مفارقة واضحة بين موقفين “أوربي غربي، وعربي” من نظام أسد بعد اثني عشر عاماً من تفجّر الصراع في سورية.
الموقف الأوربي/الغربي واضحٌ وضوح الشمس في الدفاع عن حقوق الشعب السوري في الحرية، والكرامة، وبناء الدولة الديمقراطية. وهو موقف يستند على الأسس والقيم والمبادئ التي تأسست عليها هذه الأمم المقدسة للمواطن والإنسانية وحقوقهم.
مواقف الدول العربية هي الأخرى واضحةٌ ومستهجنةٌ، ووضوحها، يكمن في قفزها فوق جرائم كبرى، ارتكبها نظام أسد بحقّ السوريين. إذ سعت دولٌ عربية إلى عودة هذا النظام إلى الجامعة العربية وفتح حوار لبدء علاقات معه، وبعضها كان قد أعاد علاقاته معه، وهو من ثبتت عليه انتهاكاته الفظيعة بحق الشعب السوري.
الموقف الأوربي/الغربي، سواء الحكومي أو الشعبي، من نظام أسد ليس مجرد موقفٍ أخلاقيٍ فحسب، بل هو موقف يرتكز على خبرة مؤلمة وإيمان عميق ومقدس بأن هناك ديكتاتورياً مستبداً قد ارتكب جرائم إبادة جماعية ضد شعبه وضد الإنسانية ويجب جلبه للعدالة وعدم السماح له بالإفلات منها. وهو أيضاً يستند على فهم حقيقي لمفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحمايتها والدفاع عنها. هذا الموقف لا يُسقط الحقوق، ولا يُغمض عينيه عن جرائم مرتكبة وموثقة، بل إنه يعمل على مبدأ حقوقي يقول: “بأن الجرائم ضد الإنسانية، هي جرائم لا تسقط بالتقادم”، ويجب تطبيق مبدأ المحاسبة وفق أصول المحاكمات الدولية العادلة.
موقف دول الجامعة العربية من نظام أسد يختلف جوهرياً في مقدماته، فهو موقف لا يعبر عن موقف شعوبهم من هذا النظام فهو موقف يفتقر إلى الارتكاز الحقيقي على مبادئ حقوق الإنسان، لأنه أساساً ينبع من أنظمة سياسية ديكتاتورية واستبدادية وغير ديمقراطية ولم تصل إلى الحكم في بلدانها عبر صناديق الانتخاب والمنافسة السياسية الحرة، فهي إما أنظمة عائلية شمولية، أو أنظمة وصلت الحكم عبر انقلابات عسكرية. وهي أنظمة بعيدة كل البعد عن أبسط المسلمات الإنسانية وحقوق الإنسان في الحرية والعدالة والديمقراطية وحريه الانتخاب وحرية إبداء الرأي دون خوف أو إرهاب سلطوي حكومي.
موقف الدول الأوربية خصوصاً، والغربية عموماً من نظام أسد، يقوم على رؤية واضحة تقول: “لا تطبيع مع نظام أسد ولا إعادة إعمار في سورية قبل تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالصراع فيها، وفي مقدمتها القرار 2254، ولهذا، لا يمكن رفع العقوبات التي تطبقها المجموعة الأوربية والغربية على هذا النظام، الذي ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، قبل تنفيذ كل ما يتعلق بجوهر تلك القرارات.
إن دلالة كل موقف من الموقفين الأوربي والغربي من جهة، والموقف العربي من جهة أخرى ظهرت من خلال رفض الأوربيين عقد اجتماع دوري بين الاتحاد الأوربي والجامعة العربية، فالاتحاد الأوربي رفض أن يكون ممثل نظام أسد ضمن وفد الجامعة العربية، الذي سيجري محادثات معهم، وهذا يعني، أن موقف الاتحاد الأوربي لا يقبل الاجتماع بوفدٍ يضم ممثلاً لنظام ارتكب جرائم قتلٍ موصوفة بحق شعبه.
موقف الاتحاد الأوربي كان محرجاً لجامعة الدول العربية، فهو أظهرها على حقيقتها التي لا تحترم فيها حقوق الشعوب وحرياتها ولا ترتكز بنيتها على مبادئ شرعة حقوق الإنسان. فكيف تقبل هذه الجامعة تحت حججٍ واهية، إعادة ممثل نظام إبادة بشرية إلى صفوفها!؟ أليس في ذلك تبريراً لجرائم ارتكبها نظام أسد؟ وهذا يعني، إفلات مجرمي الحرب ومرتكبي الفظاعات من مبدأ المحاسبة العادلة؟
قرارات ومواقف دول الغرب الديمقراطي عموماً، وموقف الاتحاد الأوربي خصوصاً لا يمكنهما إغماض العينين عن الجرائم التي ارتكبها نظام أسد، فهما موقفان يخضعان لمساءلة من قبل برلماناتهم المنتخبة أصولاً، والتي يحق لها محاسبة الحكومات على أي انتهاك لشرعة حقوق الإنسان.
كذلك فمؤسسات المجتمع المدني في الغرب تراقب عمل حكوماتها، ويحق لها الادعاء على هذه الحكومات في حالة رفضها الامتثال إلى القوانين والأنظمة المعمول بها في هذه الدول.
أما قرارات ومواقف الدول العربية فهي لا تُتخذ من قبل ممثلي شعوب هذه الدول، بل تتخذ من إرادة الحاكم فيها، والذي هو فوق كل القوانين، ويستطيع العمل من خلالها بما يخدم حكمه، ويستطيع في الآن ذاته أن يقفز فوقها، لأنه لن يتعرض إلى المساءلة من أي جهة كانت.
إن إعادة نظام أسد إلى الجامعة العربية هو موقف معادٍ لحقوق الشعب السوري، الثائر ضد نظامٍ فاسدٍ مجرمٍ، ارتكب فظاعات بحق هذا الشعب، وهذا يعني بصورة صريحة، أن الأنظمة السياسية العربية، التي وافقت وعملت على إعادة هذا النظام إلى جامعتها بحجج غير مقنعة، إنما بتغاضيها عن جرائمه، وتسهيل عودته إلى صفوفها، تعتبر شريكة له بهذه الفظاعات، ولهذا رفض الأوربيون والغرب عموماً الاجتماع مع وفد الجامعة العربية، الذي يضمّ ممثلاً لنظام أسد الخاضع للعقوبات الغربية، فهم لو اجتمعوا مع هذا الوفد، سيعتبر اجتماعهم اعترافاً بخطوة تطبيع مع نظام أسد، وخرقاً لمبادئهم، كذلك خرقاً لقراراتهم التي تقاطع نظام أسد.
إن دعم الموقف الأوربي والغربي من نظام أسد، ورفض الموقف العربي الرسمي من هذا النظام، هما ضرورتان لكفاح الشعب السوري في الدفاع عن حقوقه، هذه الحقوق التي دعستها دباباته بجنازيرها، ودمرتها براميله المتفجرة، وأماتتها أسلحته الكيماوية الفتاكة. كذلك فإن الدفاع عن رفض الغرب التطبيع مع نظام أسد يعني رفضاً للجريمة والإبادة بحق الشعوب، وانتصاراً لمبادئ حقوق الإنسان العالمية.
دعم الموقف الأوربي والغربي عموماً من نظام أسد، يحتاج إلى القيام بحملات إعلامية واسعة، تفضح تشجيع القتلة، والذين إن لم تحاكمهم المحاكم الدولية العادلة، ستستمر جرائهم، وسيكونون مصدر إلهام لكل مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
موقف الدول العربية يختلف جذرياً عن موقف الدول الأوربية والغربية، فهو أساساً لا ينبع من دول ذات مؤسسات وأجهزة حكومية حقيقة نابعة جذورياً من شعوبها أو ذات تمثيل شعبي حقيقي يشارك فيه في صنع القرار الحكومي أو الرسمي للدولة. وهي دول تقاد من أفراد أو زمرة حاكمة لا يوجد فيها محل أو اعتبار لمبادئ حقوق الإنسان في قراراتها أو صياغتها أو عقليتها ووجدانها لأن من يمارس القمع والاستبداد والإجرام يرمي إنسانيته وحقوق شعبه وراء ظهره، ويهمل هذه الحقوق ويقفز من فوقها. ومن هنا تبرز الحاجة لثورة عربية شاملة تطلق الشعوب العربية وتحررها لتقوم بذاتها ببناء أوطانها التي تحترم الحريات والديمقراطية وتسعى لتحقيق العدالة وإرساء الحقوق وتساهم في بناءً الحضارة والإنسانية عبر مؤسسات وأجهزه حقيقية غير مزيفة.
إن رفض الاتحاد الأوربي والغربي التطبيع مع نظام أسد وحتى الاجتماع معه هو موقف عادل وأخلاقي، وهو سيدفع دول الجامعة العربية مستقبلاً إلى إدراك أنهم قد ساروا في طريق مسدود، لأنهم سيدركون أن القفز فوق جرائم نظام أسد التي ارتكبها بحق السوريين أمرٌ غير ممكن ولا يمكن إغماض العينين عنه، وسيكونون مجبورين على تصحيح موقفهم، وإلا فإن جراح السوريين ودماءهم وعذاباتهم ستكون الأمل للشعوب العربية في تحطيم استبداد وظلم وقمع أنظمتهم لتكون سوريه طريق الحرية، ومنارة لحريه الشعوب العربية وتحررها.
المصدر: نينار برس