مع استمرار التعنت الروسي باستخدام حق النقض “الفيتو”، لمنع تمديد إدخال المساعدات الإنسانية من قبل الأمم المتحدة لقرابة خمسة ملايين شخص، يعيشون في مناطق شمال غربي سوريا، تستمر الجهود البديلة، لتأمين المساعدات للأهالي.
وبضغط من الفاعلين الإنسانيين المعنيين بتقديم المساعدات الإنسانية للمنطقة، جرى إنشاء صندوق “إنصاف”، وهو مبادرة لتشكيل صندوق للتمويل تديره شركة بريطانية مهمتها إيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين القاطنين في الشمال، كحل بديل عن آلية دخول المساعدات عبر الحدود، في ظل التعنت الروسي.
انخرطت تسع منظمات سورية في آلية “إنصاف”، وانتخبت منظمة “بنفسج” الخيرية لتمثيل المنظمات السورية في مجلس الإدارة، بحسب مدير المنظمة، الدكتور قتيبة سيد عيسى.
وقال سيد عيسى، لعنب بلدي، إن أربع دول عملت على إنشاء صندوق “إنصاف”، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بقيادة شركة “آدم سميث” البريطانية، مع وجود لجنة توجيهية من المنظمات السورية وبعض المنظمات الدولية.
طرحت فكرة الصندوق لأول مرة بداية عام 2022، وبدأ العمل علنًا قبل التصويت على تمديد آلية المساعدات الأممية عبر الحدود في 10 كانون الثاني 2023، ورصد له مبلغ يقدر بنحو 70 مليون دولار من قبل الدول المذكورة، بحسب سيد عيسى، وسيجري توزيع جزء منه على بعض المنظمات السورية، لتنفيذ مشاريع تشمل توزيع الأموال نقدًا في المخيمات، إضافة إلى مشاريع أخرى في مجال التعليم وتشغيل المدارس.
آلية عمل “إنصاف”
بحسب عضو مجلس إدارة صندوق “إنصاف”، الدكتور زاهد المصري، وهو مدير منظمة “أطباء عبر القارات”، فإن الصندوق الذي طُوَر اسمه إلى “AFNS”، مازال في مرحلة النمو ويجري تطويره باستمرار، وهو غير ملزم بقوانين الأمم المتحدة لكنه لا يخلي مسؤوليتها بتقديم المساعدات الإنسانية للشمال السوري.
وحول الهدف من “إنصاف” قال المصري لعنب بلدي، “نعمل أن تكون (إنصاف) بديلًا لتقديم المساعدات الإنسانية للشمال السوري، في حال عدم قدرة الأمم المتحدة على تقديم المساعدات، كما أن المنطقة بحاجة صناديق أخرى موازية لإنصاف وللأمم المتحدة”.
ويعد الصندوق “AFNS”، وهو اختصار لـ”The Aid Fund for Northern Syria” (صندوق مساعدة شمال سوريا)، طرحًا بديلًا عن صندوق التمويل الإنساني “SCHF” التابع للأمم المتحدة، بهدف مواجهة الابتزاز الروسي فيما يتعلق بدخول المساعدات إلى شمالي سوريا، وفق المصري.
وبشأن آلية عمله أوضح المصري، أنه صندوق تمويل شبيه بآلية عمل مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA)، ويعتمد على تقييم احتياجات الاستجابة في مختلف القطاعات الإنسانية، وتزويد المنظمات الإنسانية الوسيطة بالتمويل، وقادر على تنفيذ المشاريع على الأرض، والميزة الأفضل للصندوق، هي منع تحكم روسيا والصين بملف المساعدات الإنسانية في سوريا.
ويتخصص تمويل الصندوق في إدلب وريف حلب الشمالي فقط، ويوجد فيه استشاريون ومندوبو منظمات دولية ومندوبو دول، وجرى اختيار 10 منظمات سورية لديها خبرة ميدانية لتنفيذ المشاريع، بحسب المصري.
ولضمان شفافية المبادرة، شكلت لجنة استشارية مكونة من تسعة أشخاص، تمثل ثلاث منظمات سورية، وثلاثًا من المنظمات الإنسانية الدولية، وثلاثًا من الجهات الداعمة، وعيّن موظفٌ منسقًا لهذه المجموعة، ووظيفتها إدارة جميع الأموال في الصندوق من خلال إقرارها أو عدمه.
وتشهد مناطق شمال غربي سوريا، عجزًا في الاحتياجات الإنسانية، وسط الغلاء الذي تشهده المنطقة في أسعار المواد الغذائية والمحروقات، الأمر الذي زاد من نسبة الفقر في المنطقة.
سلبيات الصندوق
مدير منظمة “بنفسج”، قتيبة سيد عيسى، قال إن مبادرة “إنصاف” لا تلبي الاحتياج الإنساني الكبير في الشمال السوري، على الرغم من أهمية وجودها، فهي تحتاج وقتًا لتطورها، كما أن الدول الاسكندنافية واليابان، رفضت تقديم المساعدات إلا عن طريق وكالات الأمم المتحدة.
في حين حذر فريق “منسقو استجابة سوريا” من “خطورة” الاعتماد على هذه المبادرة فقط، واعتبر أن تمويلها في المرحلة الثانية يصل لـ200 مليون دولار، في حين بلغ التمويل الأممي قيمة 1.21 مليار دولار خلال 2022.
كما أن من يدير الصندوق هي شركة اقتصادية ليس لها الخبرة اللازمة في إدارة العمليات الإنسانية، على عكس المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة، إضافة إلى أن الآلية الجديدة لن تكون بديلًا كافيًا عن المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
يطالب العاملون في القطاع الإنساني بشكل مستمر بفصل الملف الإنساني عن الحرب الدائرة في سوريا، ومنع ابتزاز الروس لهذا الملف، الذي يستخدمه لتحقيق غايات سياسية بتعويم النظام السوري، من خلال تمويل المشاريع في مناطق سيطرته، وحصر المساعدات الإنسانية عن طريق النظام.
تحسبًا لابتزاز جديد
لا يغفل الباحث في الشؤون الإنسانية في سوريا ومسؤول العلاقات بمنظمة “عطاء” الخيرية، مأمون سيد عيسى، أهمية دور مبادرة “إنصاف”، فقد بدأت بتمويل يصل لـ 70 مليون دولار، وبدأت بتنفيذ المشاريع، وهي وسيلة لمنع الابتزاز الروسي، وهي “مهمة ولو لم تفعل بشكل كامل في الوقت الحالي”، وفق ما قاله لعنب بلدي.
وأضاف أن الجهات الغربية المانحة تبنت إيجاد آلية بديلة للأمم المتحدة، خارج الابتزاز الروسي، ورغم عدم جاهزية آلية “إنصاف” بشكل كامل، تعمل حاليًا وتوزع التمويل على بعض المشاريع بالتعاون مع عدد من المنظمات المحلية في الشمال السوري.
وأشار سيد عيسى، إلى أن النظام السوري أقر بتمديد تقديم المساعدات الأممية للشمال السوري لمدة ستة أشهر بدءًا من تموز الماضي لمعبر “باب الهوى” الحدودي، ولثلاثة أشهر لمعبري “باب السلامة” و”الراعي” شمالي حلب، فمن الممكن أن نشهد “ابتزازًا” سوريًا- روسيًا جديدًا، يهدد إدخال المساعدات الإنسانية للمنطقة.
ويمكن أن تكون آلية “إنصاف” جاهزة في حال حدوث هذا الابتزاز، بحسب رأي سيد عيسى، مشيرًا إلى أنه رغم توقف دخول المساعدات الإنسانية لمدة شهرين إلى الشمال السوري بعد استخدام روسيا حق “فيتو” في مجلس الأمن، كانت المستودعات الأممية في الشمال قادرة على تغطية هذه الفترة.
وعن تأثر الشمال السوري بتأخر تقديم المساعدات، أوضح سيد عيسى أن هناك مشكلة ربما تضاهي تأخر المساعدات وهي انخفاض قيمة الدعم الأممي، وتقليص حجم السلة الغذائية المقدمة، وانخفاض عدد المستفيدين من السلة الغذائية من خمسة ملايين شخص إلى 1.5 مليون مستفيد على مدى الأعوام، ليصبح توزيع السلة الغذائية مرة كل شهرين.
مكتب جديد لتنسيق المساعدات بإدلب
في 6 من آب الماضي، أعطى التفاهم بين الأمم المتحدة وحكومة النظام قرار دخول المساعدات الإنسانية التي يحتاجها السوريين الواقعين خارج مناطق سيطرته إلى الأخير بعد أن أفشل “الفيتو” الروسي قرار تمديد الآلية عبر مجلس الامن.
ورفضت حكومة “الإنقاذ” بإدلب دخول المساعدات من “باب الهوى” خلال الفترة الماضية، احتجاجًا على ربط دخول المساعدات بقرار من النظام، وبسبب عدم التنسيق مع “حكومة الإنقاذ”.
وبحسب مسؤول العلاقات بمنظمة “عطاء” الخيرية، مأمون سيد عيسى، صدر في 11 من أيلول الحالي، مخاطبة من نائب المنسق الإقليمي للأمم المتحدة، دايفيد كارين، لمكتب “تنسيق العمل الانساني” (HAC)، وهي هيئة جديدة اسستها “حكومة الإنقاذ” مؤخرًا، حيث طلب كارين تسهيل إدخال المساعدات من “باب الهوى” الحدودي.
و في 12 من أيلول جاء رد “HAC” بتفويض الأمم المتحدة بإدخال المساعدات من “باب الهوى”، وطلب المكتب من الممثل الإقليمي للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، التنسيق المشترك معها في أي عملية دخول للمساعدات للمنطقة.
كما عقد، في 14 من أيلول، اجتماع بين ممثلين عن الأمم المتحدة و”مكتب التنسيق الإنساني” في معبر “باب الهوى”، وهو ما يشير لقرب دخول المساعدات من المعبر الحدودي.
المصدر: عنب بلدي