الحركة اتفقت مع حكومة نتنياهو على تصدير عمال غزة إلى تل أبيب بـ”تصريح مشغل”. في سبتمبر (أيلول) الماضي رفضت وزارة العمل التي تتبع لحكومة غزة وتديرها حركة “حماس” مقترحاً إسرائيلياً يسمى “تصريح المشغل”، ويقضي بالسماح لعمال القطاع الراغبين بالعمل في محيط تل أبيب الحصول على موافقة مباشرة من مشغل إسرائيلي، وفيما اعتبرت هذه الآلية ابتزازاً أمنياً، لكن سرعان ما تراجعت الوزارة عن ذلك وتبنت القرار.
وأخيراً منحت الوزارة تراخيص لشركات عدة في غزة للقيام بدور الوسيط مع أخرى في إسرائيل والتواصل والتعاون معها لإصدار تصاريح عمل مباشرة من المشغلين هناك، والتي تم اعتبار هذه الخطوة ضماناً لحقوق العمال.
فرق تصاريح
ويعد “تصريح المشغل” مقترحاً إسرائيلياً قدمه منسق حكومة تل أبيب للأراضي الفلسطينية، ويتمثل في إتاحة الفرصة لأرباب العمل بتشغيل أحد الأشخاص من غزة لديهم، من طريق تقديم المشغل طلباً لمكاتب التنسيق والارتباط الإسرائيلية يطلب فيه إذناً للشخص من القطاع بالسفر إلى إسرائيل والمكوث فيها من أجل العمل.
و”تصريح المشغل” أحد نوعين من الأذون التي تعمل بها إسرائيل، بعد أن سمحت لسكان غزة بالمرور لأراضيها بهدف العمل، وذلك ضمن تفاهمات جرت مع حركة “حماس”، بينما الإذن الآخر المتبع يسمى “تصريح حاجات اقتصادية”.
وبموجب “تصريح حاجات اقتصادية” فإنه يجب على العمال الراغبين بالسفر إلى إسرائيل تقديم طلب إلى وزارة العمل، وينتظرون دورهم في طوابير طويلة، إذ إن هناك نحو 140 ألف فرد من غزة قدموا بياناتهم من أجل السفر لإسرائيل بغرض العمل، ثم ترسل الأسماء إلى هيئة الشؤون المدنية (مؤسسة حكومية تعمل على التنسيق المباشر مع إسرائيل في شأن تصاريح العمال)، والتي بدورها ترسلها إلى تل أبيب لدراستها أمنياً وتنتظر الرد، بعد ذلك يبلغ العامل بالموافقة أو الرفض، وإذا سمح له بالسفر فإنه بعد أن يصل إسرائيل يبدأ البحث عن عمل.
و”تصريح المشغل” عكس ذلك تماماً، ويعني أن يتواصل العامل في غزة بشكل مباشر مع صاحب عمل في إسرائيل، من دون أن يقدم بياناته لوزارة العمل وينتظر دوره، ويسافر بموجبه مباشرة، بدلاً من أن يبذل جهداً بالبحث عن فرصة.
ولأن “تصريح المشغل” أسهل وأسرع، لجأ له سكان غزة على رغم رفض المؤسسة الحكومية له، إذ كانوا يدفعون أموالاً طائلة لمن يستطيع أن يجد لهم فرصة عمل عند مشغل إسرائيلي بشكل مباشر وعلى أثره يغادرون القطاع، على رغم أن إصدار التصاريح مجاني من جميع الأطراف، وكان ذلك سبباً في رفض وزارة العمل هذا المقترح واعتبرته أيضاً ابتزازاً مالياً.
موافقة بعد تعنت
وقال وكيل وزارة العمل إيهاب الغصين وقتها “لا نقبل بالابتزاز المالي من قبل سماسرة التصاريح، أيضاً هناك ابتزاز أمني يتعرض له بعض المواطنين، من أجل تحقيق مصالحهم وحصولهم على التصريح”.
وعلى رغم هذا الرفض لمبدأ التواصل مع الجانب الإسرائيلي بشكل مباشر، فإن وزارة العمل قدمت مقترحاً لرئاسة حكومة غزة بتفعيل نظام شركات في القطاع تتولى إصدار “تصريح مشغل” وبالفعل تمت الموافقة عليه.
وتعد هذه المرة الأولى منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994 التي تعلن فيها حكومة فلسطينية عن تأسيس شركات تجارية خاصة تتعلق بتصاريح العمل داخل إسرائيل، وهو ما نظر إليه مراقبون سياسيون بأنه أمر لم يجرؤ عليه أي رئيس وزراء، لأنه يتطلب اتصالاً مباشراً مع الحكومة الإسرائيلية والجهات الأمنية المكلفة بذلك.
مصلحة عمالية
ويرى الغصين أن هذه الخطوة جاءت للمصلحة العامة للعمال ومنعاً لاستغلالهم وابتزازهم مالياً، وفي ظل انتشار تجار وسماسرة تصاريح العمل، وأيضاً لمراقبة العمل في ملف التصاريح واستمراريته بشكل أفضل من دون تعرض العمال لأي ضغوط.
وقال المسؤول الفلسطيني “رفضنا منذ اليوم الأول تصاريح الحاجات الاقتصادية كونها لا تعطي العمال حقوقهم من إصابات العمل والوفاة وغيرها، وكنا نريد تصاريح من طريق المشغل، وفي هذا الإطار منحنا خمس شركات هذه الصلاحية”، لافتاً إلى أن هذه الخطوة لن تلغي دور الشؤون المدنية.
وبحسب الغصين فإن عمالاً من غزة حصلوا على تصريح مشغل من طريق سماسرة، لكن عندما وصلوا إسرائيل لم يجدوا فرصة عمل وتعرضوا لعمليات نصب، مشيراً إلى أن هذه الشركات توفر فرصاً حقيقية، وتضمن حصول العامل على حقوقه العمالية.
وأوضح الغصين أن هذه الشركات ستكون المسؤولة أمام الجهات الحكومية لتحصيل حقوق العمال، كما أنها ستقدم كفالات مالية للحكومة من أجل ممارسة عملها والبحث عن عمل لهم والدفاع عن حقوقهم ومستحقاتهم، وفي حال نشب خلاف بين العامل والمشغل الإسرائيلي فإنها ملزمة متابعة حقوقه من خلال مستشارين قانونيين.
رفض فصائلي
ومنذ بداية تسجيل العمال بواسطة حكومة غزة للعمل في إسرائيل رفضت فصائل فلسطينية هذه الخطوة، ومن أبرزها حركة الجهاد الإسلامي، إذ قال قائدها زياد النخالة “استغربنا تسجيل حكومة حماس أسماء الأشخاص للعمل داخل تل أبيب، التي تريد تحويل القطاع إلى مخازن عمال وهذا لا نقبله”.
وأضاف النخالة “إسرائيل فشلت في ترويض غزة بالحرب، والآن تحاول ذلك عبر التسهيلات الاقتصادية، والجميع يراهن أن المقاومة ستخشى على الامتيازات والتسهيلات ولن تدخل بحرب، لكن هذا لن يحدث”.
ومن جانب آخر قال الوزير الفلسطيني السابق حسن عصفور إن ملخص الخطوة الحمساوية يعني تأسيس مصادر سيطرة وتحكم على العمال، والخطر أن هذا الأمر يحتاج إلى اتصالات مباشرة مع إسرائيل وهو ما كانت ترفضه “حماس” في البداية.
وأضاف عصفور “ملف العمال مصنف في إسرائيل أنه أمني ويحتاج إلى تواصل مع وزارة الدفاع وجهاز الشاباك، فهل لدى حماس قناة تنسيق أمني مع تل أبيب، وإلا لماذا وافقت على أن تقوم شركات بالتنسيق المباشر معها”، لافتاً إلى أن هذه الخطوة لن تتم إلا إذا وافقت عليها حكومة بنيامين نتنياهو، وهذا يعني أن إسرائيل منحت حكومة غزة امتيازات خاصة وهي “المال مقابل الهدوء”.
المصدر: اندبندنت عربية