بعد نحو أسبوعين من تطبيق قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية، يحق أن نتساءل هل أتى القانون لحماية المدنيين حقاً، وهل يتناسب تطبيقه مع حديث جيمس جيفري الذي قال إنه من خلال تطبيق القانون لا يريدون تغيير النظام بل يريدون تغيير سلوكه، مع أن الادارات الأمريكية المتعاقبة تعلم سلوك هذا النظام تجاه شعبه منذ خمسة عقود دون أن تفعل شيئاً لحماية الشعب السوري الذي ادعت تشريع القانون لحمايته.
الادارة الأمريكية تعلم أن العقوبات الاقتصادية لا تسقط نظاماً ولا تغيير سلوكه، وتجاربها مع كوبا، وعراق صدام حسين ،ونظام ملالي طهران معروفة لها ولجميع العالم ،وهذا يعني أن تطبيق قانون قيصر لن يغيير من سلوك النظام شيئاً بل سيساهم في معاناة الشعب السوري دون أن تتأثر الطبقة الحاكمة بذلك رغم نص القانون على استثناء الغذاء والدواء من تطبيق العقوبات.
إن الإدارة الأمريكية تعلم جيداً أن حماية المدنيين في سورية تتحقق بإنهاء هذا النظام وعودة السلطة الى الشعب ، والإدارة الأمريكية قادرة على فعل ذلك بوسائل عديدة ليس من بينها التدخل العسكري الذي نرفضه بشدة ،بل بتفعيل القرار الأممي 2254 وتطبيقه بناء على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهذا أمر ليس بصعب على الإدارة الأمريكية إن كانت صادقة في إنهاء معاناة الشعب السوري.
ان تبني الإدارة الأمريكية لقانون قيصر ظاهره حماية المدنيين السوريين وباطنه جعل سورية حتى في مرحلة مابعد الأسد دولة تابعة للسياسة الأمريكية، فالقانون لن تنتهي مفاعليه برحيل نظام الأسد بل ستستمر العقوبات على الحكومات الوطنية التي ستشكل بعد رحيل الأسد ،ووضعت الولايات المتحدة شروطاً لإنهاء العقوبات على الدولة السورية بعد رحيل الأسد أولها محاسبة مجرمي الحرب الذين قتلوا الشعب السوري، وثانيها السماح بعوده أمنة طوعية دون أية عقوبات أو ملاحقة لجميع اللاجئين السويين في دول العالم، وثالثها تسليم الكمية المهربة والتي تم تخزينها من الأسلحة الكيمياوية ولم يسلمها نظام الأسد عندما قبل بتسليم سلاحه الكيمياوي عام 2014، اضافة الى إنهاء الوجود الإيراني بكل تسمياته سواء مستشارين إيرانيين أو ميليشيات طائفية عراقية أو ميليشيات حزب الله ،والشرط الأخير هو إنهاء الطابع العدواني لنظام مابعد الأسد لدول الجوار.
بتحقيق تلك الشروط ترفع الادارة الأمريكية العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر عن سورية، واذا دققنا في الشروط نجد أن الشروط الأربعة الأولى يمكن تنفيذها بشكل اوتوماتيكي وبيسر ،فهي شروط لازمة للتخلص من تركة نظام الأسد، أما الشرط الخامس فهو أمر يجب الوقوف عنده ولا تستطيع أي حكومة وطنية أن تطبقه، ويبدو أن قانون قيصر وجد من أجل تنفيذ هذا الشرط وليس من أجل حماية المدنيين السوريين،فإنهاء حالة العداء حسب الشرط الخامس يعني إنهاء حالة الحرب مع الكيان الصهيوني الغاصب وعقد اتفاقية سلام معه، والتفريط بفلسطين والأراضي السورية المحتلة.
قد تتساهل الإدارة الأمريكية بعدم تنفيذ الحكومات السورية القادمة لأي شرط من الشروط الأربعة السابقة، لكنها لن تتساهل مطلقاً مع عدم تنفيذ الشرط الخامس،وهذا يعني أن تبقى سورية تحت الحصار الإقتصادي الأمريكي إلى إنهاء حالة الحرب مع الكيان الصهيوني وتوقيع معاهدة سلام معه وهذا هو حلم صهيوني استطاع تحقيقه نظام الأسد الأبن بشكل غير مباشر بعد أن تواطئ الأسد الأب مع الصهاينة وسلمهم الجولان ،وفي حال تحقيق ذلك يكون آل الأسد قد أنهوا المهمة التي من أجلها نصبوا حكاماً على سورية.
المصدر: كل العرب