هذه ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها العراق الى محنة او كارثة او احتلال، ويحل به الدمار والخراب، وتعلو فيه كلمة الخونة والانذال، امثال هؤلاء الاشرار المقيمين في المنطقة الخضراء. وقد قدم لنا التاريخ أكثر من عشرين نموذجا من المحتلين عبر تاريخه القديم والوسيط والحديث، جميعهم عاثوا في العراق خرابا ودمارا. بدءا بالجوتيين قبل اربعة الاف سنة، وانتهاء بالاحتلال الامريكي بعد ستة الاف سنة، مرورا بالعيلاميين والكوشيين والميتانيين والمغول والفرس والاتراك والبريطانيين. وكنموذج للتخريب والدمار، فان هولاكو، كما ذكر المؤرخون “فتك باهل بغداد ونسائها ورجالها، واحرق المدينة واسواقها وحولها الى خراب، وقتل اكثر من مليون عراقي خلال اربعين يوما، وبنى من رؤوس الضحايا ابراجا في بغداد”. لكن العراقيين تمكنوا في كل مرة من طرد المحتل، واعادة بناء بلدهم من جديد. حتى قيل عن العراق، انه مقبرة للغزاة. وسمي شعبه بالعماليق. وعلى يدهم انتهى الخونة في مزبلة التاريخ .
الاستطراد هنا له وظيفة. فالأشرار في العملية السياسية، وسندهم المليشيات المسلحة، تجاهلوا هذه الحقيقة، وواصلوا ارتكاب جرائمهم ضد الثورة العراقية، ظنا منهم بان المحتل الامريكي ووصيفه الايراني قادران على حمايتهم واستمرار بقائهم الى ما لا نهاية. فعلى مدى الايام الثلاث الماضية هاجمت هذه العصابات ساحات التحرير في بغداد والنجف والمثنى والقادسية والسماوة والديوانية، بالرصاص الحي والقامات والمناشير، باشراف عدد من المجرمين والساقطين اخلاقيا من اتباع مقتدى الصدر، يحملون اسماء قذرة مثل “جريدي والوسخ والاعور”. الامر الذي دفع بعض المتظاهرين إلى حرق دار الضيافة التابعة لمحافظ النجف الواقعة بجوار مبنى المحافظة، مرددين شعارات ضد الحكومة المحلية، والسلطات المركزية في بغداد، بسبب صمتها عن استمرار قمع التظاهرات. والمصيبة ان هذه المليشيات، التي تعمل تحت غطاء الشرطة، او الاجهزة الامنية او قوات مكافحة الشغب تدعي بوقاحة، حماية المتظاهرين من المندسين، تيمنا بالمثل الدارج “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”.
نعم يا مقتدى الصدر وهادي العامري وقيس الخزعلي، ولتسمع المرجعية الدينية في النجف ايضا، التي تصمت صمت القبور عن قتل النفس البريئة، وتنتفض على حرق اطار سيارة او كسر زجاج محل تجاري، بان هذا المحتل قد يكون مختلفا عن نظيره في الماضي البعيد او القريب، من حيث القوة وتطور الاسلحة، اضافة الى جيش الخونة، ومجموعات الساقطين اجتماعيا واخلاقيا الذين يلتفون حول هذا
المحتل. لكن الذي لم يختلف ابدا هو طبيعة الشعب العراقي الرافض دائما وابدا للظلم والطغيان. والخضوع لحكم السفلة والانذال، او التهاون في طرد العدو، مهما علا شانه وتعاظم حجم قوته، والتف حوله عملاء وسفلة. كما لم تقل شجاعة هذا الشعب العملاق وجبروته يوما، ولا تزعزع ايمانه الذي اودعه الله في صدور ابنائه. واليوم تجسدت كل هذه المفردات بشباب ثورة تشرين العظيمة، واكتملت كل عناصر انتصار الثورة. وهي كثيرة جدا جدا.
فحاجز الخوف من هذا المحتل وعملائه والمليشيات المسلحة والحرس الثوري الايراني واستخدام القوة العسكرية، لا وجود له امام عزيمة الثوار واصرارهم، وحين ينكسر حاجز الخوف عند الشعوب يمنحها مزيدا من القوة والتصميم على مواصلة الثورة. فلا تعبأ بما أصابها، ولا تتعب من استكمال طريقها ولا تخشى من تقديم ارواحها فداء للوطن. في حين تضعف بالمقابل عزيمة الخونة ويتخلون عن اصرارهم على التمسك بالسلطة وصولا الى البحث عن طرق امنة للنجاة بجلودهم. هكذا هو ديدن الحكام الخونة، وهكذا هي انظمة الاستبداد تهزها الثورات بل تهزها شعارات الثوار واهازيجهم. اما قوتهم العسكرية واجهزتهم الامنية فتفقد السيطرة وهي تواجه الجموع البشرية الثائرة. وهذا ما سيحدث لكم، يوم الزحف الكبير، يوم يدخل الناس في دين الثورة افواجا ومن كل فج عميق، حاملين رايات ” نريد وطن” واسقاط العملية السياسية. حينها ستلجؤون الى لبس العباءات لضمان نجاتكم، كما لبسها من قبلكم، حكام الاحتلال البريطاني، امام ثوار تموز عام 1958.
ثم ان تجارب الشعوب طيلة القرن الماضي قد اكدت، بانه يكفي لاسقاط سلطة استبدادية في بلد ان يثور اربعة في المئة من مجموعه، او اقل من هذه النسبة اذا كانت فعالة وتتوفر على قدرات تنظيمية عالية. في حين ترتفع فرص النجاح اذا ابدى الثوار استعدادا للتضحية كما هو حال ثوار تشرين. فعلى سبيل المثال، فقد حققت ثورة الفلبين نجاحا بمائة الف متظاهر، وحققت ذات النتيجة الاحتجاجات في البرازيل باقل من هذا العدد. في حين نجحت الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 بمثل هذا العدد. ناهيك عن ثورة الغناء في إستونيا في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وثورة الزهور في جورجيا في مطلع 2003. ولا يغير من هذه الحقيقة فارق القوة في العراق ووجود مليشيات مسلحة ودعم مرجعيات دينية. فهؤلاء حرامية، والحرامية لا يمتلكون الشجاعة والقدرة على الصمود حين تزحف الجماهير نحو اوكارهم. ولا زال منظر هؤلاء الاشرار المشين والمعيب ماثلا امام العيون وهم يهربون من المنطقة الخضراء امام مئات من المتظاهرين. ولولا الموقف المخزي لمقتدى الصدر وتمكنه من خداع المتظاهرين بالانسحاب من داخل المنطقة الخضراء، لنجحت الانتفاضة حينها. اما اليوم، فان مقتدى او غيره قد رفضتهم الجماهير ولم يعد لهم اي تاثير يذكر. خاصة بعد ان تبينت وصولية مقتدى وانتهازيته والاكثر من ذلك عمالته لايران وتمسكه الشديد
بالعملية السياسية. ولنا في طرد مقتدى من ساحة التحرير في النجف من قبل الثوار خير دليل على ذلك. اما محاولات اعلام السلطة لارباك مفاهيم الثورة وتشويه صورتها وبث عوامل الفرقة بين الثوار والهجوم على قيادات الثورة وإثارة الشبهات حولهم واتهامهم بأنهم يعلمون لصالح أجندات خارجية، فهذه عفى عليها الزمن وتجاوزتها الاحداث. اي ان ما كان مجديا في السابق لم يعد كذلك بعد ثورة تشرين.
ان يوم الزحف الكبير على المنطقة الخضراء قادم، وسيكون يوم المعركة الوطنية الكبرى، يوما ليس كبقية ايام الثورة، ستتبخر فيه قوة هؤلاء الاشرار وسيلقون اسلحتهم في الشوارع، او تباع كما باع جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر سلاحه في اسواق الخضروات والفواكه. وسيكون في مقدمة الهاربين رؤساء المليشيات المسلحة واولهم مقتدى الصدر وسراياه المسماة بالسلام. وسيزدحم بالباقين طريق بغداد طهران. اما العميل المزدوج مصطفى الكاظمي وحكومته، فانهم سيقعون حتما في قبضة الثوار وسيحاكمون امام العدالة وينالون جزاءهم العادل وستلاحقهم لعنة التاريخ وعار الخيانة الى يوم الدين.
هذا ليس حلما ولا وهما على الاطلاق. فعموم العراقيين، وليس نسبة قليلة منهم، قد امنوا تماما، بان ليس بمقدور الكاظمي ولا حكومته ولا غيرها الوفاء باي اصلاح مهما كان متواضعا. فهذه الحكومة هي الاخرى ولدت من رحم عملية فاسدة ازكمت رائحتها الكريهة الانوف. وامنوا اكثر، بان اصلاح العملية السياسية من داخلها هو ضرب من المستحيل. وان الفساد في ظل هؤلاء الاشرار سيظل ينخر في جميع مؤسسات الدولة بكل مفاصلها. وان هؤلاء الاشرار لا تحكمهم شريعة او قانون ولا ذمة ولا ضمير. وان المجرم منهم بدل ان ينال العقاب نال الثواب والثناء. بل كلما زادت جريمة هذا المسؤول او ذاك تضاعف ثوابه، فاذا كان فقيرا يصبح غنيا، والمليونير يغدو مليارديرا، والمدير يرتقي الى مدير عام، والوزير يصبح رئيس وزراء وهكذا. اما الجريمة فلا احد يسال عن نوعها، او درجة عقوبتها. فكل الجرائم بمختلف انواعها مسموح بها لحكام العراق، سواء كانت سرقة او فسادا ماليا، او رشوة او تجارة مخدرات أو غسيل اموال، او تهريب ثروة نفطية او عقد صفقات مشبوهة، او تشريع قوانين لصالح الاجنبي، مثل قانون شركة النفط الوطنية، الذي جرى التوقيع عليه في ليلة ظلماء، من قبل البرلمان ورئيس الجمهورية. وحتى سيادة العراق برا وبحرا وجوا جرى التفريط بها، فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد فرط حكام العراق باراض حدودية ومياه اقليمية، لصالح امارة الكويت، مقابل مبالغ ضخمة حولت في حساباتهم في الخارج.
ولكي لا نطيل اكثر، وباختصار شديد جدا، فان الثورة العراقية قادمة لا محال، وانها ستسقط هذه الحكومة وعمليتها السياسية، وستمزق الدستور الذي كتبه المحتل، وتستعيد وحدة العراق وعروبته وستحاسب شبكات الفساد ومافيات النهب لاموال الشعب، وترد الحقوق لاصحابها دون زيادة او نقصان. فهؤلاء الأشرار لن يكفوا عن الاجرام والسرقة ونهب المال العام، وانما سيصرون على الاستمرار في هذا الطريق الاجرامي والخياني، وهذا ما اكدته مجريات الصراع الدائر حتى الان، فما من شيء يشير، ولو من بعيد، تدل على يقظة ضمير او مراجعة للذات الخبيثة. بل على العكس من ذلك ما زال الجميع يقاتل من اجل الحصول على مزيد من المكاسب غير المشروعة.
ان من يصر على تشجيع الناس على الانتظار ومنح فرصة لهؤلاء الاشرار، مقابل دراهم معدودات، انما يساهم في استمرار نزيف الدم العراقي البريء. لسنا اقل من الشعوب الاخرى التي كنست حكامها الظالمين وعملاءها المؤجورين عن طريق الثورات والانتفاضات الشعبية. وهذا ما سيفعله ثوار تشرين الابطال.
المصدر: كتابات