تُثير الحرب الدائرة حالياً في جنوبي لبنان أسئلة عديدة أمامنا عمّا ينتظرنا لو قرر المشاركون فيها وقف القتال خلال أسابيع أو حتى شهور.
قيل الكثير عن أضرار الحرب في الجنوب، على البشر والحجر والاقتصاد، ذلك أن الكلفة ما زالت متصاعدة، وتشمل الآثار البيئية للأسلحة المحرّمة (الفوسفور) التي تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مناطق زراعية شاسعة. آلاف المنازل والأبنية تدمرت وهناك حقول احترقت وتربة باتت بحاجة للإصلاح في مساحات شاسعة. مع هذا الدمار، هناك سؤال أساسي ينتظرنا، ويطرحه كثيرون في السياسة، وهو إذا كانت الدولة اللبنانية غير مسؤولة عن هذه الحرب، ولم تتخذ قرار المشاركة فيها، لماذا عليها أن تتحمل كلفة أضرارها؟ وهذا سؤال يُطرح اليوم، وقد يتكرر كثيراً بعد نهاية الحرب.
لكن إلى جانب هذا الحديث في الاقتصاد والأضرار العينية والبشرية، من الضروري اليوم التطرق إلى آثار واضحة في السياسة والأمن لن يمحوها انتهاء الحرب بصفقة أو اتفاق أو شحطة قلم.
في السياسة، من الواضح أن الخلاف على قرار الحرب وتداعياتها والاتفاق على إنهائها، سيتصاعد ومن دون أفق واضح، نظراً لضعف الأطراف المعارضة وعجزها عن الائتلاف. الأصوات الرافضة للانخراط في المواجهة السياسية وربما الشعبية، خافتة الآن، لكن الأرجح أنها لن تبقى كذلك بعد توقف القتال، مع تداعيات مرجحة على التوترات الأهلية.
والواقع الأمني ينسحب أيضاً على السياسة. ذلك أن دخول حركة “حماس” رقعة القتال من البوابة اللبنانية ومعها حلفاؤها من “الجماعة الإسلامية”، ينعكس أيضاً على طبيعة الانقسام، إذ بات في جانب منه أقرب لخلافات الحرب الأهلية، وهي جذرية وتمس فكرة الدولة والكيان وسيادته أو ما تبقى منها طبعاً.
ما الفارق اليوم بين الانخراط في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من بوابة التضامن، وفقاً للخطاب الأول لأمين عام “حزب الله” بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ودعم نشاط منظمة التحرير الفلسطينية في سنوات ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية؟ أصل هذا الموقف على ارتباط كذلك بالعقد الاجتماعي بين جماعات اللبنانيين والدولة اللبنانية بعد الحرب الأهلية. وهذا نقاش طويل منفصل ومن الضروري إعادة فتحه.
وهذه الحرب أيضاً أعادت السلاح الفلسطيني إلى الواجهة، مع ظهور مسلح لحركة “حماس” خارج المخيمات وداخلها ونشاط علني لا يحظى فقط بتأييد “حزب الله”، بل من لبنانيين خارج بيئته المعتادة. هل يبقى هذا النشاط والوجود على حاله بعد هذه الحرب؟
والحال أن هذا الظهور المسلح في تشييع من سقط في القتال، وفي بعض العمليات في الشطر الأول من الحرب المستمرة، يترافق كذلك مع خطاب سياسي لدى “الجماعة الإسلامية” المنخرطة في المواجهة، وآخرين غيرها، يُشبه خطاب المقاومة بعد عام 2000. من يضبط هذا الاتساع في رقعة من يُسمون أنفسهم مقاومة، وعلى أي أسس وضوابط؟ هذه أسئلة باقية معنا بعد الحرب أيضاً.
وإذا كانت نهاية الحرب مقترنة بما يحدث في قطاع غزة، هل يعني ذلك أننا أمام الإقرار باستراتيجية وحدة الساحات كإحدى وسائل المقاومة، وبالتالي تصير ضمناً في البيان الوزاري ونظامنا الأمني؟ بيد أن هذا الحلف ليس على غرار الناتو أو وارسو مثلاً، وهدفه الدمج بين النفوذ الإقليمي وبين ردع الحرب وحماية دول لم تدخل في صراع لعقود طويلة. هذا الحلف مكون من تنظيمات وجماعات تعيش وتقتات على الحروب والنزاعات، وفي صراع مع دول تعتمد الضربات الاستباقية استراتيجية دائمة. إنها وصفة لنزاعات متجددة لعقود. وهذه أسئلة عن الأمن والاستقرار باقية معنا بعد أي نهاية للحرب.
صحيح أننا اليوم قد لا نكون أمام نهاية حتمية أو وشيكة للقتال جنوباً، لكن أمامنا كومة أسئلة وقضايا قد تكون أشد صعوبة من الأضرار العينية، ومن الصعب غضّ النظر عنها طويلاً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا