منذ حرب احتلال العراق عام 2003 انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية نهجا واضحا مدروسا بعناية يتضمن فرض حكومة تستمد وجودها من القوة الأمريكية وبالتالي لاتخرج عن القرار الأمريكي في أي وقت وقد كان ذلك البديل الوحيد للوجود العسكري الدائم في العراق .
لكن المشكلة كانت تكمن في طريقة منع سقوط تلك الحكومة بفعل الثورات الداخلية المحتملة كما حدث مرارا في التاريخ مع الاحتلالات الغربية في مصر ودول أخرى منها العراق أيضا .
من أجل ذلك وضعت استراتيجية إغراق العراق بالمشاعر الطائفية , وإعادة تكوين الدولة وفق الديمقراطية – الطائفية على الطريقة اللبنانية .
ووفق تلك الاستراتيجية فلن يتمكن الشعب العراقي المنقسم على ذاته من التوحد ضد أي حكومة مادام الصراع الطائفي سيد الموقف .
وللمزيد من الاحتياط من إمكانية صعود حركة وطنية لاطائفية كما بدأت تباشير ذلك في العراق ضد الحكومات الفاسدة العميلة كان لابد من وجود قوى طائفية مسلحة تمنع تحول الصراع إلى صراع سياسي وطني وكنس القوى السياسية الطائفية الحاكمة .
هكذا نشأ تقاطع للمصالح بين ايران التي أخذت على عاتقها تشكيل وتدريب وتسليح تلك الفصائل وتغذيتها بالمشاعر الطائفية الضرورية لفصلها عن معاناة الشعب ومصلحة البلاد وروح الاستقلال والحرية , وبين الولايات المتحدة الحريصة على إبقاء سيطرتها على العراق بعد ما بذلته من جهد في تثبيت احتلالها العسكري خلال فترة طويلة ولمايملكه هذا البلد من مخزون نفطي هائل .
ذلك التقاطع في المصالح وحده هوما يبرر غض نظر الولايات المتحدة عن توالد تلك الميليشيات وتكاثرها وتعاظم نفوذها في الدولة العراقية على حساب الجيش بل وتمددها نحو سورية والتقائها بحزب الله اللبناني الذي كان السابق في إنشاء قوة مسلحة طائفية تعمل ضمن الاستراتيجية الايرانية بنجاح .
لكن نمو نفوذ وحجم تلك الميليشيات أعطى لايران قوة إضافية في المنطقة جعلتها تفكر باستخدام تلك الميليشيات في الضغط على الغرب لتحسين موقفها في المسائل المصيرية المعلقة بين الطرفين أي رفع العقوبات الاقتصادية والسماح بعلاقات اقتصادية طبيعية والتغاضي عن امتلاك ايران السلاح النووي عبر اتفاق مؤقت لايلبث أن يتم تجاوزه بطريقة أو بأخرى .
تواجه السياسة الأمريكية اليوم معضلة صعبة الحل , فهي لم تعد قادرة على سحق الميليشيات الشيعية في العراق وسورية , ومهما وجهت لها من ضربات فمن غير الممكن الانتهاء منها بعد تجذرها في الدولة العراقية والدعم المطلق الذي تقدمه لها ايران .
وحتى إذا افترضنا أن الولايات المتحدة قد استطاعت الانتهاء من تلك الميليشيات الاخطبوطية بطريقة من الطرق فمعنى ذلك أن الطريق أصبح مفتوحا أمام الشعب العراقي لتغيير النظام السياسي وذلك أخطر من وجود تلك الميليشيات وتحمل ماتقوم به بين الحين والآخر في محاولة دفع ماتبقى من القوة العسكرية الأمريكية للخروج من العراق .
وينطبق ذلك إلى هذا الحد أو ذاك على وضع سورية أيضا .
من أجل ذلك نشهد ذلك الاضطراب اليوم في السياسة الأمريكية تجاه أذرع ايران في المنطقة , بل وتحمل ما لم تتعود الولايات المتحدة على تحمله من أعمال التحرش العسكري حتى يكاد الرد على قصف قواعدها المتكرر وقتل جنودها يصبح ردا باهتا عديم الجدوى . يتصف بقرقعة عالية وحصاد متواضع .
حتى اليوم تميل الولايات المتحدة لشراء تهدئة الأذرع الايرانية في المنطقة من طهران وليس لردع ايران .
وربما كانت مستعدة لدفع ثمن ما من أجل ذلك .
أما ايران فلم تكن في أي وقت أقوى منها سياسيا في المنطقة , وهي في غزلها الذي يتخذ أحيانا طابعا خشنا مع الغرب لاتبدو مغلقة الأبواب , فالهدف واضح إلى حد كبير , هي تقول للغرب باللغة التي يفهمها : إذا كنتم تريدون الهدوء في المنطقة فعليكم الاعتراف بايران قوة اقليمية رئيسية شريكة والكف عن محاولة تحجيمها , أيها المتعبون تعالوا إلي وأنا أريحكم .
1 154 2 دقائق
إن تقاطع المصالح بين ايران وأمريكا بالعراق منذ الإحتلال ملالي طهران أخذت على عاتقها تشكيل وتدريب وتسليح ميليشيات وتغذيتها بالمشاعر الطائفية المتطرفة وفصلها عن معاناة شعبنا, وأمريكا الحريصة على إبقاء سيطرتها على العراق وتثبيت احتلالها العسكري خلال فترة طويلة ولمايملكه هذا البلد من مخزون نفطي هائل، فإلى أين وصل توافق المصالح بعد طوفان الأقصى ؟ قراءة موضوعية.