تتشعب المسألة القومية إلى قضايا عديدة، من أهمها: القومية، والأمة، والدولة.
- – لا شك أنّ القومية واقع تاريخي له وجود حقيقي وفعّال وتعبيرات واضحة، تتجلى في جميع مستويات الحياة الاجتماعية واليومية للشعوب. فمعظم الناس يرون أنّ ثمة قاسماً مشتركاً يجمعهم مع غيرهم في وحدة القومية، وذلك على الرغم من التمايزات التي قد تفرّق بينهم وتقسّمهم إلى مجموعات اجتماعية متميّزة، مثل الطبقة أو الديانة أو الطائفة. ولكن تتوفر لهم إرادة العيش المشترك، بالاستناد إلى اللغة المشتركة الحاضنة للثقافة التي يمكن أن تنمو وتنضج بحكم العيش المشترك.
وفيما يتعلق بالقومية العربية، من المحقق أنه لا وجود لعرق عربي صافٍ، ووجود اللغة العربية يبقى هو المعيار التاريخي المتميّز والمتواصل للرابطة العربية. ومن المؤكد أنّ هناك ثقافة عربية واحدة، تختلف مستوياتها في المناطق العربية الأربعة: الهلال الخصيب، وادي النيل، مجلس التعاون الخليجي واليمن، المنطقة المغاربية.
وفي سورية تتعدد المكوّنات القومية، ويشكل العرب الأكثرية، ولكنّ ذلك لا يعطيهم حق منع المكوّنات القومية الأخرى من التعبير عن ثقافاتهم الخاصة، إضافة إلى مشاركتهم في بناء الوطنية السورية الجامعة، باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.
- – الأمة ظاهرة تاريخية، يمكن تجريدها على شكل عاملين رئيسيين: طبيعي- بشري (الأرض وجماعة من البشر)، وثقافي (اللغة – الثقافة)، إضافة إلى عامل الصيرورة التاريخية التي تتحدد بالتطور الاقتصادي – الاجتماعي – السياسي. وهذه العوامل الثلاثة أساس معظم النظريات في الأمة، بغض النظر عن اهتمام كل نظرية بعامل من هذه العوامل، واعتباره العامل الأساسي في تكوين الأمة.
لقد كان المعنى الأساسي للأمة سياسياً، والمعلن بالشكل الأكثر تكراراً، مرادفاً للشعب والدولة. فالأمة ليست مجرد الشعب بل الشعب مضافاً إليه الدولة الوطنية، باعتبارهما العنصران الثابتان، بينما تُعتبر سلطة الدولة عنصراً متغيّراً تداولياً. وطبقاً للمفاهيم التي ذكرناها، فإنّ الأمتين العربية والكردية موجودتان بالإمكان، لا موجودتان بالفعل.
- – الدولة الوطنية الحديثة، كما تبلورت وتطورت خلال التاريخين الحديث والمعاصر، هي نتاج ضروري لفوضى التنافس القائم في المجتمع، ولكنها أيضاً قوة رئيسية في المحافظة على هذا التنافس والانقسام وإعادة إنتاجه سلمياً. وهي أهم شكل من أشكال التنظيم السياسي، باعتبارها دولة حقٍّ وقانون. كما أنها ضرورية لبقاء المجتمعات التعددية، التي تتميــــّز بأشكال متنوعة من الإدارة والمعايير الاجتماعية.
وفي العالم العربي يبدو أنّ الخطوة الأولى الضرورية هي إدراك الوعي السياسي العربي حقيقة إشكالية بناء الدولة الوطنية الحديثة. وفي هذا السياق، إنّ الوحدة العربية لن تكون في يوم من الأيام اتحاد جماهير قبائل ولا إمبراطورية أرياف، وإنما اتحاد دول تبحث عن تعزيز مصالح شعوبها، من خلال شراكات اقتصادية وتنموية.
وفي سورية، أظهرت الكارثة السورية مدى حاجتنا إلى بناء الدولة السورية الحديثة، لكل مكوّناتها القومية والطائفية والمذهبية، على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، بما يشكل إغناء للوطنية السورية الجامعة.
إنّ العالم يتجه نحو قيام تكتلات إقليمية كبرى، تشكل مجالاً حيوياً في الاقتصاد والتنمية، وعنصراً رئيسياً في الأمن، وضمانة فعلية للاستقلال السياسي، وشرطاً ضرورياً للتحرر من الهيمنة الخارجية. وقد أصبح واضحاً أنه في القرن الواحد والعشرين لا مكان للشعوب والدول الصغيرة التي لا تنضوي في كتل بشرية ضخمة، وتزيد في مواردها عن حجم معين يمكّنها من الصمود والاستقرار. وعليه من حق السوريين أن يعملوا، بعد التخلص من آثار الكارثة التي حلت بهم بعد ثورتهم المغدورة، على الانضواء في نظم إقليمية تخدم مصالح الشعب السوري، لعلّ من أهمها منطقة الهلال الخصيب.
(*) – مقدمة حوار جرى في ” منتدى الحوار المدني الديمقراطي ” – 7 آب 2023.