقادها العلني للعملية، والضوء الأحمر الذي ظهر أن نتنياهو ينوي تجاهله أصبح برتقالياً: توقع من إسرائيل إظهار الحذر وتجنب المس بالمدنيين بصورة تذكر بقرار المحكمة.
مع ذلك، تتابع الولايات المتحدة العمليات العسكرية، ولا تسارع إلى إرسال السلاح الذي تم تأخيره في بداية الشهر على خلفية دخول رفح. المناطق المحمية في المواصي، على شاطئ القطاع الجنوبي، مكتظة وتنقصها البنى التحتية الأساسية. وثمة مشكلة أخرى تتعلق بقوافل المساعدات الإنسانية للقطاع، لا سيما منطقة رفح. تحدث الرئيس الأمريكي أول أمس مع الرئيس المصري لإقناع القاهرة بإدخال الشاحنات إلى القطاع من معبر كرم أبو سالم، الموجود في الأراضي الإسرائيلية. رد الرئيس المصري بالإيجاب ووعد الرئيس الأمريكي بالعمل بسرعة لإعادة فتح معبر رفح الذي احتله الجيش الإسرائيلي قبل أسبوعين تقريباً.
زيادة الجهود العسكرية الإسرائيلية شملت في نهاية الأسبوع هجمات كثيفة نسبياً في رفح وجباليا ووسط القطاع، ومحاولة اغتيال (من غير الواضح حتى الآن كيف انتهى) قائد لواء رفح في حماس، ونائب قائد جهاز الأمن الوطني في القطاع. رغم أنه لا توجد في هذه الأثناء عمليات فورية لوقف الجيش الإسرائيلي. يكمن خطران على المدى البعيد: الأول فرض وقف لإطلاق النار بدون حل قضية المخطوفين، والثاني تفويت الصفقة التي تقترحها الإدارة الأمريكية الآن حول اتفاق شامل بين أمريكا والسعودية وإسرائيل.
لا يوجد طريق وسط
جرت في باريس في نهاية الأسبوع جولة محادثات جديدة للتلمس بين شخصيات أمريكية وإسرائيلية وقطرية رفيعة في محاولة لتحريك المفاوضات حول صفقة التبادل. بعد تعمد حكومة إسرائيل مط الوقت أشهراً كان لها فيها موقف أفضلية ما على حماس في المفاوضات، انقلب السحر على الساحر؛ وحماس اليوم تشعر بأنه لا يوجد ما يدعو إلى الاستعجال، وتضع العقبات أمام المفاوضات. ولكن إلى جانب الخلاف على عدد المخطوفين الأحياء الذين يجب شملهم في الصفقة الإنسانية في المرحلة الأولى لتبادل الأسرى والمخطوفين، لم تغير حماس طلباتها الرئيسية وهي التزام موثوق بإنهاء الحرب كشرط لإطلاق سراحهم.
قد تطرح حماس طلبات أخرى فيما بعد إذا شعرت أنها في موقف الأفضلية، ولكن يكفي طلب كهذا كي يودي بالعملية إلى طريق مسدود. وكما يقول عدد متزايد من كبار جهاز الأمن، فإن إسرائيل وصلت إلى مفترق طرق لا طريقة للتملص منه اليوم، وهو إما الصفقة أو الاستمرار في الحرب، لا توجد طريق وسط.
صباح أول أمس، أعلن الجيش الإسرائيلي العثور على ثلاث جثث أخرى لمخطوفين في نفق في جباليا، الذي عثر فيه قبل بضعة أيام على أربع جثث أخرى. عائلات ميشيل نسنباوم وحنان يبلونكا واوريون هرننداز، تعرف الآن ما الذي حصل لأعزائهم ويتمكنون من دفنهم. حسب الجيش، فإن الثلاثة قتلوا صباح 7 أكتوبر مع عشرات الإسرائيليين الآخرين الذين هرب معظمهم من حفلة “نوفا”، كما يبدو في مفترق “مفلسيم” غرب “سديروت”.
بقي في القطاع الآن 135 مخطوفاً. وحسب معطيات الجيش الإسرائيلي الرسمية، أعلن عن موت 39 منهم. ولكن عدد المخطوفين الأحياء الحقيقي هو أقل بكثير مما يتم نشره رسمياً. في الفترة الأخيرة، حدثت انعطافة في مركز الأسرى والمفقودين، الأمر الذي سمي “حل اللغز”. عشرات المخطوفين الذين لم يتم تسلم أي إشارة على وجودهم على قيد الحياة منذ مذبحة 7 أكتوبر. من خلال العمل الاستخباري والدقيق والمتواصل، تم في الأسابيع الأخيرة تحقيق تقدم بخصوص معرفة ما حدث لبعضهم. هذا حتى الآن غير كاف في معظم الحالات للإعلان عن موت أي مخطوف، لذلك فالمطلوب هو الدمج بين الشهادات والصور وأحياناً دليل من الطلب الشرعي. ولكن هكذا يتم التوصل إلى ثقة أكبر في الإجابة عن سؤال ما الذي حدث للمخطوف. الاستنتاج غير مشجع. عملياً، هناك من يقدرون بأن ما بقي في القطاع من المخطوفين أحياء أقل من عدد أعضاء كنيست الائتلاف.
فساد حكومي
في نهاية الأسبوع، انشغلت منظومة التحريض في الشبكات الاجتماعية العاملة لخدمة نتنياهو في تكثيف نشر فيلم جديد للتحريض. حسابات بارزة في الشبكات، مثل حساب المذيع يانون مغيل ونجل رئيس الحكومة، نشرت فيلماً وثقه جندي في الاحتياط، ظهر فيه شخص يرتدي خوذة وهو ملثم، ويرتدي الزي العسكري ويحمل السلاح، وادعى بأنه يمثل 100 ألف جندي احتياط، ويعلن عن ولائه لنتنياهو فقط، ويهدد بأنه وأصدقاءه سيرفضون مغادرة القطاع إذا سلمت الحكومة المفاتيح لأي سلطة فلسطينية بعد انتهاء الحرب.
“نريد تفكيك ما تبقى هنا”، هدد. “كل الذين احتفلوا بذبحنا… كل هؤلاء نريد قتلهم. لن يبقى منهم أحد على قيد الحياة. سنبيد من تسبب بالضرر لشعب إسرائيل”. وللتحلية هو يطلب من “السيد غالانت” الاستقالة. ورداً على ذلك، فقد أمر رئيس الأركان هرتسي هاليفي (الذي يطلب المتحدث عدم الإصغاء لأوامره) بإجراء “محادثات انضباط على الفور” في الوحدات حول ما جاء في الفيلم. فتحت الشرطة العسكرية تحقيقاً في محاولة لاستيضاح من يقف من وراء الفيلم ونشره. أمس، ثار شك بأن المتحدث في الفيلم ليس جندي احتياط في الخدمة الفعلية.
الحقيقة أن هاليفي وقيادة الجيش العليا استيقظت متأخرة. منذ أشهر كثيرة، فقدت هيئة الأركان السيطرة على ما يحدث في الوحدات، لا سيما وحدات الاحتياط. جنود في القطاع والضفة وفي قواعد في الجبهة الداخلية، يوثقون أنفسهم وهم يهدمون ممتلكات فلسطينية وبنى تحتية ويفجرون البيوت بدون مصادقة، وينشرون رسائل سياسية متماهية مع اليمين المتطرف. ما يتم نشره ليس سوى قمة جبل الجليد للمخالفات التي يتم ترتكب بعيداً عن العدسات. جاء رد الجيش متلعثماً وضعفاً في أغلب الحالات، هذا إذا كلف نفسه عناء التحقيق. بعض هذه الحالات استخدمها المدعون العامون في لاهاي مؤخراً كدلائل على تأكيد الادعاءات ضد إسرائيل.
مشاعر الفساد، وأداء الحكومة الفاشل وفقدان الاتجاه، ساهمت أيضاً في تقرير تقشعر له الأبدان لرفيف دروكر في القناة 13، الذي وصفت فيه أفعال خداع للوزيرة ميري ريغف. بدأت الشرطة والنيابة العامة فحصاً أولياً للاستنتاجات التي بحسبها صاغت ريغف طريقة مفصلة لتفضيل مدن فيها أغلبية مصوتي الليكود، لا سيما مؤيديها في الانتخابات التمهيدية، استجابة لطلبات في مجال المواصلات. الإشارة الضوئية لردى ريغف قسمت البلدات إلى ألوان وفقاً لذلك، حتى سكان الكيبوتسات في الغلاف والسكان على الحدود مع لبنان، الذين ليسوا من مؤيدي الليكود، تم دفعهم إلى آخر الطابور. “الجنود هم مثل المراسلين؛ يذكرون كيف أن ريغف أثناء وجودها كضابطة شابة نسبياً، كرست وقتاً طويلاً لتهنئة مذيعين ومؤثرين بعيد ميلادهم. وهو أسلوب تطور فقط لصالح متعهدي الأصوات وأعضاء المركز”.
في محاولة لإبعاد النار، تسرب لأخبار 12 تبادل لفظي صعب بين ريغف وهاليفي في جلسة الكابنت السياسي الأمني الأخيرة؛ حيث هاجمته بشكل مسموم، لكن هذا لم يساعدها بشكل خاص؛ فالفساد الذي انكشف بشكل يثير الغليان، حتى إن منافسي أخبار 12 تجاوزوا تقليداً طويل الأمد وكرسوا لتقرير دروكر وقتاً كبيراً في برنامج “أستوديو يوم الجمعة”. الرد الأكثر صواباً كان للأب الثاكل رؤوبين يفلونكا، الذي عرف في ذاك الصباح من شائعات جابت الشبكات الاجتماعية، وليس من الجيش الإسرائيلي، بشأن العثور على جثة ابنه حنان. ومنذ الإعلان، قال إنه لم يحصل على أي مكالمة من أي وزير أو حتى من عضو كنيست. “لو كنت عضواً في الليكود لربما اتصل بي أحد”، قال. لم يبق للمشاهد الغاضب في البيت إلا رمي أي شيء على شاشة التلفاز.
المصدر: هآرتس /القدس العربي