يتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي عن الإرادة المشتركة التي قادت إلى ما هو الوضع عليه اليوم. الأولوية كانت لموضوع غزة وتفعيل آلية تطبيع العلاقات بين البلدين. لكن الملف السوري سيكون شئنا أم أبينا في مقدمة الأولويات بعد تفعيل مسار التقارب خلال زيارة الرئيس السيسي لأنقرة في نيسان المقبل.
حقيقة التباعد بين البلدين في طريقة التعامل مع الملف السوري عقبة كبيرة. مصر وعلاقاتها مع النظام في دمشق مغايرة لما تقوله وتريده أنقرة في الموضوع. من سيقنع الآخر أو كيف ستصل التفاهمات إلى منتصف الطريق بين أنقرة والقاهرة عبر العاصمة السورية دمشق؟
لاعبون آخرون كثر لن يفرطوا بمصالحهم وحساباتهم هناك مثل روسيا وإيران وأميركا وبعض العواصم العربية والأوروبية الأخرى. حتى ولو نجحت تركيا ومصر في تحقيق اختراقات سياسية في سوريا، فلن يكون ذلك كافيا. هناك من ينبغي الإصغاء إلى ما يقول ويريد.
التساؤلات المشروعة التي ينتظر الكثير من السوريين إجابة عليها بعد التقارب التركي المصري وزيارة الرئيس التركي للقاهرة بينها، هل ستقود هذه التطورات لانفتاح وتقارب تركي مصري في التعامل مع ملف الأزمة السورية أم لا؟ وهل سيكون سهلا على أنقرة والقاهرة تجاوز التباعد السياسي في التحليل والتقدير بينهما في التعامل مع تطورات المشهد في سوريا؟ وهل سيراجعان مواقفهما حيال النظام في دمشق وسيذهبان وراء التخلي عن الآليات والمنصات والتحالفات الإقليمية التي يشكلان جزءا منها والانتقال إلى سيناريو سياسي مغاير وجديد في قراءة ما يدور في سوريا وفرص الحلحلة هناك؟ وهل من الممكن للطرفين أن يسرعا الحوار السياسي بين الحكم والمعارضة بدعم عربي وغربي في إطار خطة تحرك مشترك مع اللاعبين المؤثرين؟ وهل ستمنحهم هذه القوى مثل هذه الفرصة لتجيير المنصات والآليات التي ينسقون معها منذ سنوات طويلة حول الملف لصالحهما في تفعيل الحوار؟ أم هما سيحاولان دمج كل المنصات والآليات أمام طاولة إقليمية مشتركة تفتح الطريق أمام الحلحلة في سوريا؟
واجهت القاهرة أكثر من عقبة في تحديد خياراتها السياسية حيال ما يجري في سوريا منذ العام 2011 وحتى اليوم، تماما مثل العديد من العواصم الإقليمية الفاعلة هناك. السبب الأول والأهم هو تطورات الوضع السياسي الداخلي في مصر نفسها بين العامين 2012 و2014 تحديدا والتي حسمت مع وصول الرئيس السيسي للحكم، وانفتاح القاهرة على روسيا وإيران وبغداد في الملف. وصلت القاهرة إلى ما تريد قبل عامين مع تغير مواقف العديد من العواصم العربية حيال النظام السوري وخطوات الانفتاح العربي الجديد على دمشق وتسهيل استرداد مقعدها في الجامعة العربية.
بين أهم المواقف السياسية المعلنة حول الملف السوري بشقه المتعلق بالعلاقات التركية المصرية هناك ما أعلنه الجانب المصري على لسان وزير الخارجية سامح شكري أكثر من مرة وهو يحض تركيا، على سحب قواتها من سوريا، وما قابله من تصريح تركي أعلنه الوزير مولوود جاويش أوغلو وكرره باستمرار وهو يؤكد على موقف بلاده التي تعتبر الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية ضرورة لمكافحة الإرهاب.
الجديد ربما كان في منتصف آذار المنصرم عندما أكد الوزير شكري، بعد لقائه مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أن بلاده “حريصة على تسوية الأزمة السورية في أسرع وقت
وبما يتوافق مع القرارات الدولية ذات الصلة”. وما أشار إليه الرئيس أردوغان في أيلول العام الماضي في أعقاب لقائه بالرئيس المصري على هامش قمة العشرين في نيودلهي حول “أن عودة العلاقات بين تركيا ومصر ستنعكس إيجابا على المشاكل الإقليمية وخاصة ملف سوريا”.
هناك جملة من الحقائق حول سياسات البلدين وقدراتهما ورغبتهما في تفعيل حوار مشترك يفتح الطريق أمام آلية ثنائية وإقليمية بإتجاه إنهاء الأزمة في سوريا، هذا إذا ما افترضنا أن الرغبة المشتركة موجودة:
– دمج الثقل التركي والمصري الثنائي والإقليمي بإتجاه تسجيل اختراق سياسي في التعامل مع ملف الأزمة السورية قائم وهو ممكن نتيجة الطاقات والقدرات والخبرات والتجارب التي يملكها كلا البلدين، خصوصا عندما تلتقي وتتوحد حيال أزمة عالقة تعني العالم العربي ودول المنطقة، ولها ارتداداتها السلبية على أكثر من ملف سياسي وأمني واقتصادي في الإقليم.
– نجحت القاهرة في العام 1998 في الدخول على خط الأزمة بين أنقرة ودمشق والمساهمة في إنجاز اتفاقية أضنة التي فتحت الأبواب أمام انفراجة سياسية واسعة في العلاقات التركية السورية حتى العام 2011. قال أردوغان، إن اتفاقية أضنة عادت إلى الواجهة، مؤكّدا على ضرورة “طرح هذه الاتفاقية مرة أخرى للتداول”. رسالة الرئيس التركي كانت باتجاه موسكو وطهران أكثر وقتها. فهل تستغل القاهرة الفرصة من جديد بعد ربع قرن باتجاه تسريع الحلحلة في الملف السوري نتيجة تقاربها وانفتاحها على تركيا؟
– نجاح القيادة المصرية مرة أخرى في التوفيق بين أطراف الصراع يحتاج إلى مراجعة القاهرة لطريقة تعاملها مع الملف السوري لتقنع الجانب التركي أنها تأخذ بعين الاعتبار ما يقول ويريد، وأنها ستقف على مسافة واحدة من الطرفين. فهل تريد القيادة المصرية التواجد أمام طاولة من هذا النوع؟
– تقاطع مصالح الطرفين في العديد من الملفات الإقليمية قد تدفع المسار الجديد باتجاه انعطافة استراتيجية في الملف السوري لكن الخطوة الأولى ينبغي أن تكون عبر التفاهم حول سلة سياسية مشتركة تقرب مصالحهما وحساباتهما في سوريا أيضا.
– التنسيق التركي المصري في الملف السوري يتطلب ويحتاج دعما إقليميا ودوليا واسعا باتجاه منحهما مثل هذا الدور وهذه الفرصة خصوصا من قبل الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الساحة السورية. فكيف سيتمكنان معا من الحصول على الضوء الإقليمي والدولي الأخضر بهذا الاتجاه؟
لم تصل الأمور بين أنقرة والقاهرة في المشهد السوري إلى درجة المواجهة كما حدث بين تركيا والعديد من الدول هناك. سعت القاهرة لإخراج النظام من عزلته وإعادة دمجه في الدائرة العربية ودعوة تركيا لسحب قواتها من الأراضي السورية. وعملت أنقرة بالمقابل على إبراز أسباب تواجدها العسكري في شمالي سوريا وتحميل النظام في دمشق مسؤولية إيصال الأمور إلى ما هي عليه اليوم.
قد تمكن التحولات الجديدة في العلاقات التركية المصرية كلا البلدين من تسجيل اختراق سياسي باتجاه تحريك الجمود في المشهد السوري، حتى لو كانت التوازنات المحلية والإقليمية المرتبطة بالملف لا تريد اليوم منحهما مثل هذه الفرصة. فشبكة علاقات البلدين بأكثر من اتجاه ورغبة البعض بالخروج من أعباء المشهد السوري قد يمكنهما من لعب هذا الدور.
العقبة الواجب تجاوزها تركيّا ومصريا هي الجمع بين ما أعلن في أعقاب اجتماع الأردن في أواخر نيسان المنصرم في نطاق الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية الأردن ومصر والعراق والسعودية، بمشاركة وزير خارجية النظام السوري، لبحث “الجهود المبذولة لإطلاق دور عربي قيادي للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية”. وبين إقرار مجلس النواب الأميركي قبل يومين بأغلبية ساحقة مدعومة من الديمقراطيين والجمهوريين لمشروع قانون “مناهضة التطبيع مع نظام الأسد”، وهو يأتي بعد موجة التطبيع التي بدأتها عدة دول عربية مع النظام وفتح الأبواب أمامه للعودة إلى مقعد الجامعة العربية، ويحظر على السلطات الفيدرالية الاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة في سوريا يقودها بشار الأسد، وكذلك يقضي بأن تعارض واشنطن تطبيع أي حكومة أخرى مع النظام السوري من خلال التطبيق الكامل للعقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
اللقاء المصري التركي تحكمه مصالح القيادتين اردوغان والسيسي ، الإثنين وخاصة أردوغان باع المبادئ من أجل المصالح ، يمكن أن يتعامل مع الملف السوري ضمن المساومات مع الأصدقاء الأعداء “ثلاثي الإستانة” ولكن مصر.السيسي ماذا سيتم التقايض بها ؟ هناك ملفات ليبيا والأحواض البحرية للغاز والإخوان و.. أما الملف السوري فهو خارج الإهتمام المشترك للمقايضة بينهما .