إيران تُفقد حماس مكاسبها

يونس العيسى

أثار موقف حركة حماس بتسمية قاسم سليماني “شهيد القدس” القائد في الحرس الثوري الذي تم تصفيته من قبل أمريكا في العراق وهو عائد من سوريا، امتعاظاً واستنكاراً من قبل الشعوب العربية، وفتح تساؤلات حول ارتباط الحركة مع إيران، فقد أصدرت حماس بياناً يدين الولايات المتحدة، وأقامت بيت عزاء في قطاع غزة، وتم خلاله رفع الأعلام الإيرانية إلى جانب العلم الفلسطيني، فيما قام وفد من الحركة برئاسة إسماعيل هنية بتقديم واجب العزاء للقيادة الإيرانية في طهران.

ويدافع قادة حركة حماس عن علاقتهم بإيران وأن العلاقة نابعة من دعم إيران لهم في سبيل القضية الفلسطينية، وأن وما يربطهما بإيران من الناحية الفكرية وحتى السياسية هو الإسلام وفلسطين، فإيران دولة إسلامية ترفع شعار تحرير القدس.

وحماس إذ تتلقى الدعم الذي تطلبه من إيران فذلك في سبيل القضية المركزية لكل العرب والمسلمين والجهاد لأجل تحريرها واجب على كل مسلم، وتبتعد أدبيات الحركة عن الخلافات التاريخية المذهبية والسياسية مع إيران، والاتفاق من الناحية السياسية عند الجانبين أن الطريقة الأمثل لتحرير فلسطين هي المقاومة بكافة أشكالها.

لقي إصرار حماس على تعاونها مع إيران، على حساب دماء شعوب فلسطين ولبنان والعراق وسوريا واليمن، إدانات متعددة، بعضها ممزوج بالتماس العذر والتغاضي، وأخرى طافحة بالنقمة والسخط، إذ تسكنُ حركة حماس في أذهان نسبة من أبناء الشعوب العربية، كحركة إسلامية برزت خلال قضية فلسطين، وبالتالي يلتمس البعض مبررات لأخطائها وخطاياها، فيما يراها آخوين حركة مقاومة مؤدلجة ومحزبة بنَت كيانها، على حساب القضية وجنت إيران نتائج نضالها، وزادت في تعميق الانقسام الفلسطيني لتتحول مع مرور الوقت، إلى رصاصة في مسدس قوات الحرس الثوري الإيراني.

فقد جعل نظام الخميني منذ وصوله إلى إيران عام 1979، مسألة القدس وفلسطين كإحدى مفردات خطاب تصدير ثورته، مما حقق له حضوراً على الساحة الفلسطينية، وكقائد لتيار المقاومة ضد ما يسميها الشيطان الأكبر-أي أمريكا- الداعمة لإسرائيل، وبذلك نجحت إيران بغرس حركات مسلحة داخل البلدان العربية، ولم تكن تلك الحركات تعمل لصالح القضية الفلسطينية ثم اشتراكها المباشر في قتل وإبادة وتهجير المكون السني في العراق وسوريا واليمن وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية في البلدان الاخرى، وهذا كله لم يكن بالتأكيد في صالح القضية الفلسطينية، وألحق بها كامل الضرر؛ وجعلها قضية ثانوية لا مركزية بالنسبة للعرب، وشرخ الإجماع العربي حول القضية وقام بتقسيم المنطقة إلى محوري ممانعة ومقاومة واعتدال وتطبيع.

واتسم موقف حماس من ثورات الربيع العربي بالتناقض، حيث كانت تأمل بتغيير النظام الحاكم في بلدان الربيع العربي وإحداث انقلاب على التسويات العربية السلمية مع إسرائيل، ولذلك دعمت نجاح الإخوان في مصر وانتظرت نجاحهم في سوريا في إسقاط نظام الأسد ونجاح المشروع الإخواني في الربيع العربي، والذي سرعان ما تعثّر، وكشف عن خلل فهم حماس لمعادلة الصراع العربي مع إسرائيل ومن يدعمها من الدول الغربية وأمريكا، فرؤية حماس لتحرير فلسطين من خلال منظار تحزب إيديولوجي إسلامي من خلال انتظار ولادة نظام جديد في الدول المحيطة بفلسطين ولكن إيران دعمت مرسي في مصر، وساندت الأسد في حربه ضد الشعب الثائر على حكمه، وزادت من تغول حزب الله في لبنان، وهذا التناقض في مواقف حماس يتعلق بمنهج فكرها، فهذه الحركة لم تبلور منهجاً سياسياً واضحاً منذ بداية نشوئها، بل أخذ فكرها وخطابها السياسي يتبلوران ويتشكلان بصورة أساسية بعد انطلاقتها واستمدت من الخطاب السياسي الذي كان يطرحه الإخوان المسلمون في العالم العربي، وانسجام مواقفها مع مواقفهم في البلدان الأخرى القضية الفلسطينية يندرج ضمن اهتمام إيران ليس من باب تحرير القدس واستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه وعودة اللاجئين في دول الشتات، ولكن من باب توظيفها سياسياً ودينياً لتحصيل مكاسب من خلالها وزيادة تغولها في المنطقة وقيادة محور المقاومة، وعدم تحمل المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل.

وما تدفعه إيران لحماس من أموال وسلاح لايتعدى سوى توظيفها دفاعاً عن مجالها الحيوي في البلاد التي توجد بها، حيث قامت ميليشياتها  في تدمير سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان، وتعميق الطائفية المذهبية القاتلة. وإذا كانت علاقات حماس مع إيران من مرجعية ارتباطاتها مع الإخوان المسلمين، كذلك إيران تربطها علاقات جيدة مع الإخوان، وتستند في دعمها لحركة حماس لنفي التهم التي توجه لمشروعها المذهبي والطائفي، وبذلك تجعل إيران من حماس ورقة وأداة في تحصيل مكاسب من خلال مناوراتها السياسية مع أمريكا والغرب، وإن دوام العلاقة بين حماس وإيران سيجعل الحركة رهينة بيد إيران، وفتح معارك إيران التفاوضية مع الغرب، وبنتائج معروفة؛ عنوانها المزيد من التدمير والقتل لأهالي قطاع غزة.

وبعد اقتحام كتائب القسام غلاف غزة، خرج رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لكي يطلب مما سماه قوى المقاومة المشاركة والدخول إلى المعركة، ولكنها لم تلب النداء إلا بمناوشات على الحدود اللبنانية قام بها “حزب الله”، في حين قبل أيام معدودة من بدء الحرب تحدث زعيم “حزب الله” عن وحدة الساحات، وظن البعض أننا أمام غرفة عمليات عسكرية مشتركة تضم حزب الله وحماس والجهاد والمليشيات الإيرانية الموجودة في العراق وسوريا، ولكن تبين بعد الحرب أن إيران ضابط إيقاع تلك الجماعات ملتزمة بقواعد الاشتباك، وأظهرت مجريات طوفان الأقصى أن العلاقة بين إيران وأمريكا أعمق من أي تصعيد يقوم به الوكلاء في المنطقة العربية.

ولوحظ ذلك من خلال تصريحات عبد اللهيان المتناقضة، إذ قال: “إن إيران تدعم الحقوق المشروعة للفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم وحقوقهم، كما إنها تدعمهم سياسياً وإعلامياً”، وإن بلاده “لا تريد فتح الجبهات وتوسيع الصراع في المنطقة”، تناقض تصريحاته جاء بعد تحرش المليشيات الإيرانية بالقوات الأميركية في العراق وسوريا وبضرب صواريخ من اليمن، قابله تصريحات أمريكية على لسان جون كيربي الذي اعتبر أن طهران تراقب وتشرف على عمليات اعتداء وكلائها في المنطقة على أهداف أميركية. وربحت إيران قراراً من مجلس الأمن برفع الحظر الصاروخي، وتجديده لن يتم مرة أخرى إلا بقرار جديد، وهو غير ممكن في ظل المصالح الروسية والصينية مع إيران وخلافهم مع أمريكا.

وعلى مدى سنوات، تبيّن أن المشاحنات والمفاوضات المتبادلة بين إيران وأمريكا تجري بينهما على حساب القضية الفلسطينية ومحاولة إبعاد العرب عنها من خلال حصد إيران لنتائج معارك أدواتها في البلاد العربية، وهذا ينطلق من قاعدة أميركية تقوم على تخويف الأنظمة العربية من إيران ودفعهم للتطبيع مع إسرائيل، مع وعود بمساعدتهم بالتصدي للمشروع الإيراني، وهو أمر لن يحدث، وإنما يندرج في سياق إمساك العصا من الوسط.

فهل تدرك قيادة حماس أن توجهات إيران تجاه فلسطين في الماضي والحاضر لم تتجاوز الشعارات والتضامن ويوم القدس وفيلقها الذي ضل الطريق نحو القدس، وأن إيران النووية اليوم وبعد ثورات الربيع العربي ووجود حيز لها داخل البلاد العربية، بدأت تتجه نحو النفعية في علاقاتها لتعزيز مكانتها الإقليمية، والاعتراف بدورها كلاعب دولي مهم في الشرق الأوسط وتدرك إيران ما يضيفه دعمها لحماس وغيرها إلى رصيد قوتها، فعلى مدار سنوات أحسنت إيران استثمار القضية الفلسطينية لصالحها.

المصدر: اورينت

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أدى إصرار حماس لتعاونها مع إيران، على حساب دماء شعنا في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا واليمن للإدانة وإن كان بعضها ممزوج بالتماس العذر والتغاضي، وأخرى بالنقمة والسخط، إن ثورات الربيع العربي لم تكن ثورة التيار الإسلامي بل كانت وطنية بامتياز ، وموقف حماس المؤيد كان منسجم مع موقفها المؤيد لثورات التحرر الوطني، وإن تم شيطنتها أخيراً لصالح إيران، لذلك يجب أن توقف مماهاتها لملالي طهران بعد غدرهم بها مع طوفان الأقصى وأخذ الموقف الوطني التحرري .

زر الذهاب إلى الأعلى