عنصرية التفوق الأبيض.. غزة تعزز الانقسام العالمي بين الغرب والجنوب

سلط أستاذ السياسة وتاريخ الفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك، جوزيف مسعد، الضوء على تداعيات الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، مشيرا إلى مواجهة متصاعدة بين الغرب والجنوب العالمي على وقع اعتبار محكمة العدل الدولية، أواخر الشهر الماضي، بأنه اتهم إسرائيل بهكذا ممارسة “يبدو معقولا”.

وذكر مسعد، في مقال نشره موقع “ميدل إيست آي” وترجمه “الخليج الجديد”، أن المحكمة الدولية استشهدت بالعديد من التصريحات اللاإنسانية التي أدلى بها كبار المسؤولين الإسرائيليين، ما يضع إسرائيل بشكل مباشر في تصنيف المجتمعات الاستعمارية الاستيطانية البيضاء، التي تقوم بالإبادة الجماعية.

ونتيجة للحكم المؤقت، ستواصل المحكمة الدولية مداولاتها في الأشهر أو السنوات المقبلة بشأن ما إذا كانت إسرائيل ترتكب “إبادة جماعية” في تحقيق وصفه مسعد بأنه “متأخر” بشأن الفظائع التي ارتكبتها الصهيونية والمستعمرة الاستيطانية اليهودية على الشعب الفلسطيني منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر.

اتهامات تاريخية

وبينما يتهم الفلسطينيون إسرائيل بالتطهير العرقي منذ عام 1948، يتهم السياسيون الإسرائيليون والباحثون الإسرائيليون والفلسطينيون إسرائيل أيضًا بارتكاب إبادة عرقية، والقتل السياسي، و”الإبادة الاجتماعية” ضد الشعب الفلسطيني.

أما بالنسبة للإبادة الجماعية، فإن قضية جنوب أفريقيا الأخيرة لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها توجيه مثل هذا الاتهام لإسرائيل، فبعد وقت قصير من مذبحة صبرا وشاتيلا في سبتمبر/أيلول 1982، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدين المذابح باعتبارها “عملاً من أعمال الإبادة الجماعية”، حيث أيدت القرار 123 دولة وامتنعت 22 دولة فقط عن التصويت ولم يكن هناك أي صوت معارض.

ورفضت مستعمرات المستوطنين البيض في الولايات المتحدة وكندا مصطلح “الإبادة الجماعية” وامتنعت عن التصويت، وكذلك فعلت مستعمرات المستوطنين البيض في أستراليا ونيوزيلندا والدول الاستعمارية في أوروبا الغربية، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وغيرها، وفي المقابل، أعلن الاتحاد السوفييتي أن “ما تفعله إسرائيل على الأراضي اللبنانية هو إبادة جماعية هدفها تدمير الفلسطينيين كأمة”.

ووصف الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، القصف الإسرائيلي على غزة في الفترة 2008-2009 بأنه “إبادة جماعية”. وفي أعقاب قتل إسرائيل لأكثر من 2200 فلسطيني في حربها على غزة عام 2014، اتهم الرئيس البوليفي، إيفو موراليس، إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، كما فعل العشرات من الناجين من المحرقة النازية.

صحبة جيدة

ومنذ عام 2008 على الأقل، اتهم باحثون دوليون أيضًا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في المجلات العلمية بسبب الفظائع التي ارتكبت في عام 1948 وما بعده.

ولطالما أنكرت إسرائيل والمدافعون عنها هذه الاتهامات بشدة، ما يصفه مسعد بأنه موقف يمثل “صحبة جيدة” مع مستعمرات المستوطنين البيض، الذين يواصلون مناقشة ما إذا كان استعمارهم بمثابة إبادة جماعية للشعوب الأصلية.

وأضاف أن الإبادة الجماعية غالبا ما تصاحب الاستعمار الاستيطاني الأوروبي الأبيض في جميع أنحاء العالم، وأن تبرير إبادة السكان الأصليين بسبب جرأتهم على مقاومة سرقة المستعمرين البيض لأراضيهم يملأ أرشيفات الفكر الاستعماري الأوروبي.

ويرى مسعد أن الحملات القاتلة التي يشنها المستعمرون ضد السكان الأصليين، والتي يشار إليها باسم “الأعمال الانتقامية” أو “الانتقام” في حالة إسرائيل والمدافعين الغربيين عنها، تظل حجر الزاوية في الأخلاق الغربية، فهم ينظرون إلى هجوم السكان الأصليين على مضطهديهم الاستعماريين على أنه بداية للعنف وليس رد فعل دفاعي على السرقة والقمع الاستعماريين.

وقد حافظت الحكومات الغربية على هذا الموقف، كما يشهد على ذلك دعمها القوي لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل، بالإضافة إلى المبررات المقدمة لإبادة الشعب الفلسطيني من قبل الصحافة الغربية السائدة.

لحظة حاسمة

وفي المقابل، أيد القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، 153 دولة ولم تعارضه سوى 10 دول (بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة)، كما حظي قرار محكمة العدل الدولية بتأييد 14 من قضاتها من أصل 15، ولم يكن ذلك من قبيل الصدفة، إذ لم يكن شبه الإجماع الدولي سوى “مواجهة بين الدول الأوروبية البيضاء ومستعمراتها الاستيطانية من جهة، وبقية العالم من جهة أخرى”، بحسب مسعد.

وأضاف أن الإبادة الجماعية المستمرة للفلسطينيين تمثل “لحظة حاسمة، حيث يدعم المتعصبون البيض الإبادة الجماعية للشعوب غير البيضاء، وشعوب بقية العالم الذين يفهمون إسرائيل على أنها مستعمرة استيطانية أوروبية تمارس الإبادة الجماعية، بدعم من المستعمرين البيض الحاليين والسابقين”.

وبسبب فزع أغلبية العالم من هذه الإدانة لإسرائيل، كانت ألمانيا، صاحبة التاريخ اللامع في الإبادة الجماعية، في طليعة الدول التي تدافع عن الإبادة الجماعية الإسرائيلية وأصرت على الانضمام للدفاع عن إسرائيل كطرف ثالث في محكمة العدل الدولية.

ولم يكن من قبيل الصدفة غضب ناميبيا، التي كان شعبها أول ضحايا الإبادة الجماعية الألمانية، فقد أعرب رئيس ناميبيا الحاج جينجوب (الذي توفي مؤخرا) عن أسفه لـ “عجز ألمانيا عن استخلاص الدروس من الدروس المستفادة لتاريخها المروع”، وأعلن أن ناميبيا “ترفض دعم ألمانيا لنية الإبادة الجماعية للدولة الإسرائيلية العنصرية”.

التفوق الأبيض

وكجزء من هيمنتها على السكان الأصليين الذين اغتصبوا أراضيهم، اعتمدت مستعمرات المستوطنين البيض دائمًا سياسة هجرة للبيض فقط، إذ جرى تطبيق سياسة “أستراليا البيضاء” بشأن الهجرة، التي تم تقديمها في عام 1901، بشكل صارم حتى عام 1973.

ولم يتم إلغاء سياسة هجرة البيض فقط في نيوزيلندا، والتي تم تقديمها في عام 1947، حتى عام 1987 (على الرغم من تعديلها في عام 1974). واستمرت سياسة الهجرة العنصرية الصريحة في كندا حتى عام 1962. واستمرت سياسة الهجرة العنصرية في جنوب أفريقيا حتى سقوط نظام الفصل العنصري في عام 1994.

وأصبح الفهم العنصري الأبيض بالولايات المتحدة قانونًا في عام 1790 في قانون التجنيس الأول، الذي قصر الحق في المواطنة على أي “شخص أبيض حر” مقيم في البلاد لمدة عامين وأطفاله الذين تقل أعمارهم عن 21 عامًا.

ومن خلال سياسات الهجرة، بلغت العنصرية ذروتها في قانون استبعاد الصينيين العنصري لعام 1882 (الذي ألغي جزئيا في عام 1943)، والذي استبعد معظم الآسيويين (بما في ذلك الهنود واليابانيين) ولم يتم إلغاؤه بالكامل حتى عام 1965.

وهكذا كان سن إسرائيل لقانون العودة في عام 1950، والذي يسمح لليهود في أي مكان في العالم بالهجرة إلى إسرائيل ويصبحوا مواطنين، وهو الحق الذي تنكره إسرائيل على السكان الفلسطينيين الأصليين الذين طردتهم، والذين من المفترض أن يحل هؤلاء اليهود محلهم.

ودعم كل من المحافظين والليبراليين البيض هذه الأنظمة الاستعمارية الاستيطانية وسياساتها تجاه السكان الأصليين، كلما نشأت خلافات بينهم كان الأمر في الغالب حول أفضل السبل للقضاء على تهديد السكان الأصليين وحول مستوى القسوة التي سيتم تطبيقها عليهم.

ويلفت مسعد، في هذا الصدد إلى مناقشات مستمرة اليوم حول مصير الفلسطينيين وأفضل السبل للتغلب على نضالهم مع الحفاظ على التفوق العنصري اليهودي في المستعمرة الاستيطانية اليهودية، مشيرا إلى أن هذه المناقشات صيغت على أنها دعوات إلى “السلام” و”اللاعنف” وإلى إنهاء “الأزمة الإنسانية” في غزة، وتقودها الصحافة الليبرالية البيضاء والأكاديميون الليبراليون البيض.

ويخلص مسعد إلى أن العالم اليوم بات منقسما بين معسكرين متعارضين: أقلية من العنصريين البيض الإمبرياليين الأقوياء، الذين يدعمون الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وأغلبية شعوب العالم التي تعارض ذلك.

لكن أنصار الإبادة الجماعية يبدون “وقحين وغير نادمين”، حسب تعبير مسعد، حتى بعد قرار محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، ما يسلط الضوء على الانقسامات العميقة على الساحة العالمية.

المصدر | جوزيف مسعد/ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هل من تداعيات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين.غزة أعاد للواجهة الصراع بين الغرب “الشمال” والجنوب على إيقاع محكمة العدل الدوليةالتي اتهمت الكيان الصهيوني “اسرائيل” بممارسة الإبادة الجماعية والذي إستهجنته دول الشمال ؟لينقسم العالم لمعسكرين متعارضين: أقلية من العنصريين البيض الإمبرياليين الأقوياء، الذين يدعمون الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وأغلبية شعوب العالم التي تعارض ذلك. قراءة موضوعية بذلك .

زر الذهاب إلى الأعلى