أثار التقرير الأخير الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” والذي كشف عن رفض الإدارة الأميركية وعدد من النواب الأميركيين لمشروع قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد، جدلاً واسعاً حول ما إذا كانت الإدارة الأميركية توافق ضمنياً على إعادة تعويم “الأسد” دولياً.
ولم يكن تجاهل الإدارة الأميركية خفياً لكل خطوات التطبيع التي جرت مع النظام السوري، بدءاً من حلفائها في المنطقة كالأردن والتي أعقبتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية، مؤخراً، حيث لم يكن هنالك أية خطوات ملموسة منها سوى العبارات المتكرّرة برفضهم المستمر للتطبيع مع النظام.
تحدّث موقع تلفزيون سوريا مع السوريين-الأميركيين الذين دفعوا نحو تقديم مشروع القانون المناهض للتطبيع إلى الكونغرس الأميركي، لفهم حقيقة الموقف الأميركي من أجل الوصول إلى حل حقيقي في سوريا، انطلاقاً من الرفض الأخير للإدارة الأميركية، الذي اعتبرته الصحف الغربية تحريضاً للمجرمين على ارتكاب جرائمهم بحق الأبرياء من دون محاسبة.
ما هو مشروع القانون؟
يقضي مشروع القانون بأنّ “سياسة الولايات المتحدة تحظر أي إجراء رسمي للاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة يقودها بشار الأسد”، مستشهدة بجرائم النظام الماضية والمستمرة ضد الشعب السوري.
ويقضي أيضاً بأن تعارض واشنطن اعتراف أي حكومة أخرى أو تطبيع العلاقات مع النظام السوري من خلال التطبيق الكامل للعقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” لعام 2019، والأمر التنفيذي رقم 13894، الذي يتضمن “حظر الممتلكات وتعليق السماح بدخول أشخاص معينين يسهمون في الوضع المتردّي في سوريا”.
في الوقت نفسه، يسعى مشروع القانون إلى الاستفادة من جميع السلطات المتاحة لردع جهود إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ويحظر على أي مسؤول أو موظف فيدرالي اتخاذ إجراءات أو تخصيص أموال تشير ضمناً إلى اعتراف الولايات المتحدة ببشار الأسد أو حكومته.
ولكي يصبح مشروع القرار نافذاً، يجب أن يقرّه الكونغرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، ثم تحويله إلى مكتب الرئيس الأميركي جو بايدن، ليوقّعه كمرحلة نهائية.
رئيس منظمة “مواطنون من أجل أميركا آمنة” بكر غبيس، أوضح لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ هنالك معارضة لمشروع القانون من الإدارة الأميركية، وليس رفضاً تاماً لأنّ المشروع ذو سقف عال نوعاً ما، رغم تعديله بشكل يوافي كلاً من الطرفين (أي الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلس النواب).
والسبب وراء معارضة المشروع هو وجود تفاصيل كثيرة تتعلّق بموضوع حجم الاستثمارات وحجم رؤوس الأموال، والتي تتطلب العديد من التقارير والمتابعة من الإدارة الأميركية.
كذلك ترتبط بكل ما له علاقة بإدارة إعادة الإعمار أو مرحلة ما بعد الحرب في سوريا أو ما بعد الخراب، والتي تحتوي على كثير من التفاصيل وتتطلب من الخارجية وباقي الوزارات والإدارات أن تتابعها وتحصين حجم المشاريع، إضافة إلى موضوع مراقبة عمل الأمم المتحدة وإحصاء الموظفين والمشاريع والمستفيدين منها.
ويتضمّن مشروع القانون مهمة متابعة مقابلة أي من دول المنطقة كالخليج والأردن والعراق إلى جانب كل من مصر وتركيا لمسؤولي النظام السوري، وهي مهمة شاقّة وقد تسبّب إحراجا للإدارة الأميركية أو لدولة حليفة لها في المنطقة، الأمر الذي قد يسبّب بعض التوترات، إلى جانب معارضة بعض الدول المذكورة بعينها في نص مشروع القانون.
وبناء عليه، يرى “غبيس” أن الضغوط المفروضة من هذه الدول إلى جانب الميزانيات الهائلة والمتابعة الدقيقة التي يتطلبها مشروع القانون هو السبب الحقيقي لمعارضة المشروع.
مَن رفض مشروع القانون؟
في نص التقرير الذي نشرته “واشنطن بوست”، نقل الصحفي جوش روجين عن النائب الجمهوري، جيم إي ريش الذي قدّم مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ، في أيلول الماضي، قال فيه: إنّ الإدارة الأميركية ومكتب رئيس اللجنة النائب بن كاردن، لن يساعدا في دفع أو تمرير مشروع القانون إلى الأمام.
ومن الجدير بالذكر أنه لطالما تحدث النائب كاردن، في أوقات سابقة عن موقفه الرافض للتطبيع مع النظام السوري، وكان آخرها ما ذكره خلال كلمة ألقاها في المؤتمر السنوي لمنظمة “مواطنون من أجل أميركا آمنة”، وأعرب عن موقفه بـ”ضرورة عدم السماح بمحو جرائم الأسد عبر تطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي”.
ورجّح “غبيس” عدم تمرير مشروع القانون من قبل كاردن لأسباب بيروقراطية، أو لرغبة الإدارة في أن يكون هنالك تعديل أو تغيير لبعض فقرات مشروع القانون أو إعادة إنتاجه بصيغة ثانية وليس لتغيير في موقفه المتضامن مع الشعب السوري.
من جانبه، مسؤول التخطيط السياسي في “التحالف الأميركي لأجل سوريا” محمد علاء غانم، أكّد أنه ليس هنالك تغير في موقف النائب بن كاردن، فهو مناهض للتطبيع مع النظام، منذ تسلّمه للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، خلفاً لسلفه النائب روبرت مينينديز.
وكان “مينينديز” متعاوناً جداً مع مطالب السوريين فيما يخص مشروع هذا القانون، والذي أكّد خلال فترة وجوده في منصبه، أنّ مشروع القانون سيُنجز خلال بضعة أسابيع، لكن ما جرى هو أنّ مينينديز غادر منصبه بسبب ظروف معينة، وخلفه كاردن في رئاسة اللجنة والذي لم يؤيد من جهته مشروع القانون.
وبحسب “غانم”، فإنّ حقيقة ما جرى هو أن الإيعاز أتى من إدارة بايدن، لأنّ القانون يعارض سياسة الإدارة تجاه سوريا، وفي حال تمرير مشروع القانون ستتغيّر السياسة الأميركية بشكل كامل تجاه سوريا، لذلك هم لا يرغبون في تمريره وبالتالي طلبوا من ممثلي حزبهم تعطيل تسريعه.
هل يتأثر “قانون قيصر”؟
أوضح رئيس منظمة “مواطنون من أجل أميركا آمنة”، أنّ “قانون قيصر” ينتهي في نهاية شهر كانون الأول من هذا العام، بينما ينص “مشروع قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد” على تمديد صلاحية “قانون قيصر” حتى عام 2032.
وفي حال عدم تمرير مشروع القانون المطروح، سيكون هنالك طرق أخرى أو مفاوضات على تمديد عقوبات “قيصر”، ولكن احتمال تمرير مشروع القانون هو الأكبر، بسبب النقاشات التي تجري في مجلس الشيوخ حالياً، بحسب “غبيس”.
رسائل خلبية بالتواصل الدبلوماسي مع واشنطن
تحدث رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في مقابلة له أجراها مع وزير الخارجية الأبخازي، إينال أردزينبا، نشرتها وكالة أنباء النظام (سانا)، عن وجود لقاءات تجري “بين الحين والآخر” مع أميركا، من دون أن يقدم تفاصيل عن هذه اللقاءات.
وقال “الأسد”: “نلتقي معهم (أي الأميركيين) بين الحين والآخر، مع أن هذه اللقاءات لا توصلنا إلى أي شيء، ولكن كل شيء سيتغير”، مردفاً: “الأمل موجود دوماً، حتى عندما نعرف بأنه لن تكون هناك نتيجة علينا أن نحاول، وعلينا أن نعمل معهم بغض النظر عن رأينا السيئ بهم، ونشرح لهم أننا لن نتنازل عن حقوقنا، وسنتعاون معهم فقط على أُسس المساواة”.
“غانم” قال لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّه يرجّح أنّ “بشار الأسد يريد أن يعطي رسالة لبث أمل زائف لمناصريه بأن ما يعيشونه من عزلة منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة من الممكن أن تفك، بدليل وجود لقاءات مع الأميركيين”.
وتابع: “في حين أن اللقاءات التي تحدث عنها ليست بجديدة، وهي تجري في مسقط وبرعاية من سلطنة عمان وهي بشكل أساسي مفاوضات لها علاقة بمصير المختطفين الأميركيين في سوريا، وهي ليست مباحثات سياسية مع النظام أبداً”.
كذلك، لا يعتقد “غبيس” أن العقوبات المفروضة على النظام السوري، من الممكن أن تكون إحدى صفقات التفاوض غير المعلنة بين كل من النظام والإدارة الأميركية في حال وجود رهائن لديهم، وفي حال حصول مفاوضات بينهم فهي لن تتعدى تحرير بعض رؤوس الأموال كما حصل في إيران وغيرها من الدول.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد تحدثت، عام 2023، عن تجديد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لمحادثاتها المباشرة مع النظام السوري في قضية معرفة مصير الصحفي الأميركي أوستن تايس، بوساطة عمان في مدينة مسقط مع مسؤولين من حكومة النظام.
وشجّع المفاوضون حكومة النظام السوري على أخذ المحادثات بجدية، عبر إخبار النظام بأنّ حل قضية أوستن تايس يمكن أن يساعد في إنهاء العزلة الدولية عنه، وفق الصحيفة.
وأوستن تايس، صحفي مستقل وجندي سابق في مشاة البحرية الأميركية، اختُطف في دمشق، عام 2012، في أثناء تغطيته الاحتجاجات ضد النظام السوري، في حين لم تعترف حكومة النظام علناً بأنها تحتجز تايس.
وبحسب الصحيفة، كانت مطالب النظام السوري هي تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة عليه بسبب قلق بشار الأسد من قانون “الكبتاغون”، لم يكن قد دخل في حيّز التنفيذ بعد، والذي قد يُعرقل إعادة تعويمه.
ولكن العقوبات لم تتوقف، بل استمرت، وفي آذار الماضي، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية 11 فرداً وكياناً داعمين للنظام السوري ضمن قائمة عقوباتها، بتهمة تجارة المخدرات، وتسهيل التحويلات المادية غير المشروعة وتصدير السلع السورية.
“سوريا ليست أولوية لواشنطن”
منذ فترة تسلّم بايدن للحكم في أميركا، كان من الواضح أنّ الملف السوري لم يكن على قائمة القضايا التي اهتمت بها إدارة بايدن، والتي أصبح فيها اختراق للعقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري بشكل واضح دون أي رد جدي تجاهها.
ويرى “غبيس” أن السياسة الأميركية ضد النظام السوري بشكل عام ليس فيها تغيير جوهري، وهو ما كان واضحاً خلال السنوات الماضية، من حكم الرئيس الأميركي، جو بايدن.
ولم يكن هناك إعطاء أولوية للقضية السورية وتحرّر الشعب السوري من انتهاكات نظام الأسد، الأمر الوحيد المستمر فقط هو العقوبات على النظام.
الدبلوماسي السوري، بسام بربندي، يرى أنّ الأميركيين لا يهتمون بسوريا، ويعتقدون أن احتواء العنف داخل سوريا وتقديم المساعدات الإنسانية هو الهدف الأساسي، أما ما تبقى فهو لا يهمهم كثيراً في الوقت الحالي، ومن جهة ثانية يرون أنّه “إذا كان العرب قادرين على تهذيب تصرفات النظام ولو حتى قليلاً، فهو شيء مرحّب به”.
وأما الشيء الذي يمكن أن تساعد فيه واشنطن، فهو تخفيف العقوبات لإيجاد آلية لمساعدة النظام السوري اقتصادياً ليهذب تصرفاته ويكون أبعد قليلاً عن إيران.
وكان موقف النظام السوري من الحرب على غزة، نقطة مهمة لواشنطن، ليكمل سياسته المشار إليها، حيث التزم بوظيفته بأمن إسرائيل، وهو بذلك أصبح أفضل من أي بديل أو حل سياسي انتقالي.
هذه العوامل كلها مع استمرار الحديث الروسي – الأميركي – التركي بشأن سوريا، دفعت الإدارة الأميركية لتكون أكثر لطفاً مع النظام السوري بعكس تصريحاتها المعلنة، أما بالنسبة لـ قانون منع التطبيع مع نظام الأسد، فإنّه حتى في حال إقراره، فهذا لا يمنع الإدارة من التواصل مع النظام السوري، فهي تفاوضت مع حركة طالبان، من دون الاعتراف بها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
عوامل عديدة قد تكون وراء وقف مشروع قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد عند التوقيع من “بايدن” ولكن الأهم بأنها تتضمن إجراءات ومحظورات متعبة بمتابعتها للإدارة وقد تحرج بعضها لأصدقاء أمرسكا بالمنطقة وكذلك المستفيدين من إعادة الإعمار والأهم من سورية والشرق الأوسط ليست من أولويات الإدارة.