تتوقف بعض السيارات على الطريق الواصل بين مدينتي سرمدا والدانا الحدوديتان أمام محل الجوهرة الذي افتتح حديثاً والذي يبيع عصير قصب السكر، حيث يعمد الأهالي هنا وفي هذه المساءات الحارة وللتخفيف من حرارة الجو والترفيه عن أنفسهم وعيالهم، إلى الخروج من بيوتهم وتناول بعض المشروبات الباردة، ولتتداخل أنوار السيارات العابرة مع إضاءة الإعلانات المنبعثة من محلات الجوهرة، وينزل البعض لتجربة هذا العصير الجديد على قائمة المشروبات الباردة المتوفرة.
يتوقف أبو محمود وينزل من سيارته أمام محل بيع عصير القصب وهو يسحب أطفاله مبينًا لصحيفة إشراق سبب توقفه:
“بعد أن شاهدنا الإعلان عن وجود عصير قصب السكر وقد سمعنا عنه كثيرًا من قبل عبر وسائل الإعلام والمسلسلات المصرية، أحببت أن أجربه و أعرِّف أولادي عليه”.
وبعد أن تناول أبو محمود وأطفاله العصير، حمل كأسين لزوجته وطفلته الصغيرة المنتظرتين داخل السيارة وهو يمدح بالمشروب الجديد ويؤكد أنه سيكرر زياراته للمحل.
يقف على نافذة البيع زبون آخر منتظرًا دوره قال:
في طريقنا إلى مدينة الدانا، شاهدنا هذا المحل الذي يقدم عصير قصب السكر وهو من العصائر الجديدة والتي نشاهدها هنا للمرة الأولى وبما أنه عصير طبيعي وخالي من الملونات والمنكهات، لذلك توقفنا لتجربته.
أما صاحب فكرة إدخال عصير قصب السكر إلى المحرر ومنفذها فهو الشاب زكريا الموسى النازح من ريف إدلب الجنوبي إلى منطقة سرمدا، يشرح فكرة المشروع بقوله:
” بعد متابعتي للمواقع الإلكترونية ومتابعتي لوسائل التواصل الإجتماعي والمسلسلات المصرية، لاحظت انتشارًا كبيرًا لعصير قصب السكر في مصر، وتوقعت أن إدخاله إلى الشمال السوري سيلقى رواجًا وذلك لأنه طبيعي وخالي من كل المواد الكيماوية كما أنه يتمتع بدرجة عالية من الحلاوة ويشبه في طعمه الأناناس ويفيد في تقوية العظام والأسنان”.
وتابع الموسى القول أنه تواصل مع بعض الأخوة في مصر وتمت الإستجابة لطلبه من بعض التجار الثقات واستورد كمية منه وكانت انطلاقتهم التي لاقت رواجًا، حيث يعملون في المحل على تنظيف أعواد القصب قبل وضعه في ماكينة العصر، وذلك للحصول على عصير طبيعي طازج، يتم إضافة مكعبات الثلج لتبريده كما يضاف إليه شرائح الليمون للتخفيف من درجة حلاوته الكبيرة والتي يفضلها الأخوة في مصر بينما لا تروق تلك الحلاوة الكبيرة للسوريين.
يذكر أن شراب عصير القصب هو الشراب الأكثر شهرة في مصر، وها هو اليوم يدخل سورية عبر بوابة سرمدا الحدودية، وهو الأول من نوعه، ويلقى رواجًا واستحسانًا من الزبائن.
لكن الزبائن شكوا من ارتفاع سعره حيث تباع الكأس منه بمبلغ عشرين ليرة تركية والليتر الواحد بخمسين ليرة، وذلك ما يعوق شراءه من قبل الكثير من ذوي الدخل المحدود العاجزين عن تأمين الحاجات الضرورية والذين يتقاضون أجورهم بالليرة التركية التي فقدت ربع قيمتها في الشهر الأخير واقترب سعر الدولار الواحد من خمس وعشرين ليرة.
وبعد أن نقلنا هذه الشكوى للمشرف على المحل قال أنهم سيعملون على إحضار كؤوس قياسات صغيرة وزجاجات أيضًا لمساعدة الزبائن، وأضاف أنهم لا يستطيعون تخفيض السعر لأن تكلفة الطن الواحد مرتفعة جدًا وتقترب من ٩٠٠ دولار.
توجهنا بالسؤال للمهندس الزراعي علي محمود العبسي المختص في المحاصيل الحقلية عن إمكانية زراعة قصب السكر في مناطق الشمال فأجاب:
“زراعة قصب السكر ليست جديدة علينا، فقد كان يزرع على مساحات كبيرة في سهل الغاب وجسر الشغور وقلعة المضيق وكان يورد إلى معمل السكر في الجسر لإنتاج السكر، وذلك لأن زراعة قصب السكر أجدى من زراعة الشوندر السكري وأسهل في التعامل وأكثر إنتاجًا، ولكن لم يكن يستخدم لإنتاج العصير كما يحدث الآن، وفكرة نقل زراعته إلى مناطقنا المحررة ممكنة في حال زرع عدة دونمات فقط وعلى مساحات صغيرة وذلك لاستخدامه كعصير فقط وفي حال توفر التعاقد مع موزعي العصائر والكفتريات التي تقدم المشروبات الباردة، ولأنه لم يعد لدينا معامل للسكر في الشمال.
أما عن زراعة قصب السكر، يقول المختصون في الزراعة أنه يزرع في المناطق الحارة، ويحتاج إلى تربة خصبة ومياه غزيرة لكي ينمو، وأكبر الدول المنتجة له البرازيل والهند، ويعد المشروب الشعبي للعديد من الدول، وذلك لفوائده الكثيرة التي يجملها المختصون في الآتي:
“قصب السكر يحتوي على مركبات خاصة تساعد في خفض مستويات الكوليستيرول، والدهون الثلاثية في الجسم، مما يساهم في الوقاية من أمراض القلب والشرايين، كما أنه يعزز عملية حرق الدهون وتعزيز الشعور بالشبع لفترة طويلة مع الإمداد بسعرات حرارية قليلة، والحفاظ على ثبات مستويات السكر في الدم لفترة أطول، ويعمل على مقاومة بعض أنواع السرطانات مثل: سرطان الثدي، وسرطان البروستات مع تقوية مناعة الجسم”.
ويؤكد مختصو التغذية على الانتباه من أن عصير القصب الطازج سرعان ما يتأكسد ويخسر فوائده إذا ما تعرض لدرجات حرارة عالية تدمر معظم المواد الغذائية المفيدة فيه، لذا يجب شربه فور عصره للتمتع بفوائده، وينصح بشربه في أيام الصيف الحارة للحفاظ على رطوبة الجسم وإرواء العطش وإمداد الجسم بالطاقة.
وافد جديد يدخل قائمة العصائر الطبيعية الباردة المتوفرة في أسواق الشمال المحرر مثل السوس والجلاب والتمر الهندي، وغلاء سعره يرغم الكثير على الإحجام عن شرائه، بانتظار دخول مستثمرين جدد سوق المنافسة لتوفيره وبسعر يناسب من أنهكهم الغلاء والفقر والنزوح.
المصدر: اشراق
