مراقبون: تحاول كبحها عن التمادي مع واشنطن وتلوح للغرب بخيار القوة وتغطي أزمتها الإقليمية والداخلية لكنها لن تغير قواعد الاشتباك
شكلت الهجمات الصاروخية التي شنها “الحرس الثوري” الإيراني على أربيل مؤشراً إلى أن الاشتباك القائم بين الأميركيين والإيرانيين على خلفية الحرب في قطاع غزة يتجه نحو مزيد من التصعيد على الساحة العراقية، وبخاصة إقليم كردستان.
يقول مراقبون إن إصابة أهداف مدنية بعيداً من القواعد الأميركية في أربيل تعكس توجه طهران لكبح أربيل عن التمادي مع الأميركيين، مع التلويح للغرب بامتلاكها خيار استخدام القوة في أية مواجهة مباشرة محتملة في المنطقة.
وكان مجلس أمن إقليم كردستان أعلن تعرض مناطق عدة في أربيل منتصف ليلة الإثنين 15 من يناير (كانون الأول) الجاري، لقصف إيراني بالصواريخ الباليستية أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين، وكشف لاحقاً عن إسقاط ثلاث طائرات مسيرة قبل استهدافها مطار أربيل الدولي الذي يضم قاعدة للجيش الأميركي.
وقد تبنى “الحرس الثوري” الإيراني عملية القصف عبر بيان قال فيه إنه استهدف ما وصفه بـ”مقرات الجواسيس والتجمعات الإرهابية المناهضة لإيران”. موضحاً أن “القصف جاء رداً على الجرائم الأخيرة التي ارتكبها الأعداء”.
لكن مجلس أمن الإقليم نفى المزاعم الإيرانية، معتبراً أنها “ذرائع باطلة تستخدم دائماً لضرب أربيل التي كانت على الدوام آمنة ومستقرة ولم تشكل مصدر تهديد لأي طرف”.
ووفقاً لوسائل إعلام كردية مقربة من السلطات، فإن نحو عشرة صواريخ طاولت أكثر من موقع في أربيل، بعضها أصاب منزل رجل الأعمال بيشرو دزيي صاحب شركة “مجموعة فالكون” التي تعمل في مجالي الأمن والإسكان والنفط، وهو مقرب من عائلة بارزاني الحاكمة، مما أدى إلى مقتله وابنته الرضيعة مع تاجر كان في ضيافته، فضلاً عن إصابة 17 آخرين بينهم زوجته واثنان من أبنائه.
وسبق أن اتهمت وسائل إعلام إيرانية دزيي “بالعمالة للموساد الإسرائيلي كشريك تجاري لإسرائيل من خلال إمدادها بالنفط، وتشغيل متقاعدين عسكريين أميركيين في مهام أمنية”.
مجرد محاولة للردع
ويعطي الهجوم الإيراني دلالات عدة على كونه رسائل في أكثر من اتجاه، حيث يعتقد محللون وأوساط سياسية كردية أن طهران تحاول إخضاع سلطة أربيل ودهوك الخاضعتين لنفوذ الحزب “الديمقراطي” الحاكم في الإقليم بزعامة مسعود بارزاني، بعد أن تمكنت من بسط نفوذها على الساحة السياسية والأمنية العراقية، بما فيها ساحة شريك “الديمقراطي” في الحكم “الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني، إلى جانب إظهار قدرتها على تهديد المصالح الأميركية في خضم الصراع المتصاعد بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” الفلسطينية.
في هذا الإطار، يرى رئيس مركز “التفكير السياسي” في العراق إحسان الشمري، أن الإيرانيين يحاولون إظهار امتلاكهم خيار الرد على ما يعتقدون أنه مصدر تهديد، كما أن طهران تحاول أن تظهر للدول الغربية أنها تمتلك القوة لمواجهة أية تحديات أخرى يمكن أن تحيط بها مع قرب تشكل تحالف دولي سيشكل مزيداً من الضغط عليها، كونها الداعمة المباشرة للحوثيين في اليمن وحركة “حماس” في غزة و”حزب الله” وكذلك الفصائل (الشيعية) في العراق.
وأوضح أن “طهران تسعى أيضاً إلى تطويق أربيل وفرض إرادات معنية على السلطة الكردية، ويظهر هذا من خلال تجنبها استهداف المواقع الأميركية، وكأنها تقول إنها لا تريد توسيع نطاق الحرب والدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن أو تجاوز حدود قواعد الاشتباك مع الأميركيين”.
وعن توقعاته باحتمال ذهاب المواجهة نحو مزيد من التصعيد، أكد الشمري أن “الساحة العراقية أصبحت أرض اشتباك مفتوحة لتصفية الحسابات وحتى لإيصال الرسائل، وعليه فإننا سنشهد وقوع مزيد من الهجمات المتبادلة في نطاق الجغرافية العراقية”.
وتتعرض أربيل منذ أواسط أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عقب شن إسرائيل الحرب على حركة “حماس”، إلى هجمات شبه يومية بواسطة طائرات من قبل ميليشيات شيعية عراقية موالية لطهران تطلق على نفسها “المقاومة الإسلامية في العراق”، واستهدفت في معظمها القاعدتين الأميركيتين قرب مطار أربيل المدني، وفي منطقة حرير شمال شرقي المدينة، كما استهدفت قبل أيام معسكراً لقوات البيشمركة الكردية على مقربة من مقر إقامة بارزاني.
غطاء للتحديات
رؤية أخرى تذهب إلى أن هذه الهجمات تعد محاولة إيرانية للتغطية على الخسائر التي لحقت بالقوى الموالية لها في المنطقة، وفق المحلل والباحث الكردي كفاح محمود، الذي قال إن “النظام الإيراني يعيش أشد مراحله تأزماً، بخاصة أنه يواجه تحديات كبيرة من قبل الشعوب الرافضة لهيمنته في العراق وإقليم كردستان وسوريا واليمن ولبنان”.
وأوضح أن “طهران تحاول التغطية على فضيحتها الكبرى بعد اختراق أجهزتها الأمنية وجدرانها والوصول إلى قلب مفاعلاتها النووية وعلمائها من قبل إسرائيل التي اغتالت خيرة هؤلاء العلماء، بل إن تنظيم (داعش) الإرهابي نجح، على رغم ادعاء إيران أنها محصنة أمنياً واستخباراتياً، في اختراق ساحتها وقتل وجرح المئات من زوار ضريح قاسم سليماني”.
وعن تفسيره لعدم استهداف المواقع الأميركية، أكد محمود أن “الإيرانيين يعلنون أنهم يستهدفون الوجود الأميركي وبخاصة قنصليتهم، لكنهم في الواقع يقصفون محيطها، وكذا الحال في ما يتعلق بقاعدة (حرير) التي تضم عشرات الفنيين والمدربين الأميركيين وبقية دول التحالف الدولي، وقد استهدفت منازل مدنيين لا علاقة لهم بالمطلق بالسياسة، وأبرزهم واحد من أشهر رجال الأعمال الذي بنى أجمل مجمعات العاصمة أربيل، وهو مجمع (إمباير) الشهير”.
وسبق للإيرانيين أن حذروا الإقليم من عواقب وجود ما يعتبرونها “أنشطة استخباراتية لدول أجنبية”، وقد نفذوا أولى تلك التهديدات عندما أطلق “الحرس الثوري” وابلاً من الصواريخ الباليستية في 12 من مارس (آذار) عام 2022، مستهدفاً منزل رئيس شركة “كار” النفطية الكردية ويترأسها رجل الأعمال الشيخ باز البرزنجي من دون وقوع خسائر بشرية.
كما شنت طهران بين أعوام 2018 و2022 سلسلة هجمات وعمليات قصف استهدفت مواقع ومقار التنظيمات الكردية الإيرانية المعارضة، استخدمت خلالها الصواريخ والطائرات المسيرة، وبحسب تقديرات مسؤولين أمنيين في الإقليم فإن مجموع تلك الهجمات يتجاوز 100 هجوم.
لا اختراق لقواعد الاشتباك
واستبعد محمود أن يتجاوز التصعيد “الخطوط الحمر”، حيث أشار إلى أن “أربيل والإقليم يمثلان الجدار الأقوى الذي تحاول إيران اختراقه، لكن لا أعتقد أن تصعيداً خطراً سيحصل إثر هذه العملية، أما في المستقبل فلن يطول الصبر لدى الأميركان والتحالف الدولي الجديد، بخاصة أن بوادره بتجميع هذا الكم الهائل من الغواصات والسفن الحربية وحاملات الطائرات لن يكون من دون جدوى”.
وختم بالقول إن “معظم الهجمات الإيرانية لا تتعدى التنفيس عن الوضع المضغوط في إيران، حيث الأزمة الاقتصادية والحصار وتطور المعارضة الداخلية”.
ويتفق الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية رنج نوزاد، مع رؤية عدم رغبة طهران في اختراق قواعد الاشتباك التي تشنها القوى الموالية لها ضد الأميركيين، “بدليل أن الهجمات لم تلحق أية أضرار مادية أو بشرية بالأميركيين”.
ولفت إلى أن “الإيرانيين يتعاملون بحذر، وإذا صح التعبير بذكاء، في عدم إلحاق أذى مباشر بالأميركيين، وهم (الإيرانيون) لن ينسوا عبرة قتل الأميركيين لقائد (فيلق القدس) قاسم سليماني ومعه القائد في قوات (الحشد الشعبي) الشيعية العراقية أبو مهدي المهندس في بغداد، على رغم أن سليماني لم يكن متهماً بالوقوف وراء شن الهجمات”.
وأردف أن “الوضع في منطقة الشرق الأوسط، بخاصة في قطاع غزة وجنوب لبنان واليمن، يدفع طهران إلى القيام برد فعل دعائي من أجل إثبات الوجود ومنح الثقة لأذرعها في المنطقة على الأقل، لكنها تتجنب المضي إلى أبعد من ذلك لأنها تدرك جيداً أنه إذا ما تخطت حدودها في توجيه أية ضربة مباشرة سواء إلى الإسرائيليين أو الأميركيين فإن جنرالاتها وقادتها العسكريين سيكونون في مرمى النيران، لذا فإن الكرد وكردستان كونهم الحلقة الأضعف تقوم طهران باستهدافهم وهي مطمئنة إلى عدم حدوث أية ردود فعل عقابية”.
تشتيت للضغط
أما في ما يتعلق بالمخاوف القائمة من اتساع الصراع الأميركي – الإيراني ضمن نطاق إقليم كردستان، فإنه سيكون رهن وتيرة الحرب الدائرة في غزة، بحسب المحلل نوزاد، الذي لا يستبعد أن تتجه الأوضاع نحو مزيد من التصعيد، “إذ إن الحرب في غزة لا تبدو نهايتها قريبة، وقد تشهد المنطقة مزيداً من التطورات الأمنية طالما أن الحرب مستمرة، ومع استهداف قادة في (حماس) و(حزب الله)، فإن الإيرانيين وأذرعهم ستكون لهم ردود فعل، وأية تهدئة ستكون رهناً إما بتوقف الحرب في غزة، أو إعلان هدنة لتبادل الأسرى”.
كما يشير نوزاد إلى أن “الإيرانيين يخشون اليوم من قطع أذرعهم في الشرق الأوسط، بخاصة مع احتمال بسط الإسرائيليين سيطرتهم على قطاع غزة وطرد حركة (حماس) منه، بينما نشهد تصعيداً ضد (حزب الله) في لبنان، في وقت لم تكن الضغوط التي مورست لوقف الحرب في غزة مجدية، وهنا تحاول طهران تخفيف الضغط الواقع على جبهات عدة، ومنها جبهة (حزب الله)، لأن تكرار سيناريو غزة في جنوب لبنان سيعني فقدان الإيرانيين ذراعين بالغي الأهمية أو على الأقل إضعافهما”.
المصدر: اندبندنت عربية
هل نظام ملالي طهران أرسل رسالته بقصف أربيل وباكستان بأنه ما يزال فاعل على الساحة الإقليمية ويجب عدم تجاهله بأي ترتيبات جديدة ؟ بالرغم من أختراق المخابرات الصهيونية لقلب مفاعلاته النووية وعلمائه واغتالت خيرتها، وتنظيم (داعش) الإرهابي نجح بقتل وجرح المئات من زوار ضريح قاسم سليماني ، وعدم دعمه للمقاومة بغزة .