من أجل تجاوز التركيز المستمر منذ سنوات على إيران وتنظيم “الدولة الإسلامية”، يجب على كلا الزعيمين الالتزام باتخاذ إجراءات تمهد الطريق لعلاقة متبادلة المنفعة وإقناع دوائر الأنصار المحلية المتشككة.
عندما يقوم محمد شياع السوداني بزيارته الأولى إلى واشنطن كرئيس وزراء العراق في 15 نيسان/أبريل، ستكون الرهانات كبيرة بالنسبة له وللرئيس بايدن على حد سواء. فالسوداني يسعى إلى ضمان استمرار الدعم الأمريكي لتنمية العراق ونموه الاقتصادي وقدرته على الصمود مع تجنب السيناريو الذي تصبح فيه بلاده ساحة معركة دائمة بين الولايات المتحدة وإيران. ومع ذلك، يطرح السوداني هذه القضية في وقت بلغت فيه الانتقادات المناهضة للولايات المتحدة ذروتها في العراق بسبب التصورات بأن الولايات المتحدة تعمل على تمكين الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة. ومن هذا المنطلق، فإن قراره بزيارة واشنطن قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار في غزة هو أمر جدير بالملاحظة بشكل خاص.
وتتوافق أهداف السوداني بشكل جيد مع أهداف إدارة بايدن، التي سعت إلى الابتعاد عن النظر إلى العراق من خلال عدسة السياسة الإيرانية ونحو هيكلية سياسية “360 درجة” تضفي الطابع المؤسسي على الجوانب غير العسكرية مثل التجارة والتعليم والطاقة والمناخ. ومع ذلك، يحتاج الرئيس بايدن إلى أن يكون قادراً على إقناع الكونغرس والجمهور الأمريكي المتشكك بشكل متزايد بأن الاستثمار المستمر في العراق أمر مجدٍ نظراً للنفوذ الإيراني المتزايد، والفساد المستشري، وعدم رغبة بغداد الواضحة في توفير بيئة آمنة لمجموع العاملين الأمريكيين باستمرار. ولم يكن بإمكان بايدن الترحيب بالسوداني لو استمرت الجماعات المدعومة من إيران في مهاجمة القوات الأمريكية، حيث بُذلت جهود كبيرة من وراء الكواليس لمنع وقوع المزيد من الحوادث في أعقاب هجوم الميليشيات العراقية في 28 كانون الثاني/يناير الذي أسفر عن مقتل جنود أمريكيين في الأردن المجاور. ومع ذلك، لا تزال هذه الجماعات تستخدم الأراضي العراقية لمهاجمة شركاء آخرين للولايات المتحدة، بما في ذلك إسرائيل، لذلك سيحتاج الزعيمان إلى إحراز تقدم في إيجاد حلول طويلة المدى لهذه المشكلة – وهي واحدة من العديد من القضايا الثنائية الحاسمة التي تتطلب الاهتمام.
الأولوية القصوى
تكمن الرهانات الكبرى في كيفية تعامل بايدن والسوداني مع المرحلة القادمة من الوجود العسكري الأمريكي في العراق. فقد أقرت الحكومتان “اللجنة العسكرية العليا” التي هي هيئة للإشراف على الانتقال من محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى بناء شراكة دفاعية طويلة الأمد. وتعتقد بغداد أنها قادرة على إدارة أي تهديد متبقٍ من تنظيم “الدولة الإسلامية” بشكل مستقل، ولم تعد ترغب في استضافة “التحالف الدولي” الذي تم تشكيله لهزيمة التنظيم قبل عقد من الزمن. ومع ذلك، لم يُهزم تنظيم “الدولة الإسلامية” بشكل كامل – وبالتأكيد ليس في سوريا المجاورة، وليس على الصعيد العالمي أيضاً، كما يتضح من الهجوم الذي قام التنظيم في 22 آذار/مارس في موسكو. ولن يؤدي الانسحاب المتسرع لقوات التحالف إلى تعريض العراقيين للخطر فحسب، بل قد يزيد من زعزعة استقرار المنطقة. لذلك يجب على بايدن والسوداني، بصفتهما القائدين الأعلى لجيشيهما، تجنب الخطوات التي تمنح تنظيم “الدولة الإسلامية” المجال لإعادة تشكيله في العراق. ويعني ذلك ضمان حصول قوات الأمن العراقية على القدرات اللازمة قبل انسحاب قوات التحالف وتوليها زمام المبادرة في مجال الأمن الداخلي – وهي عملية ستستغرق سنوات إذا تم تنفيذها بمسؤولية وتتطلب من السوداني إعطاء الأولوية للجيش النظامي على “قوات الحشد الشعبي” المتحالفة مع إيران.
وبالنظر لهذه الرهانات، فقد تكون الأيام التي تسبق زيارة السوداني محفوفة بالمخاطر. وإذا استؤنفت هجمات الميليشيات المدعومة من إيران في العراق – سواء كان ذلك انتقاماً من الضربة الإسرائيلية الأخيرة على كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين في سوريا أو ببساطة لتقويض استقلال السوداني قبل رحلته – فسيواجه الرئيس بايدن القرار الصعب المتمثل في إصدار أوامر بشن المزيد من الضربات في العراق وإلغاء الزيارة أو تلقي انتقادات حادة بسبب عدم التحرك. وبناءً على ذلك، يجب أن تكون الأولوية القصوى للسوداني هي الحد من نفوذ الميليشيات، ومضاعفة حماية القوات الأمريكية، ومنع طهران من إفساد المرحلة المقبلة من الشراكة الأمريكية العراقية (هناك وصفات أكثر تحديداً ستتم مناقشتها أدناه).
جدول أعمال اجتماع السوداني
بصفته مسؤولاً سابقاً في البلديات والمحافظات، يركز السوداني على الشؤون المحلية – ولا سيما على مبادرات الخدمات العامة وخلق فرص العمل. وستشمل زيارته الناجحة جذب الشركات الأمريكية إلى قطاعي البنية التحتية والخدمات في العراق مع ضمان استمرار الدعم الأمريكي للإصلاحات المصرفية والكهرباء.
وعلى الرغم من أن مؤهلاته في مجال الأمن القومي لم تكن قوية قبل توليه منصبه، إلا أنه على دراية جيدة مع سياسات التحديات الأمنية في العراق ويسعى إلى تحقيق التوازن بين الضغوط والتجاذبات التي يشعر بها من طهران وواشنطن. لكن الأهم من ذلك أن السوداني -على غرار أسلافه – لم يعترض على إفراط مجلس النواب العراقي في توفير موارد لـ “قوات الحشد الشعبي” المتحالفة مع إيران على حساب قوات الأمن النظامية، على الرغم من أن الكيانين يخضعان رسمياً لسلطته. ويدرك السوداني أن قوات الأمن تفتقر إلى القدرات الأساسية التي توفرها الولايات المتحدة حالياً، مثل المعدات العسكرية المتطورة والخبرة في الاستهداف. ولهذا السبب ولأسباب أخرى، فهو يدعم رؤية “اللجنة العسكرية العليا” لتقليص الوجود العسكري الأمريكي تدريجياً وليس فجأة. ومع ذلك، فهو يواجه ضغوطاً متزايدة من الفصائل الموالية لإيران داخل تحالفه السياسي لتسريع هذا الإخراج.
ولكي يُظهر للجمهور الأمريكي المتشكك أن العراق شريك مهم، سيحاول السوداني على الأرجح أن يثبت أنه يسيطر على الميليشيات ويعمل تدريجياً على دمجها بشكل كامل في أجهزة الدولة. لكنه سيحتاج إلى دعم هذه التأكيدات بالأفعال، على سبيل المثال تخصيص حصة أكبر من ميزانية الأمن العراقية لقوات الأمن النظامية وزيادة شفافية عقود الدولة المربحة لضمان منع الجماعات المدعومة من إيران من الاستيلاء على المزيد من الموارد.
ومن المفترض أن يؤكد السوداني أيضاً على التزام حكومته بحماية الموظفين الأمريكيين. ويشمل ذلك حماية السفارة في بغداد وتوفير بيئة آمنة للمستشارين العسكريين للولايات المتحدة والتحالف.
علاوة على ذلك، من المرجح أن يؤكد السوداني على تعاون حكومته مع شركات الطاقة الدولية (على سبيل المثال “توتال” و”جنرال إلكتريك”) وشبكات الطاقة الإقليمية لتقليل اعتماد العراق على واردات الكهرباء والغاز الطبيعي الإيرانية. وسيتم التركيز بشكل خاص على تعاونه مع مبادرات وزارة الخزانة الأمريكية و”بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي” التي تهدف إلى إصلاح القطاع المالي والحد من التدفقات غير المشروعة للدولار إلى إيران.
جدول أعمال بايدن ومعركة بغداد الشاقة
ورث فريق الرئيس بايدن علاقة مشحونة بالعراق في عام 2021: فقد كانت السفارة الأمريكية في بغداد في الحد الأدنى من الموظفين بعد التهديدات المستمرة المدعومة من إيران، وأدى قرار مجلس النواب العراقي غير الملزم بطرد القوات الأمريكية إلى تعكير صفو السياسة العراقية، وبقيت أعداد كبيرة من القوات الأمريكية على الأرض في أدوار قتالية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وكانت القرارات الحاسمة معطَّلة بسبب أطول فترة تشكيل حكومة في تاريخ العراق. ومنذ ذلك الحين، قام فريق بايدن بتحويل المهمة العسكرية من العمليات القتالية إلى الأنشطة الاستشارية، وحقق عملياً حماية القوات الأمريكية وقوات التحالف (على الأقل حتى الأزمة التي بدأتها حرب غزة في المنطقة)، وزاد عدد الموظفين في السفارة الأمريكية، ووسع نطاق المشاركة في المجالات غير الدفاعية. وصمدت الجهود الرامية لعزل العراق عن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران إلى حد كبير حتى الأشهر القليلة الماضية، عندما أمرت الإدارة الأمريكية بشن ضربات على منشآت وأفراد الميليشيات التابعة لإيران في تشرين الثاني/نوفمبر، وكانون الثاني/يناير، وشباط/فبراير.
ورأى البعض في واشنطن أن هذه الضربات ضرورية ولكنها غير كافية، معتبرين أن السوداني وشركاءه السياسيين يسمحون باستخدام العراق كمنصة لتوسيع النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة. ولا تزال حماية القوات تشكل مصدر قلق رئيسي أيضاً – فهناك تناقص في الدعم الأمريكي لإرسال مستشارين عسكريين ومئات الملايين من الدولارات إلى قوات الأمن العراقية إذا كانت الحكومة غير راغبة أو غير قادرة على الدفاع عنهم. علاوة على ذلك، يدّعي المسؤولون في “حكومة إقليم كردستان” أن السوداني قد تسامح مع الهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية المباشرة في شمال العراق ويعمل بنشاط على تقويض الحكم الذاتي الفيدرالي لـ “حكومة إقليم كردستان”. كما اتُهمت حكومة السوداني بأنها لم تفعل الكثير للتصدي للتحركات الصينية والروسية العدوانية في القطاعات الرئيسية، مما يثير تساؤلات حول التوجه الاستراتيجي لشراكات العراق الدولية. على سبيل المثال، اضطرت واشنطن إلى تحذير بغداد مراراً وتكراراً من أنها ستواجه عقوبات إذا مضت قدماً في شراء كميات كبيرة من الأسلحة الروسية؛ وبالمثل، أثيرت علامات حمراء بشأن تداعيات السماح للشركات الصينية بإدارة ثلثي إنتاج العراق من النفط.
ومن أجل إثبات أهمية تعزيز هذه الشراكة، سيحتاج الرئيس بايدن إلى توضيح كيف تخدم هذه الشراكة المصلحة الشاملة للولايات المتحدة في شرق أوسط أكثر استقراراً وأمناً. وعلى وجه التحديد، عليه أن يأخذ في عين الاعتبار النقاط التالية:
أن مصالح الولايات المتحدة تتحقق بشكل جيد من خلال الاستمرار في الاستثمار في قوات أمن عراقية محترفة وقادرة، وأن هذا الاستثمار يتطلب ضمانات من السوداني بأن المعدات الأمريكية والاستخبارات والمنافع الأخرى ستكون محمية من وصول الإيرانيين إليها.
أن العراق لديه خطة عمل لتقليص النفوذ الإيراني، وأن هذه الخطة تشمل تسريع الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة مع استمرار تخفيف العقوبات، وإصلاح قطاعه المصرفي (على سبيل المثال، من خلال إقامة المزيد من علاقات المراسلة مع البنوك الأجنبية)، واتخاذ خطوات لمواجهة الجماعات المسلحة التي تتلقى التمويل والأسلحة و/أو الأوامر من طهران (على سبيل المثال، زيادة الحد من وصول الإيرانيين إلى العملة الأمريكية).
إن هذا الصبر الاستراتيجي يشكل ضرورة أساسية لأن التحديات الهيكلية المتمثلة في الفساد، والفيدرالية، والمنافسة مع الصين وروسيا في العراق لن يتم إصلاحها بين عشية وضحاها. فالانخراط المستمر والثابت لدمج العراق مع بقية دول الشرق الأوسط ومع شبكة حلفاء الولايات المتحدة وشركائها أمر ضروري لتعزيز منطقة أكثر استقراراً وأمناً ومرونة.
كتابة الفصل التالي
إن السبيل الوحيد لتجاوز تركيز واشنطن على تنظيم “الدولة الإسلامية” وإيران هو الإصرار على معالجة هذين التحديين بشكل هادف في أي خطط لإعادة تشكيل العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق. على سبيل المثال، يجب المضي قدماً في عملية “اللجنة العسكرية العليا”، ولكن على واشنطن وبغداد أن تأخذا في عين الاعتبار أن الإسراع في هذا الانتقال سيكون له تداعيات إقليمية وعالمية. كما يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يطالبوا القادة العراقيين بالالتزام بجدول زمني قائم على شروط تستند إلى تقييم استراتيجي للوضع الحالي لتنظيم “الدولة الإسلامية” – بدءاً من قوة قواته المقاتلة في المنطقة وصولاً إلى التحدي المستمر المتمثل في إعادة آلاف المقاتلين العراقيين وعائلاتهم الذين انضموا إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا وما زالوا هناك حتى اليوم. علاوة على ذلك، يجب تمكين قوات الأمن العراقية وتزويدها بالموارد اللازمة لتولي زمام القيادة في مجال الأمن الداخلي، في حين يجب معالجة التصدعات السياسية والاقتصادية والطائفية التي مكنت تنظيم “الدولة الإسلامية” من الصعود قبل عقد من الزمن من خلال الحوكمة الفعّالة.
أما بالنسبة للنفوذ الإيراني، فينبغي الضغط على السوداني لضمان عدم قيام الجماعات المدعومة من طهران باختطاف الأراضي العراقية لإطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار على إسرائيل والأردن وسوريا ودول أخرى أو نشر الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة. يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يطلبوا منه أيضاً التنديد بالتصرفات الإيرانية التي تنتهك السيادة العراقية وتعيق الشعب العراقي، مثل تسليح وتوجيه الجماعات الخارجة عن قيادة بغداد وسيطرتها، والانخراط في الفساد الذي يستنزف موارد الدولة العراقية ويحوّلها إلى مقاولين تابعين لإيران، والتدخل في السياسة العراقية بطرق تقوض دستورها ونظام الحكم الذاتي الفيدرالي. وهذه توقعات عالية، وينبغي على واشنطن أن تدرك أن التغيير المنهجي الهادف هو مسعى يستغرق سنوات.
وأخيراً، فإن هذا الفصل التالي ليس خاتمة كبرى، بل هو عبارة عن شريكين يدخلان مرحلة جديدة من العلاقات. وعلى هذا النحو، ينبغي خفض التوقعات بشأن تحقيق إنجازات ضخمة أو لفتات تاريخية – ويمكن لكلا الزعيمين الفوز بمجرد الوقوف بشكل علني وحاسم لصالح تعميق الشراكة الاستراتيجية.
دانا سترول هي مديرة الأبحاث وزميلة أقدم في برنامج الزمالة “شيلي ومايكل كاسن” في معهد واشنطن، حيث عادت إلى المعهد بعد أن شغلت منصب نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في الفترة 2021-2023. الدكتور بلال وهاب هو زميل أقدم في برنامج الزمالة “ناثان وإسثير ك. فاغنر” في معهد واشنطن ومؤلف دراسته الأخيرة “حكم العائلة في العراق والتحدي الذي تواجهه الدولة والديمقراطية”، كما يشغل منصب مدير برنامج أبحاث المبتدئين في المعهد.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى