غطرسته الواضحة وملامحه المحتالة وكذبه الوقح بات يختصر كل شيء، فقد تحول نتنياهو إلى رمز لكل ما يمثّله العدوان الإسرائيلي على غزة من وحشية مثلما اختصرت من قبل حروب عدة من قبل في شخص بعينه.
هذه الرمزية بقدر ما هي صحيحة بقدر ما يمكن أن تكون مضللة إذ لا شيء سيتغير على الاطلاق إن مضى «بيبي» في حال سبيله وجاء من بعده آخرون ممن يبدون اليوم مختلفين معه، فالعدوانية ستظل نفسها ولعل أفضل من قال ذلك بلا مواربة هو الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي، المصر دائما على التغريد خارج السرب، حين خلص في مقاله الأخير في «هآرتس» إلى أنه لا صحة مطلقا للاعتقاد بأن إسرائيل كانت ستبدو دولة مختلفة لو قادها بني غانتس أو غادي أيزنكوت أو يائير لابيد.
مع ذلك، يظل نتنياهو شخصية «متميزة» عند الحديث عن الطبقة السياسية الإسرائيلية والاحتلال وصراع الفلسطينيين المرير ضده، ومن هنا يكتسب كتاب الدكتور مهند مصطفى «بنيامين نتنياهو… إعادة إنتاج المشروع الصهيوني ضمن منظومة صراع الحضارات» أهمية خاصة هذه الأيام لنعرف أكثر عن هذا الرجل.
في مقدمة الكتاب الصادر عام 2018 عن مركز «رؤية» للتنمية السياسية في إسطنبول، والذي يحتاج إلى تحديث في ضوء حرب غزة الحالية، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا الذي عرف مؤخرا لدى الجمهور العربي من خلال إطلالاته التلفزيونية كخبير شؤون إسرائيلية أن «نتنياهو في مجمل تصوراته الأيديولوجية والسياسية فيما يتعلق بالفلسطينيين، لا يختلف عن الفكر الصهيوني وفكر الجيل الأول من مؤسسي الحركة الصهيونية ومؤسسي دولة إسرائيل ولكنه تميز عن باقي القيادات الصهيونية بأنه يتعامل مع ذاته على أنه شخصية تاريخية في صيرورة الشعب اليهودي، وجدت لحماية الشعب اليهودي من الإبادة، وليس هناك شخصية يهودية قادرة على تحقيق ذلك غيره».
ولتوضيح كل ذلك يمضي الكتاب في تشريح دقيق لهذه الشخصية من خلال أربعة فصول هي: قراءة سياسية في سيرة نتنياهو الشخصية، تشكل أيديولوجيته ببعدها الشخصي والفكري والسياسي، تأطيره للمشروع الصهيوني ضمن صراع الحضارات، وأخيرا نتنياهو والفلسطينيون: مصالحة فلسطينية مقابل تسوية إسرائيلية، مستندا في كل ذلك على مراجع محددة، واقتباسات معبرة للغاية.
وفي كل فصل يستشهد الكاتب بالكثير مما كتب عن الرجل من الإسرائيليين أنفسهم من ذلك أن نتنياهو، وفي لقاء أجراه معه الصحافي اليميني يعقوب أحيمئير عام 1985، لم تكن إجابات نتنياهو تختلف عما يجيب به اليوم وهو يقدم نفسه للعالم رمزا لــ «الحضارة» التي تحارب «الهمجية» و«الحيوانات البشرية». سأله الصحافي: «هل هنالك حاجة إلى التفاوض مع «العدو»؟ فأجابه نتنياهو: «دعني أسألك: هل كانت هنالك حاجة إلى الحديث مع هتلر؟!
يشير الكاتب إلى أن نتنياهو هو أول رئيس حكومة من خارج جيل المؤسسين في إسرائيل، أي الجيل الذي كان شريكا بصورة أو بأخرى في قيام دولة إسرائيل، وكان أول رئيس حكومة يولد بعد قيام إسرائيل، وأول رئيس حكومة ينتخب حسب طريقة الانتخابات المباشرة (حين اعتمدت قبل خمسة وعشرين عاما قبل التراجع عنها) كما كان نتنياهو السياسي الذي أدخل إلى ثقافة الحقل السياسي الإسرائيلي النمط الأمريكي في الحملات الانتخابية الإسرائيلية.
ويورد الكاتب بعض ما جاء في كتاب الصحافية الإسرائيلية أورلي أزولاي كاتس الصادر عام 1999 بعنوان «الشخص الذي انتصر على ذاته» من أن معارضي نتنياهو، لاسيما داخل حزب الليكود، بدأوا بالتعرف على شخصيته، التي تتمثل في كونه رجلا مناورا ومخادعا وكاذبا، يستغل من حوله لأهدافه الشخصية حتى لو أدى ذلك إلى إهانتهم، تفكيره عميق وذكي جدا، ساحر، ولكن رؤيته قصيرة المدى تحركها أطماعه الشخصية في الحفاظ على كرسيه، واقعه الأساسي هو الإعلام وصورته، أي العالم الافتراضي.
هذا هو نتنياهو نفسه اليوم، وربما أسوأ، لأن لا مانع لديه هذه المرة أن يحافظ على كرسيه من خلال حرب وحشية في قطاع غزة ذهب ضحيتها آلاف الضحايا من النساء والأطفال. والأدهى هو ما يورده الكاتب مهند مصطفى من أن «سلطوية نتنياهو في الحقل السياسي الإسرائيلي تتمثل عبر النظر إلى نفسه بأنه مخلص للشعب اليهودي، وأكثر القيادات والشخصيات الإسرائيلية إدراكا ودراية للتحديات التي تواجه إسرائيل والشعب اليهودي، فهو لا يحكم إسرائيل، بل يضحي من أجلها، والتضحية هي أعلى درجات القداسة، فهو نذر نفسه لخدمة الشعب اليهودي، ومنصبه كرئيس لحكومة إسرائيل هو دور تاريخي ومقدس، ولذلك فإن الهجوم عليه، ومحاولة إنزاله من مرتبة القداسة والتاريخية، هي خيانة للشعب اليهودي، وإنذار للسقوط في الهاوية».
إنه جنون عظمة مرضي يضاف إليه إدمان الكذب والاحتيال حتى أن الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك قال له مرة خلال أحد اللقاءات، وفق ما نقله أحد مستشاريه، إنه لا يصدق كلمة واحدة مما قاله، أما ما وصفه به حليفه وشريكه الرئيس الأمريكي فهو من البذاءة بحيث لا يجوز نشره هنا!!.
كاتب وإعلامي تونسي
المصدر: القدس العربي