تتصرّف إيران على أنّها الرابح الأوّل من كلّ تداعيات ما بعد عملية طوفان الأقصى. وعلى الرغم من كلّ آليّات البحث الدولية والعربية عن سياق مرحلة ما بعد الحرب في غزة، والصورة التي تُظْهِرُ إيران بعيدة بالمعنى السياسي والتفاوضيّ، إلا أنّ إيران مرتاحة لمسار التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، واللافت هو الموقف الأخير الذي أطلقه المرشد علي خامنئي حول العودة إلى المفاوضات النووية، ربطاً بتجاوب إيران مع وفد الهيئة الدولية للطاقة الذرّية.
وقائع الارتياح الإيرانيّ
ينبع الارتياح الإيراني من جملة وقائع وأحداث وشواهد تتّصل بعضها بالبعض الآخر، وتجعل ملفّات منطقة الشرق الأوسط كلّها ضمن سلّة واحدة تفاوض عليها طهران بفعل الواقع على الأرض المؤمّن من خلال حلفائها، من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، وما بينهما الصراع على ماهيّة “اليوم التالي” في غزة، الذي يبدو أنّه غير واضح بالنسبة لأيّ جهة فاعلة إسرائيلياً أو أميركياً أو عربياً، وهو ما قد يفضي في النهاية إلى بقاء حركة حماس وإن تغيّرت آليّة وجودها العسكري، معتمدةً نموذجاً مشابهاً لنموذج الحزب بعد حرب تموز 2006. ومن بين هذه الوقائع:
1- تفعيل مكتب نيويورك بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، الذي يعمل منذ فترة على نسج خيوط التفاوض بين الجانبين.
2- اجتماع مباشر إيراني أميركي قبل حوالى أسبوعين في سلطنة عمان، جرى خلاله البحث في مجمل ملفّات المنطقة، وطالبت فيه طهران واشنطن بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب في غزة، وبعدها التفاوض على كلّ الملفّات بما فيها الاتفاق النووي.
3- الاهتمام الأميركي الكبير بوضع ولاية ميشيغن انتخابيّاً. وبحسب ما تقول مصادر أميركية فإنّ وفوداً من الإدارة والحزب الديمقراطي المحسوبين على بايدن يزورون بشكل شبه يومي الولاية ويهتمّون بأبناء الطائفة الشيعية هناك لاستمالتهم انتخابياً. وهنا تراهن الإدارة الأميركية على دور إيران في مساعدتها.
4- ما يخلص إليه زوّار العاصمة الأميركية واشنطن من استنتاجات هو أنّ الوجهة الأميركية تميل نحو طهران، والحرص على العلاقة معها وإتمام الاتفاق في موازاة السعي الأميركي إلى إنجاز اتفاق تاريخي مع الدول العربية والخليجية والمملكة العربية السعودية تحديداً، لكنّ ذلك بموازاة السعي إلى الاتفاق مع إيران وليس على حسابه.
5- تعثّر إيجاد صيغة لما يُعرف باليوم التالي في غزة، وسط رفض إسرائيلي مطلق لعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وعدم القدرة على إنهاء حركة حماس بشكل كامل، وتعاظم الموقف الدولي ضدّ مسار التهجير الذي تريده إسرائيل، فهذا سيؤدّي في النهاية إلى إعادة التعاطي بواقعية مع حماس التي تعيد تشكيل قوّتها في كلّ القطاع، وحينها يمكن للإسرائيليين والأميركيين أن يجدوا أنّ التعامل مع حماس هو الأمر المتاح لكن مقابل إحداث تغيير في قيادتها، وبذلك يكون بقاء حماس مفتاحاً بالنسبة للإسرائيليين لإجهاض مسار الدولة الفلسطينية.
6- حتى لو ذهبت بعض الدول إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلّة، فذلك سيكون على الورق وبدون أيّ أثر فعليّ أو واقعي على الأرض، وهو ما يعني استمرار الانقسام الفلسطيني واستعادة الوقائع نفسها منذ اتفاق أوسلو إلى اليوم.
7- البحث عن صيغة لإعادة تشكيل السلطة الفلسطينية تكون حماس جزءاً منها على طريقة مشاركة الحزب في الحكومة بعد حرب تموز 2006، وتدرّجه بعدها في مسار سيطرته على الحكم في لبنان، بالإضافة إلى البحث عمّا يشبه القرار 1701 الذي اعتُمد في جنوب لبنان ليُعتمد في غزة.
8- كلّ ذلك ينسحب على ملفّات المنطقة، وأهمّها ما سمعه أحد المسؤولين اللبنانيين على لسان شخصيات أميركية موكلة بالملفّ اللبناني، وهو أنّ ماسكي الملفّ اللبناني في أميركا لا يرون أمامهم إلا الحزب وحركة أمل، وأنّ أيّ اتفاق سيحصل مع الثنائي الشيعي، وأنّ أميركا معنيّة بالاتفاق مع الثنائي، حدوديّاً وسياسيّاً.
9- ازدراء لدى الإدارة الأميركية للقوى المعارضة للحزب في لبنان، فتارة تتمّ دعوتهم للذهاب إلى الحوار مع برّي، وطوراً يتمّ وصفهم بأنّهم غير قادرين على التحرّك سياسياً ولا تشكيل ميزان قوى يحقّق توازناً مع الحزب.
10- لا يمكن فصل “الرفض” اللبناني للورقة الفرنسية عن كلّ هذا المسار، خصوصاً أنّ كلّ محاولات باريس للعمل على الساحة اللبنانية سياسياً ورئاسياً وحدودياً قد فشلت في ظلّ إصرار الثنائي الشيعي على أن يكون الاتفاق مع الأميركيين.
11- الردّ اللبناني العنيف على كلّ المساعي الأوروبية المرتبطة بملفّ اللاجئين السوريين، وصولاً إلى دعوة الأمين العام للحزب إلى فتح البحر أمام اللاجئين وتنظيم رحلات خروجهم إلى أوروبا، وهذا يعني ضمناً رفضاً لكلّ المبادرات الأوروبية ورسالة ضدّ الموقف الأوروبي المؤيّد لإسرائيل، ومحاصرة الدول الأوروبية لمنعها من العمل في أيّ مجال على مستوى المنطقة.
12- الموقف الذي أطلقه نصر الله من شأنه أن يدفع الدول الأوروبية إلى إعادة تجديد التفاوض مع الحزب حول كلّ الملفّات، ومع النظام السوري أيضاً.
13- مسار إعادة تعويم النظام في دمشق بالارتكاز على موقفه المحايد في طوفان الأقصى، وفي ظلّ الانفتاح العربي عليه، بالإضافة إلى ملفّ اللجوء، وهو ما ينعكس في مواقف المسؤولين اللبنانيين بدءاً بنجيب ميقاتي الذي دعا ماكرون إلى التواصل مع سوريا، مروراً بنبيه برّي الذي دعا الأوروبيين أيضاً لفعل الأمر نفسه، وصولاً إلى تخفيض لبنان تمثيله في مؤتمر بروكسيل بعد رسائل متبادلة مع سوريا على أن يكون لبنان صوت سوريا في المؤتمر على اعتبار أنّه لا يمكن معالجة ملفّ اللجوء بدون التفاوض المباشر مع دمشق.
بايدن على خطى أوباما
أمام كلّ هذه الوقائع، يخرج أحد زوّار واشنطن بانطباع أنّ الأميركيين أو إدارة بايدن بالتحديد تبدو وكأنّها ذاهبة إلى إعادة اعتماد المسار نفسه الذي اعتمدته إدارة أوباما في سبيل الوصول إلى اتفاق مع طهران. لبنانياً، يخلص الزائر إلى اعتبار أنّ الحزب أيضاً يحاول تكرار نفس نموذج تسوية عام 2016 وفرض انتخاب ميشال عون على الآخرين، وهذا ما يمكن أن يتكرّر مع سليمان فرنجية في فترة الوقت الضائع من الآن حتى موعد الانتخابات الأميركية، ما دامت الأطراف الأخرى لا قدرة لديها على تقديم أيّ نموذج من شأنه أن يغيّر موازين القوى، وبعد الوصول إلى مرحلة الضرب تحت الحزام، لتبدو إيران وكأنّها تكرّر تجربة مصر وسوريا بعد حرب 1973. ففي حينها غادرت مصر إلى اتفاق كامب ديفيد، وغادر حافظ الأسد إلى الاتفاق مع هنري كيسنجر على كلّ ترتيبات الوضع في المنطقة.
تسعى واشنطن الآن إلى أن تكون إيران مكان الأسد في لبنان وعلى مستوى المنطقة أيضاً. وهو ما يريد أن يكرّسه الحزب على الساحة اللبنانية، من خلال اعتماد المنهجية نفسها التي اعتمدها النظام السوري سابقاً، بتشظية كلّ القوى المعارضة، وتشكيل تحالفات موالية له سنّية ومسيحية، وليس آخرها الانشقاقات التي تحصل في التيار الوطني الحرّ، والتي تترافق مع محاولة لإعادة تجميع هؤلاء ضمن إطار سياسي مشترك.
المصدر: أساس ميديا
ليس بالضرورة أن يعبر المقال عن رؤية الموقع
بايدن كان نائب اوباماما فمن الطبيعي أن يسير بخطاه حول منطقة الشرق الأوسط وتعتبر نظام ملالي طهران “أيران” هي الحليف الآخر بالمنطقة بعد الكيان الصhيوني والإعتماد عليها للسيطرة على مقدرات المنطقة ضمن الثنائية مع الكيان الصhيوني.