بعد مسار طويل من التخبط والاخفاقات في وضع الخطط والمطالبات الموجهة للمجتمع الدولي حول ملف اللاجئين السوريين، تقدمت حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي خطوة شكليّة، مع إعلان وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب التوصل مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى تسليم الداتا التابعة لجميع السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية.
شكلية الاتفاق
هذا الاتفاق، الذي جاء بعد نحو عام من التفاوض، يطرح أسئلة إشكالية حول مرحلة ما بعد إنجازه، ولعل أبرزها: كيف سيستعمل لبنان الرسمي الداتا تحت سقف الاتفاق من جهة، وفي ظل مساعيه لإعادة اللاجئين إلى سوريا خلافا لرغبة المجتمع الدولي من جهة أخرى؟
عمليًا، وضع بو حبيب الاتفاق في إطار الإنجاز اللبناني الرسمي، معتبرًا أن الحصول على الداتا حقّ من الحقوق السيادية أولًا؛ كما يخدم برأيه مصلحة الجانب الأممي والدول المانحة ثانيًا، لجهة آلية الاستفادة من التقديمات قانونيًا وضبط الوجود السوري في لبنان.
هذا الاتفاق الذي أعلن عنه خلال لقاء بو حبيب بالمستشار العام للمفوضية لانس بارثولوميوز ورئيس خدمة البيانات العالمية فولكر شيميل، وافقت عليه المفوضية بعد تعهد الحكومة اللبنانية بعدم استخدام أي بيانات تتم مشاركتها لأغراض تتعارض مع القانون الدولي، إضافة إلى تأكيد لبنان التزامه بمبدأ عدم الإعادة القسرية للاجئين. وعليه، ستشارك المفوضية البيانات المتعلقة باللاجئين السوريين بما يتماشى مع المعايير الدولية لحماية البيانات وخصوصيتها، ووفقا لمعاييرها المطبقة في جميع البلدان.
ويرى مراقبون أن هذه المسألة ما زالت غامضة، وقد يحاول لبنان الرسمي الاستفادة من هامشها بهدف المضي لاحقًا بخطته التي تحمل عنوان “الترحيل الآمن”. وذلك باعتبار الخطة هدفًا محوريًا له، لكنه سيواجه عقبات وضوابط كبيرة تحول دون تنفيذها. ويُذكر أن هذه الخطة عادت إلى النقطة صفر، مع قرار الوزير بو حبيب التنحي عن رئاسة الوفد الرسمي، في منتصف تموز الفائت، والذي كان من المفترض أن يحدد موعدًا لزيارة دمشق.
وهنا، تفيد معلومات “المدن”، بأن التوصل لهذا الاتفاق، لا يعني حتمًا موافقة أو تسهيلًا ضمنيًا لمساعي لبنان بملف إعادة اللاجئين السوريين.
كيف ذلك؟
يشرح مصدر مطلع على القوانين الدولية لحماية البيانات لـ”المدن”، الأسباب التي تؤكد عدم ارتباط تسليم الداتا من قبل المفوضية بمسعى لبنان لإعادة اللاجئين السوريين، وأبرزها:
لأن المفوضية تشارك البيانات الشخصية للاجئين مع بلدانهم الأصلية فقط وحصرًا عندما يمارسون حقهم بالعودة الطوعية. وبينما تُتخذ إجراءات عديدة تضمن أن أي قرار بالعودة يكون طوعياً وأن اللاجئين على دراية كافية بإجراءات العودة، ومن ضمنها مشاركة بياناتهم الشخصية.
في حال شاركت المفوضية البيانات الشخصية للأشخاص مع أطراف ثالثة، ومن ضمنهم الحكومات، تحدد مسبقًا السياسة شروطاً وضمانات واضحة للامتثال لمبدأ حماية البيانات، كما وللمعايير التشغيلية.
إن لبنان مُلزم، بموجب الاتفاق، أن يتقيد بمبادئ الشفافية والشرعية والإنصاف، التي تندرج في صلب سياسة الحماية الدولية للبيانات التابعة للمفوضية، و”توضح هذه السياسة أدوار الأطراف الثالثة ومسؤولياتهم في معالجة البيانات الشخصية”.
عمليا، تعد البيانات الشخصية التي يتم جمعها ومعالجتها بواسطة المفوضية جزءاً من سجلات الأمم المتحدة وهي محمية من تدخل الدول بموجب القانون الدولي. وتتم مشاركة البيانات الشخصية في ظروف محددة للغاية، على سبيل المثال لتمكين اللاجئين من الحصول على الوثائق في البلد المضيف أو لإعادة توطينهم في بلد ثالث. عندما تتمّ مثل هذه المشاركة، فهي تكون لغرض محدد وواضح ومبنيّ على تقييم شامل للمخاطر التي تنطوي عليها وينظمها اتفاق مكتوب بين المفوضية والحكومة المضيفة.
وعليه، يرى مراقبون بأن الاتفاق بين لبنان والمفوضية مكتوب وموقع ببنود واضحة، وهو قيد الاختبار في آلية الاستفادة من البيانات المتعلقة باللاجئين.
وتشير المعلومات إلى أنه من المفترض أن يعرض الوزير بو حبيب نص الاتفاق على الحكومة قريبًا، في حين، لم تتوصل بعد إلى توافق لجهة تعيين رئيس وفد جديد بدل بو حبيب لزيارة دمشق.
وحتى الآن، ما زالت الآفاق مسدودة أمام خطة لبنان، وذلك لاعتبارات عديدة، نعيد التذكير بها وأبرزها: حصر المباحثات بصورة ثنائية بين الحكومتين اللبنانية والسورية وعدم التمكن من تشكيل لجنة ثلاثية مع المفوضية لمتابعة تنفيذ الخطة، وهو مطلب لم يعرضه لبنان رسميًا على المفوضية. صعوبة تنفيذ خطة من هذا النوع في ظل الرفض الدولي لها. عدم جهوزية سوريا لاستقبال اللاجئين، لوجستيًا وجغرافيًا وأمنيًا، عدم تسوية الأوضاع الأمنية للسوريين المهجرين، ودمار معظم مناطقهم ومنازلهم التي تشكو من إشكاليات قانونية حول الملكية. إضافة إلى أن المناخ السياسي بالمنطقة يعكس تراجعًا بالحماسة في الانفتاح على النظام السوري، واستمرار فرض العقوبات الغربية التي تشكل حصارًا كبيرًا على سوريا.
بيان روسي
وفي توقيت أثار علامات الاستفهام بعد يوم واحد من إعلان بو حبيب تسلم داتا السوريين، أصدرت السفارة الروسية في لبنان، بيانًا استغربه كثيرون تحت عنوان “الألعاب الاستعمارية الجديدة للغرب واللاجئين السوريين في لبنان”. وربط البيان وضع اللاجئين السوريين، بما أسماه “ذرائع مختلفة” للغرب، “محاولاً إبقاءها في حالة نزيف دائم وكفاح طويل ضد الإرهاب الدولي، لذلك يتم عمدًا احتجاز الملايين من السوريين الذين أجبروا على ترك ديارهم، في دول أخرى”.
ويرى محللون أن هذا البيان الذي يصب بإطار الدفاع عن النظام السوري والهجوم على خصوم روسيا الغربيين في جبهات متعددة، قد أغفل جزئية عدم رغبة النظام السوري نفسه بعودة اللاجئين السوريين، الذين وإن عادوا، لن يجدوا معظم منازلهم التي قضت عليها آلة الحرب وعمليات الاستيلاء. إضافة إلى أن روسيا الداعمة للنظام، غير قادرة على الانخراط بعملية إعادة الإعمار بالظروف الراهنة.
المصدر: المدن