ما زال إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في زيارتها أخيراً لبنان برفقة الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، عن استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم حزمة مالية بقيمة مليار يورو من أجل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتخفيف أعباء اللجوء السوري، ما زال يثير عاصفة من السجالات والردود بشأن “الهبّة الوهمية” أو “الرشوة”، في خيط فاصل رفيع يربط بين القبول بالمساعدة أو رفضها. ولا يبدو أنّ الحكومة اللبنانية تملك خطّة واقعية وعلمية لإدارة الملفّ، ولا القدرة على تنظيمه أو تبديد الأجواء المشحونة، التي تثيرها أطرافٌ في السلطة لأسباب شعبوية، وأخرى في عملية ابتزاز لزيادة الدعم المالي في مؤتمر بروكسل المُقبل، المقرر عقده في 27 من الشهر الجاري (مايو/ أيار). وتعتزم حكومة تصريف الأعمال تغيير مسار الأزمة، بدعم من قبرص وفرنسا، من خلال ورقة عمل (مدعومة بتوصية برلمانية)، بحثاً عن ظروف “آمنة” لعودة اللاجئين. وقد يتناقض هذا مع استنتاجات الأمم المتّحدة، ووكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي، بشأن “الأمن غير المضمون”، في ظلّ تسجيل حالاتٍ من التعذيب والاعتقال التعسّفي، والقتل، واختفاء العائدين في مناطق سيطرة النظام، الذي يحاكم بتهم ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والمُتّهم بتحويل المساعدات الإنسانية لتعزيز سيطرته على الأرض.
إنّها لحظة الحقيقة في لبنان، التي تجمع كلّ نقاط ضعفه وعوالمه السفلية، وتخلط بين كلّ الأمور، في انقسامات سياسية واجتماعية وطائفية وثقافية، بين الأولوية للأفضلية الوطنية، والمجتمع الإنساني المفتوح على حقوق الإنسان، في أوضاع تتحكّم بها سياساتٌ منفصّلة عمّا يحدُث على أرض الواقع، من انهيارات بنيوية ومؤسّساتية، ومخالفات للدساتير والقوانين، تهدّد أكثر وأكثر بهدم “أعمدة المنزل”، فيعود لبنان قبلياً (كما العالم)، أمام مخيّمات نزوح قاريّة، وهو ليس وحيداً في مواجهتها.
توصّلت أوروبا، بعد سنوات طويلة من المداولات والمفاوضات بشأن قوانين الهجرة، إلى اتفاق تاريخي لإصلاح القوانين، واتخاذ إجراءاتٍ مُتعدّدة من خلال تشديد مراقبة الحدود، وزيادة ترحيل أصحاب الطلبات المرفوضة. والهجرة إلى أوروبا وأميركا على وشك التقييد باتفاقيات جديدة، مقدّمةً لإجراء انتخابات البرلمان الأوروبي، في سياقات عالقة انعزالية على نحو متزايد، في وقتٍ يعيش العالم نزف الغزو الروسي لأوكرانيا، والحرب المتوحّشة الإسرائيلية على غزّة، وحرب التحوّل البيئي. لبنان من ضمن القائمة الطويلة لدولٍ تعاني من أزمة الهجرة، والانتقال غير الشرعي. لكنّه يواجه خطراً وجودياً ديمغرافياً وهواجس أمنية، تضغط على تطبيق القوانين، بالتزامن مع تردّي أوضاع العالم في ظلّ الاضطرابات الجيوسياسية. وهو مطالب بـ”التعاون الجيّد” في مكافحة الهجرة إلى أوروبا، وسط مخاوف محلّية كبيرة بشأن مصير اللاجئين (يناهز عددهم مليوني لاجئ)، ولضعف الموارد والإمكانات، مع الاعتراف بمدى معاناتهم الإنسانية العميقة. فيما العالم لا يهتمّ بجذر المشكلة مع نظام فاقم من حالة الدمار الإنساني والمادي، ويمعن في ازدراء قرار مجلس الأمن 2363، وغير معنيّ بمشكلات ناسه، وإعادتهم بكرامة إلى بلادهم وممتلكاتهم. تشمل حزمة التمويل الأوروبية 736 مليون يورو مساعداتٍ للتعليم والحماية الاجتماعية والصحّية للاجئين السوريين، والأشخاص “المُستضعَفين” في لبنان، بالإضافة إلى تخصيص 264 مليون يورو لدعم قوى الأمن اللبنانية لإدارة التدفّق. وربط المجتمع الدولي أيَّ دعم مباشر للدولة اللبنانية بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية. منذ عام 2011، خصّص الاتحاد الأوروبي أكثر من ثلاثة مليارات يورو للبنان لتنفيذ هذه البرامج. والظنّ، أنّ المبلغ المرصود يتعلّق بمنع تدفق اللاجئين السوريين إلى قبرص واليونان وإيطاليا، رغم محاولات رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، التأكيد أنّ الدعم “غير مشروط ببقاء اللاجئين في لبنان، وبتشجيع الهجرة اللبنانية الموسمية”. وهو كان قد حثّ الاتحاد الأوروبي على مساعدة اللاجئين في سورية لـ”تشجيعهم على العودة طوعاً”، ووعد بأنّه “سيستكشف كيفية العمل على حلّ هذه المشكلة في نهج تنظيمي آخر للعودة الطوعية بالتعاون الوثيق مع مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومن خلال دعم دولي للمشاريع الإنسانية، ومشاريع الإنعاش المُبكّر في سورية”.
مارس الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، ضغوطاً مكثّفة على الاتحاد الأوروبي للحصول على تمويل للبنان، وبلاده على مقربة من الساحل اللبناني، وسجّلت الجزيرة تدفّقاً للاجئين السوريين مع بداية الحرب على غزّة. وحاول أكثر من 3000 شخص عبور البحر من لبنان إلى الجزيرة، بين يناير/ كانون الثاني ومنتصف إبريل/ نيسان الماضي، مقارنة بأعداد منخفضة جدّاً، 54 شخصاً خلال الفترة نفسها من عام 2023. منذ فترة، ترفض بيروت استعادة اللاجئين السورين غير الشرعيين الذين لجأوا إلى قبرص، رغم الاتفاق المُوقّع مع نيقوسيا، ورداً على ذلك، علّقت السلطات القبرصية تسجيل طلبات اللجوء المُقدّمة من السوريين. فيما تتّهم المنظمة الأورو- متوسطية للحقوق (غير حكومية) خفر السواحل القبرصي بإعادة القوارب بالقوّة إلى الشواطئ اللبنانية. هذا، وندّدت ثماني منظمّات حقوقية بأنّ “هذه الاتفاقية، وتلك التي وُقّعت مع تونس ومصر، تعرّض الأفراد للمخاطر، وتقوّض نظام الحماية الدولية ككل”.
يُعتقد على نطاق واسع، داخلي وخارجي، أنّ لبنان لم يعد قادراً على تحمّل أعباء لجوء يوازي ثلث عدد سكانه (سُجّل نحو 805 آلاف فقط لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي علّقت عملياتها عام 2015). لا يبدو أنّ الحكومة اللبنانية تملك أرقاماً دقيقة للسوريين. لدى كلّ مسؤول في لبنان رقمه الخاص، يستخدمه للإثارة السياسية والتنافسية (إعلان وزير المهجّرين عصام شرف الدين “وجود 20 ألف مسلّح في المخيمات السورية”، ما يسهم في تعبئة الخطاب العنصري والكراهية)، كأنّ مشاكل لبنان جاءت من موجات الهجرة السورية ومن أوروبا، فقط. تفاقمت المشاعر المعادية للسوريين بسبب الأزمة الاقتصادية 2019، التي أغرقت اللبنانيين والسوريين في حالة من الفقر وعدم الاستقرار. وهناك تقارير أمنية لمنظمة هيومن رايتس ووتش، تتّهم السلطات اللبنانية “باعتقال سوريين تعسّفاً وتعذيبهم وإعادتهم قسراً إلى وطنهم في الأشهر الأخيرة”. كذلك يُشار إلى رفض الأوروبيين القيام بدورهم في الترحيب باللاجئين (في عام 2023 أعيد توجيه 2800 سوري فقط من لبنان إلى الاتحاد الأوروبي، أي 1% من السوريين الذين يعيشون في البلاد)، في وقت تتشدّد أوروبا في قوانين الهجرة (فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنمسا والدنمارك)، نحو سحب الجنسية، وفرض شروط على لمّ الشمل العائلي، واللغة، والإقامة الجبرية، ووضع العمال من دون أوراق ثبوتية، والحصول على المعونات الاجتماعية أو المادية لدعم تكاليف العيش، ما يُؤثّر في أنماط عيش مجتمعاتها، وفي حياة المُهاجرين ومستقبل الهجرة. وتواصل الدول المُتقدّمة، تلك، منح الأولوية لإقامة المُخيّمات والأسلاك الشائكة، فتحدث ضرراً بمكانتها، ومصداقية القيم والمبادئ الإنسانية التي تدافع عنها.
يتناسى لبنان، في مواجهة المجتمع الدولي، محورية النظام السوري، الذي لم يفِ بالتزاماته العربية لتسهيل عودة اللاجئين. وهو الذي تسببّ بنزوح الملايين، ممّن يعيشون في الخارج والداخل أهوال الدنيا. ثمّ قلةٌ تأتي، أيضاً، على ذكر حزب الله، ودوره في تهجير السورين وقتلهم، ما يُصعّب مُهمّةَ إعادة تصنيف المناطق الآمنة في سورية. فالتصدّي للفاعلين، ومحاسبة مُرتكبي الجرائم، بدل معاقبة ضحاياها، ينقلان سورية بالكامل إلى مصاف الدولة الطبيعية، ويوقف الفوضى والأخطار على السوريين واللبنانيين معاً.
المصدر: العربي الجديد
ليس بالضرورة أن يعبر المقال عن رأي الموقع
الهروب من مواجهة الحقيقة هي عنوان مشكلة اللجوء السوري، لبنان بطبقته السياسية الفاسدة والموالية لأجندات لا وطنية لم تستطع أن تنتخب رئيس جمهورية خلال أكثر من 18 شهراً إتفقت على إن أسباب أزماتها اللاجئ السوري، لم تستطع حل مشكلة القمامة وإ‘تبرتها من نتائج اللاجئ السوري، يتناسوا بأن الاجئ السوري قدم لهم الكثير ونظام دمئق يساومهم حتى لا يرحلوهم إليه.