ينطوي الانتقام من غزة على خطر التسبب في صدام ثقافات لا يفوز فيه أحد. أطلق عليها اسم [هجمات] 11 سبتمبر (أيلول) في إسرائيل لأسباب واضحة. غزو غير مسبوق (للأراضي الإسرائيلية) نفذته حماس وقتل فيه أكبر عدد من اليهود في يوم واحد منذ المحرقة، وفشلت أجهزة الاستخبارات وقوات الدفاع في حماية الناس من إرهابيين مسلحين بأسلحة منزلية الصنع.
ومع ذلك، إذا أرادت إسرائيل البقاء والازدهار والعيش في أمان، مثلما يرغب أصدقاؤها، فعلى قادتها ألا يجازفوا بالوقوع في نفس الفخاخ المغرضة التي نصبها أسامة بن لادن وتنظيم “القاعدة” للولايات المتحدة في عام 2001.
يجب على إسرائيل ألا تنتقم ببساطة، يجب أن تبقى ضمن قواعد الحرب والاتفاقيات الدولية في شأن معاملة المدنيين، ويجب أن تضمن أن ردها، بغض النظر عن شناعة ووحشية هذه الهجمات، أن يكون صارماً لكن متناسباً. لا تحتاج إسرائيل فقط إلى كسب هذه الحرب –ولكن أيضاً إلى الحفاظ على الأخلاقية العالية وعلى ودعم حلفائها.
يبدو وكأننا نسينا أن بن لادن لم يكن يريد مجرد قتل الناس وإذلال أميركا، لقد أراد افتعال حرب تاريخية بين الغرب والإسلام – صدام عالمي بين الثقافات. ومن المحزن أن أقول إن الرئيس جورج دبليو بوش أعطى بن لادن ما أراده تماماً.
في ذلك الوقت، كما هي الحال مع إسرائيل الآن، كانت هناك إدانة عالمية تقريباً للهجمات على نيويورك وواشنطن. وقفت الأمم المتحدة صفاً واحداً في دعمها لأميركا، كما لجأ حلف الناتو إلى البند الخامس الذي ينص على أن الهجوم على أحد أعضائه هو هجوم على الأعضاء جميعهم. ووقفت أميركا، كما هي الحال في إسرائيل اليوم، متحدة في صدمة وحزن ورغبة في الانتقام.
إلا أن أميركا وقعت في الشراك وانخرطت في حرب تعذر كسبها ولم تنته إلا منذ عامين، ويمكن اعتبارها حرباً فاشلة.
القدرات الحربية المتفوقة –أغلى الأنظمة ثمناً وأكثرها تقدماً من الناحية الفنية على الأرض، في مواجهة رجال على الدراجات النارية وفي سيارات بيك آب من طراز تويوتا بقذائف آر بي جي– لن تنجح أبداً. عندما قصفت القوات الجوية الأميركية جبال تورا بورا بذخائر “ديزي كاتر”، وهي التي لا يفوقها تدميراً سوى القنابل النووية، كان بن لادن و”القاعدة” وحماة “طالبان” قد فروا وتواروا منذ فترة طويلة.
حظيت عمليات القوات البرية التي ترعاها الأمم المتحدة ببعض النجاح لفترة من الوقت، لكن حرب الاستنزاف أصبحت حرباً لصالح “طالبان”، مثلما اكتشف البريطانيون ذلك في هلمند. أصبحت صورة الحرب الأفغانية التي استندت إلى موافقة الأمم المتحدة مشوشة في أذهان البعض مع الغزو اللاحق غير القانوني للعراق. ضجر الرأي العام، وضعفت العزيمة السياسية. في نهاية المطاف، عقد الرئيس ترمب صفقة معهم، وفي الواقع، اعترف بالهزيمة، ثم أكمل الرئيس بايدن التقهقر.
يجب على إسرائيل أن تتعلم من هذه الأخطاء، وفي الواقع من جميع العمليات السابقة التي نفذت في سياق العمليات الفلسطينية والتي حققت نجاحاً، لكنها لم تزل أبداً تهديد الإرهاب بشكل نهائي ولا وفرت الأمن لشعب إسرائيل.
مثل الولايات المتحدة –وجزئياً بسبب دعم أميركا التقليدي لإسرائيل– لا يمكن لأمثال “حماس” تدمير إسرائيل، ولكن يمكن جرها إلى صراع مكلف لا نهاية له يستنزف مواردها ومعنوياتها وشجاعتها وتصميم شعبها بألا يواجه الدمار مرة أخرى، لكن “هزيمة” حماس لن تتحقق من خلال القصف الجوي الشامل والمتواصل وتجويع الفلسطينيين.
إن الاعتراض على الاندفاع الإسرائيلي لتنفيذ رد فعل عنيف وهائل ليس من باب أنه قاس أو ينتهك القانون الإنساني الدولي، ولكنه ببساطة لن ينجح، وفي الواقع إنه يصب في مصلحة “حماس” ورعاتها الإيرانيين. لا يمكن تجويع الفلسطينيين لإخضاعهم لأن ما بيدهم حيلة لتسليم أراضي “حماس” أو الرهائن، بل لا يمكنهم حتى الاستسلام.
لا “حماس” ولا آيات الله والحرس الثوري الإيراني يكترثون كثيراً بالفلسطينيين وقضيتهم التي توظف لغايات جيوسياسية وأيديولوجية أخرى. من المرجح أن قادة حماس محميون بشكل جيد من القصف الإسرائيلي، وربما ليسوا في غزة، كما يمكن للإيرانيين النوم بأمان في أسرتهم في طهران وقواعدهم الأخرى بينما يقاتل الفلسطينيون ويموتون نيابة عنهم.
إذا تحولت غزة إلى أنقاض، فإن القاذفات والدبابات والمدفعية الإسرائيلية ستكون عديمة الفائدة، وستطول الحرب، وستنتشر إلى شمال إسرائيل والضفة الغربية عندما يقرر “حزب الله”، وهو دمية أخرى لإيران، أن اللحظة مناسبة لفتح جبهات جديدة. ستنسف محاولات إسرائيل الناجحة للتوصل إلى تسويات سلمية مع الدول العربية والإسلامية، وآخرها الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، كجزء من بنية دبلوماسية أوسع في الشرق الأوسط. ستنجح إيران في النهاية في منع المصالحة الإسرائيلية السعودية، بالتالي منع تحالف قوي محتمل ضد طهران.
ومع ذلك، ما نراه حتى الآن، في الأمم المتحدة، وفي مؤتمر حزب العمال، وفي شوارع لندن وأماكن أخرى، أن هذا الصراع يتفاقم –بين القيم الغربية وهذا التحريف للإسلام الذي تروج له “حماس”.
وهذا هو نفسه الصراع الذي حلم به بن لادن، لكن هذه المرة، تؤججه إيران و”حماس” لأن هذا ما يتقنون فعله. هم يسعون إلى الصراع، مع الغرب والمنافسين الإقليميين، مثل السعودية، ويصنعون الحروب التي يدفع الآخرون ثمنها. فالإرهاب الذي لا يرحم والحكم الهمجي وأخذ الرهائن والدعاية الصريحة الشريرة هي أساليبهم المفضلة للحرب.
وكذلك ما يسمى [بتنظيم] “الدولة الإسلامية”، هذا ما حدث لأفغانستان، في العراق وسوريا، وفي اليمن –حروب بالوكالة. لا يمكن لديمقراطية متحضرة مثل إسرائيل أن تنحدر إلى مستواها.
يجدر تذكر أن البحث عن بن لادن في أفغانستان مني بالفشل ولم يلق القبض عليه إلا بعد سنوات عديدة في باكستان، مختبئاً “على مرأى من الجميع”، وذلك بفضل المراقبة الإلكترونية والعمل الاستخباري. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن إسرائيل نادراً ما نعمت بالسلام، ولكن عندما حدث ذلك، إنما أتى بعد أن كسرت اتفاقات السلام التاريخية حلقة العنف.
لقد أقامت إسرائيل اتفاقات [سلام] مستدامة واكتسبت اعترافاً وتعاوناً اقتصادياً مع أعداء سابقين بدا ذات يوم مستحيلاً – مصر والأردن وفي “اتفاقيات إبراهام” الأخيرة مع الإمارات العربية المتحدة وغيرها.
سافر بنيامين نتنياهو إلى الأمم المتحدة الشهر الماضي لتقديم رؤيته للازدهار الإقليمي على أساس شبكة من مثل هذه العلاقات القائمة على السلام. وعاجلاً أم آجلاً، سيتعين عليه أن يفعل الشيء نفسه، ليس مع “حماس” ولكن مع الشعب الفلسطيني.
المصدر: اندبندنت عربية