في غمرة الأحداث الدامية في غزة حيث يشن العدو الصهيوني حرب إبادة إنسانية وجودية شاملة عليها أرضا وشعبا ومؤسسات ، وما صاحبها من توجيه الإهتمام العالمي عليها ؛ تكاد تغيب عن دائرة الإهتمام الإعلامي أحداث دموية أخرى تجري في سورية حيث لا تزال قوات النظام والطيران الروسي تقصف بكل حقد وعنف ودموية إجرامية ، مناطق متعددة في إدلب والشمال السوري مستهدفة أحياء سكنية ومؤسسات مدنية ودائما تحت ذريعة مواجهة الإرهاب ..
ورغم الفوارق الظاهرية بين القضيتين ؛ إلا أن كثيراً من العناصر المشتركة تجعل التقارب بينهما يكاد يكون كبيراً واضحاً حد التطابق أو التكامل..
١ – بينت سياقات الأحداث الأخيرة أن أعداء الشعب السوري هم أنفسهم أعداء فلسطين وشعب فلسطين..
إن جميع القوى التي تدخلت في سورية وتحتل أجزاء منها حتى اليوم ؛ كانت أحد أهم أسباب بقاء النظام كما هو وعدم تحصيل أي تغيير سياسي يتوافق مع مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة ودولة القانون..
هذه القوى هي ذاتها التي تتدخل مباشرة في العدوان على غزة وأهلها إلى جانب العدو الإسرائيلي..بدءا من أمريكا ومرورا بأوروبا الغربية كلها ..والنظام الذي يدمر بلاده ويقتل شعبه فيما ينحني ذلا وهوانا أمام إعتداءات دولة العدو الغاصب المتواصلة منذ سنوات ويكتفي بالرد بالكلام الممجوج ” الرد في الوقت المناسب ” ؛ لم ولن ينصر فلسطين تحت أي ظرف..والذي دمر مخيم اليرموك وهجر أهله لا يفكر في قضية فلسطين ولا تعنيه مقتضياتها سوى في كلمات المتاجرة والهروب الغوغائي إلى الأمام..
٢ – بات واضحاً جداً حتى لمن لم يكن قد أدرك الحقيقة بعد ؛ أن أمريكا التي أسرعت لإنقاذ الكيان الغاصب وحمايته ؛ هي نفسها التي تمنع أي تغيير سياسي لصالح الشعب السوري..وهي بما لها من إمكانيات هائلة عسكرية وأمنية أرسلتها إلى المنطقة العربية ومياهها وأرضها ؛ ترهب جميع القوى المتدخلة عسكريا في سورية وبإمكانها أن تمارس عليها ضغوطا عملية إن كانت تريد تحقيق أي تغيير عملي فيها..وهذا يستدعي من أي وطني سوري لا يزال ينتظر دورا إيجابيا من أميركا لصالح الشعب السوري تحت أية ذريعة ؛ التخلي عن هذا الوهم فالدولة التي حضرت بكل قوتها لنجدة ” إسرائيل ” لن تنجد شعب سورية العربي الذي ما أنشئت ” إسرائيل ” إلا مرصادا له ولهويته ودوره النضالي التاريخي العروبي الوحدوي..
كذلك الحال فيما يخص دول أوروبا التي ترسل مئات المجندين من موظفي أجهزتها تحت ستار جمعيات الإغاثة والتوعية المدنية ؛ لتخريب المجتمع السوري وتعطيل فعاليته وتبديد قيمه وطاقاته الوطنية..
٣ – أما إيران التي ولغت في دماء أبناء الشعب السوري وقاتلته وشردت من شردت واحتلت ولا تزال مدنا وقرى وأحياء وتمارس أنواع الفساد والإفساد والتغيير السكاني والثقافي والإجتماعي ؛ وتقف إلى جانب أجهزة القمع والقهر والعدوان عليه ؛ هذه الإيران صاحبة المشروع التوسعي الفارسي على حساب الوجود العربي والتقسيمي الذي يستخدم المذهبية ستارا لتغلغله السياسي والإجتماعي والأمني ؛ لا يمكن أن تكون مع فلسطين وشعبها في مقاومتهم لإستعادة فلسطين حرة عربية..فهي – أي إيران – لا تعترف بعروبة المشرق العربي كله بل تعتبره جزءا من دولتها التاريخية الإمبراطورية وتعمل لإستعادته إليها…وعلى من يراهنون أو ينتظرون مساندة ميدانية من إيران لشعب فلسطين ؛ التخلي عن هذا الوهم والإنصراف إلى إبداع الوسائل النضالية الممكنة والمناسبة..
٤ – أما روسيا التي لم تتوقف طائراتها عن قصف وتدمير القرى والبلدات السورية على رؤوس ساكنيها فليست أقل إجراما من سواها..هذه الروسيا التي تحتفظ بأفضل العلاقات مع دولة الكيان ولها معها غرفة عمليات أمنية مشتركة ؛ لا يمكن أن تقف مع شعب فلسطين وهي التي تدمر وتفتك بشعب سورية..
حتى حربها في أوكرانيا لم تمنعها من وقف عدوانها السافر المستمر على الشعب السوري..وما موقفها الساكت عن عدوان الإجرام الصهيوني على غزة وأهلها إلا تأكيد لإرتباطها المصلحي بدولة الكيان..
فليتوقف ذلك الهراء الذي يتطلع إلى روسيا بإعتبارها صديقة للعرب مؤيدة لقضاياهم التحررية الوطنية والقومية..فهذا وهم ينبغي أن يسقط في العقول كما على الألسنة..
٥ – عملية طوفان الأقصى وما تلاها ؛ ورغم فداحة الخسائر البشرية والمدنية والعمرانية ؛ إلا أنها أعادت الإعتبار للمقاومة الشعبية المنظمة..وهذه حقيقة تواجه كل الأوهام الأخرى وتضع حلا لحالة الإنتظار التي يعيشها الكثير من الوطنيين ..الإنتظار السلبي التواكلي الذي يأمل حلولا مناسبة من دول العالم الأخرى .. في الغرب كانت أم في الشرق..
إن حربا عالمية شاملة يشنها النظام العالمي الفاسد منذ عقود طويلة ؛ على الوجود العربي ليس فقط للهيمنة عليه بل لإستئصاله من الجذور ..كما صرح عشرات المسؤولين الغربيين أو بينته عشرات الوثائق الإستراتيجية المعتمدة في دول القرار الغربي ..تلك حرب شاملة تستدعي ردا عربيا شاملا..في جميع ميادين الحياة..وفي غياب قيادة عربية متماسكة ذات تطلعات تحررية ونهضوية توحيدية ؛ فلم يعد أمام الوطنيين من أبناء الأمة ؛ سوى المقاومة الشعبية المؤطرة ضمن مؤسسات علمية مناسبة..وهذا درس يعلمه الشعب السوري وعليه الإستفادة منه إلى أقصى معانيه ومتطلباته..
٦ – إن وجود إطار نضالي منظم يستعد ويبرمج عمله المقاوم ويقدم التضحيات ويتحمل التبعات الميدانية وتلتف الحركة الشعبية خلفه وتناصره ؛ هو احد أهم الدروس النضالية في الكفاح الفلسطيني والذي زادته عملية الأقصى رسوخا ووضوحا وتجذرا…وهو ما ينبغي على الوطنيين السوريين العمل وفق مقتضاه من تنظيم للقوة الوطنية وضبطها وتأطيرها..
٧ – أهمية تركيز الحوار والتواصل والعمل مع كل الفعاليات الشعبية والثقافية والأكاديمية العالمية التي تساند قضية فلسطين وتستنكر ممارسات دولة العدوان أو ترفض وجودها من الأساس..على مثل هؤلاء يمكن الإعتماد في دعم الشعب السوري ومساندة مطالبه في الحرية والكرامة ؛ وليس على أي نظام عالمي عنصري حاقد ..وهذا بدوره يحتاج إلى إطار وطني جامع يملك برنامجا عملانيا مرحليا للتغيير المنشود..
ليس جديداً أن تكون قضية شعب سورية جزءاً متمماً ومتكاملاً مع قضية فلسطين..فالأهداف متكاملة والأعداء ذوي أدوار منسقة وتكامل مدروس.فكل انتصار لشعب فلسطين هو انتصار لشعب سورية..والعكس بالعكس صحيح وصحيح..كما كل خسارة أو انتكاسة لشعب سورية هي انتكاسة وخسارة لشعب فلسطين..عسى أن يدرك الجميع هذه الحقائق التي تتجاوز حدود الشكليات والأسماء والمظاهر والعصبيات الفئوية والأفق الفكري المحدود والحواجز الجغرافية المصنوعة.