تنهي الحرب السودانية شهرها الخامس دون أي أفق واضح للحل السياسي، على رغم دعوة الجيش وقوات الدعم السريع لتنسيق الجهود الخارجية لحل الأزمة. ومع ذلك، فإن الوساطات الخارجية تواجه تحديات جمة نتيجة لتباين التصريحات التي يتم تسريبها وتلك التي تعلنها الخارجية السودانية وانسداد الأفق أمام تحركاتها، فيما تتصاعد المعارك لتوسيع مناطق النفوذ في البلاد، مما يؤدي إلى تقسيمها بين الأطراف المتحاربة.
وخلال زيارة قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان لإريتريا، تواترت المعلومات بشأن جهود وساطة تقوم بها دولتا جنوب السودان وإريتريا. وكان لافتاً استضافة العاصمة الإريترية أسمرا لاجتماعات قوى موقعة على اتفاق جوبا للسلام، والتي تمثلت في حركات مسلحة بارزة مثل حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ووزير المالية جبريل إبراهيم، بالإضافة إلى قوى سياسية ومدنية.
توحيد المبادرات؟
وتزامنت هذه الزيارة مع جهود البرهان لتوحيد المبادرات المطروحة للخروج برؤية موحدة لحل الأزمة السودانية، وفقاً لتصريحات وزير الخارجية المكلف علي الصادق. ويُعتبر الهدف الأسمى لهذه الجهود هو نفسه ما أكده قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، خلال اتصال هاتفي أجراه مع رئيس الاتحاد الأفريقي ورئيس جمهورية جزر القمر غزالي عثماني.
ومع تردد معلومات عن لقاء سري جمع البرهان خلال زيارته لأسمرا بزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان عبد العزيز الحلو، ودعوته للقتال ضد قوات الدعم السريع، نفت الحركة هذا اللقاء في بيان صادر عنها، معتبرة أنها ليست طرفاً في الصراع الحالي. لكن سبق لناشطين ميدانيين أن تحدثوا عن توثيق هجمات سابقة نفذها مقاتلو الحركة ضد مواقع للجيش في إقليم جنوب كردفان المجاور لدارفور جنوباً.
وتأتي هذه التحركات في وقت لا يزال التفاوض في مدينة جدة معلقاً، وفقاً للوسطاء السعوديين والأميركيين. وتواجه مبادرة الرباعية، التي أعلنت عنها منظمة الإيغاد، اعتراضاً من وزارة الخارجية السودانية بسبب ترؤس كينيا لها. وقد أكدت الخارجية ذلك في بيان صادر قبل أيام، وتزامن مع إعلان الرئيس الكيني ويليام روتو عن اتصاله بعبد الفتاح البرهان وإسقاط اتهام الأخير لبلاده بالانحياز، معبراً عن دعمه لتنسيق الجهود الخارجية مع مصر والسعودية.
تباين المواقف الرسمية
يتزايد الجدال بشأن بيانات وزارة الخارجية التي أثارت أزمات دبلوماسية مع الاتحاد الأفريقي مؤخراً. ففي حديثه لـ”النهار العربي” يعتبر حسام أبو الفتح، عضو اللجنة الإعلامية للحرية والتغيير والمؤتمر السوداني، أن مؤسسات الدولة منذ 25 أكتوبر 2021 لا تعكس توجهاً موحداً تجاه القضايا، بل يسيطر عليها أتباع النظام السابق الذين يصفهم بـأفراد “النظام المباد المعاد تمكينهم وتعيينهم”.
ويضيف: “تعتبر وزارة الخارجية السودانية مختطفة لمصلحة تنظيم الإخوان المسلمين، أما في كينيا، فقد اتصل السيد البرهان بروتو وأعلمه عدم معارضته. في رأينا، لا تعبر وزارة الخارجية السودانية عن مصالح الشعب السوداني في السلام، بل تمارس تقاليد النظام السابق وسياسته القائمة على استعراض العالم. ومن جهة أخرى، ينسق الإيغاد والاتحاد الأفريقي ويعملان بالكامل مع المبادرة الأميركية السعودية”.
أولوية وقف الحرب
ووفقاً لحسام أبو الفتح، فإنه لا يرى إخفاقاً في جهود المنصات الخارجية للوساطة، حيث لا يزال منبر جدة قائماً على رغم سحب ممثلي الجيش، بحسب بيان سابق من القوات المسلحة بهدف المزيد من التشاور. ويضيف: “الأمر المهم الآن هو توحيد هذه المبادرات، وفي رأينا، توافقت جميعها على ضرورة وقف الحرب واستعادة السلام في السودان والمضي في المسار المدني الديموقراطي. إن هذه الحرب ليست مسألة بسيطة، بل هي قضية معقدة تتطلب منا المزيد من الجهد والجدية”.
من جانبه، يكشف الكاتب والمحلل السياسي محمد ود الفول أن القوى السياسية المجتمعة في إريتريا هي حليفة للبرهان، ويسعى الأخير للتنسيق معها لتشكيل الحكومة المقبلة، متجاوزاً بذلك قوى الحرية والتغيير والدعم السريع، وفقاً لقوله. ويضيف في حديثه لـ”النهار العربي”: “زيارة البرهان لإريتريا هي امتداد لسلسلة الزيارات السابقة، ويبدو أنه اختار إريتريا لتفادي ضغوط مصر التي تحث على تسوية مع الحرية والتغيير ومغازلتها في وقت واحد”.
ويعتبر ود الفول أن البرهان يرغب في انتزاع المبادرة من مصر والإيغاد وجدة من خلال منبر بديل يحمل الشعارات نفسها، ولكن مخرجاته تصب في مصلحة قائد الجيش وسيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة، على حد قوله، ويضيف: “إريتريا أكدت من قبل في مؤتمر دول الجوار على توحيد المبادرات، ولكن كان واضحاً من خلال خطاب رئيسها أنها ممتعضة من هيمنة مصر على ملف السودان، ولذلك فهي الآن تدعم جهود البرهان للحل، وفقاً لاستراتيجية الجيش. وفي هذا، سنجد أن إريتريا ودولة جنوب السودان ستكونان الدولتين المحوريتين، والغرض من ذلك كله هو إنهاء سيطرة مصر وكينيا على ملف السودان ونسف جهود منبر جدة بمنبر بديل يكون أقل إلزامية لهم في مسألة التنفيذ، لأن البرهان يرغب في أن يراوغ وأن تؤول إليه السلطة في نهاية المطاف”.
المصدر: النهار العربي