تمثل عودة دمشق للجامعة العربية فرصة جيدة للشعب الإيراني للتفكير أكثر في خطط التنمية الفاشلة
في نهاية الأمر، انتهى تعليق عضوية سوريا بجامعة الدول العربية واستعادت دمشق موقعها.
في الواقع، لم يكن استئناف العلاقات السورية مع الدول العربية غير متوقع، خصوصاً بعد بدء الحرب الأوكرانية – الروسية وتقليص وجود موسكو العسكري الروسي في سوريا، كان من الواضح حدوث مثل هذا الوضع عاجلاً أم آجلاً.
وكما هو معروف، فإن الوجود العسكري للنظام الإيراني في سوريا محدود مقارنة بالوجود الروسي، لأن إيران نظرت وباستمرار إلى سوريا على أنها ممر بري آمن لربط طهران بـ”حزب الله” اللبناني لمتابعة أهدافها طويلة المدى والمعادية لإسرائيل.
لم يكن عداء إسرائيل أولوية بالنسبة لسوريا أبداً. احتلت تل أبيب جزءاً مهماً من مرتفعات الجولان في حرب الأيام الستة عام 1967. وبعد ست سنوات، خلال حرب الغفران (سميت أيضاً بحرب رمضان أو أكتوبر)، لم يتمكن حافظ الأسد من استعادة مرتفعات الجولان من إسرائيل.
وبعد أقل من عام، بعد قرار مجلس الأمن المرقم 350 وإعلان وقف إطلاق النار، استقرت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مرتفعات الجولان.
منذ ذلك الحين، أصبحت قضية الجولان خلافاً سياسياً، ولم تقم سوريا بأي عمل عسكري لاستعادة مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل.
في عام 1982، أعلنت إسرائيل أنها ضمت مرتفعات الجولان إلى أراضيها، على رغم مخالفة الأمم المتحدة وعدم موافقتها، وفي 2019 اعترف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بضم إسرائيل مرتفعات الجولان على رغم معارضة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والمجتمع الدولي.
ضعف دبلوماسي كامل
في الوقت نفسه، أتبع بشار سياسة والده حافظ الأسد الحذرة، وكما هو معلوم لروسيا وجود عسكري في سوريا، وبطبيعة الحال منعت أي تحرك أو رد فعل في الحرب الأهلية السورية، إلا أن نشاط المجموعات المسلحة المرتبطة بالنظام الإيراني في مرتفعات الجولان استمر بين الحين والآخر، لكنها كلما قصفتها الطائرات الإسرائيلية كلما تراجعت من مواقعها.
في الوضع الراهن، إن سوريا في ضعف دبلوماسي كامل ولا تستطيع أن تؤثر في العلاقات الدولية، وسيتم فتح أبواب إعادة إعمار سوريا التي مزقتها الحرب بجهود الدول العربية الثرية، بينما في الوقت الحاضر، لا تعد قضية إعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا من الأولويات، لكن دمشق تأمل في أن يتم إدراجها في أي اتفاق سلام يتم إبرامه بين إسرائيل من جهة والدول العربية من جهة أخرى.
أكثر من 10 سنوات من الوجود العسكري الإيراني في سوريا وإنشاء المجموعات المسلحة المرتزقة التي تم تشكيلها لتحقيق أهداف الجمهورية الإسلامية هناك، كانت مكلفة جداً بالنسبة لطهران.
كلفة إعادة الإعمار
وفي هذا الخصوص، وقبل 10 سنوات، زعمت وكالة “تسنيم” للأنباء في تقرير لها بتاريخ 3 سبتمبر (أيلول) 2013، أن تكلفة إعمار سوريا تفوق الـ70 مليار دولار.
تقرير وكالة “تسنيم” الذي كان نقلاً عن جريدة الوطن، زعم أن سوريا بحاجة إلى مليون ونصف المليون وحدة سكنية، و10 آلاف موقع لبناء الوحدات السكنية، و15 ألف شاحنة، و10 آلاف خلاطة إسمنت، ونحو 6 ملايين عامل من بين ضروريات إعادة الإعمار.
تجارة المخدرات
الآن، وبعد مرور 10 سنوات، لا توجد أي معلومة حول خطة إعادة إعمار سوريا، لكن بدلاً من ذلك، تصل إلينا كل يوم أخبار جديدة عن تجارة المخدرات هناك، حيث يتهم النظام بالدخول إلى “صناعة عالية الدخل وغير قانونية” تتمثل بـإنتاج وتصدير الكبتاغون. مادة الأمفيتامين غير المشروعة يتم تصديرها من سوريا إلى دول البحر الأبيض المتوسط وكذلك إلى العالم العربي”. (يورونيوز 9 ديسمبر/ كانون الأول 2021).
وكما يبدو، فإن الكبتاغون يتم إنتاجه وتوزيعه بالتعاون بين سوريا و”حزب الله” وإيران، وأن الدول العربية الغنية في الخليج العربي هي الواجهة الرئيسة لتلك الحبوب المخدرة، حيث تم ضبط الملايين منها في الأردن والسعودية ولبنان” (قناة بي بي سي فارسي 19 أبريل/ نيسان 2022)
هل هذا هو برنامج إعادة إعمار سوريا الذي تحدثت عنه وكالة “تسنيم” للأنباء، قبل 10 سنوات؟
حشمت الله فلاحت بيشة، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني أدعى في مقابلة صحافية له أن “روسيا حصلت على ديونها من سوريا، بينما إيران التي أنفقت أكثر من 30 مليار دولار في سوريا لم تحصل بعد على أي شيء”. (عاطفة محمودي، صحيفة تجارت نيوز، 2 مايو/ أيار 2023)
في وقت سابق، كان قد قارن محمد رضا نقدي، مساعد الشؤون التنسيقية لقائد “الحرس الثوري”، إنفاق إيران في المنطقة مع إنفاق الولايات المتحدة الأميركية، قائلاً “إن بلاده أنفقت 17 مليار دولار فقط لا غير”. وفي الوقت نفسه أيضاً، كان قد تحدث حشمت الله فلاحت بيشة عن 20 إلى 30 مليار دولار.
اللافت في الموضوع، وبعد تصاعد حدة الخلافات دخل أروقة الحكم بالجمهورية الإسلامية فإن إنفاق إيران بلغ الـ70 مليار دولار، لكنه غير مؤكد.
حلم الهلال الشيعي
قد لا نعرف الرقم الحقيقي لتكلفة سياسات طهران خارج الحدود التي سرقت من جيوب المواطنين الإيرانيين، والتي أنفقت على حلم الهلال الشيعي، لكن في الوقت الحالي فإن السؤال الأهم هو إذا ما عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية، فما هو مصير إنفاق إيران، وهل مصير هذا الإنفاق مشابه لمصير ديون إيران من العراق؟ في حين أن بغداد دفعت تعويضات الاعتداء على الكويت، بينما لم تدفع تعويضات الحرب التي استمرت 8 سنوات ضد إيران، بناءً على القرار الأممي 598، علماً بأنه لا يوجد رقم دقيق للنفقات التي دفعتها إيران بعد سقوط نظام صدام حسين.
إضافة إلى العراق وسوريا، فإن الأموال الإيرانية تدفع في مناطق أخرى من العالم كـلبنان وفلسطين من أجل مقارعة إسرائيل، وفي اليمن لدعم الحرب هناك التي ليس لها أي فائدة استراتيجية لطهران. وفي أذربيجان لدعم المجموعات المذهبية المتشددة في حربها ضد جمهورية أذربيجان، وفي جميع أنحاء الدول الأوروبية من أجل الدعائية الإسلامية. يحدث كل هذا في وقت يواجه النظام والشعب الإيراني أشد العقوبات وأعلى معدلات التضخم الاقتصادي.
الفائدة الوحيدة
الفائدة الوحيدة من هذا النوع من العلاقات مع المجتمع الدولي تعود لرجال الدين والطبقة الحاكمة الذين يديرون هذه التدخلات الخارجية.
في واقع الأمر، إن هؤلاء يحصلون على عديد الميزات والأرباح والمهام الخارجية التي يتلقون أجورها بالدولار، وكل هذا تتم سرقته من جيوب المواطنين الإيرانيين.
طبعاً، الطريقة الوحيدة التي من الممكن أن تخطر ببالهم هي استخدامهم لشبكة من رجال الدين في جميع أنحاء البلاد لغسل أدمغة المواطنين على أن الفقر هو الغناء، والعقوبات على أنها غنائم.
وسائل الإلهاء
ومن أجل تمرير هذه الغاية يتم إلهاء الناس بموضوع الحجاب الحكومي، وإلزام النساء بلباس يختاره النظام، وأخيراً يخططون لمعايير خاصة بلباس الرجال، وزيادة السكان عبر تشجيعهم ومنحهم قطع أراضٍ، وقروض الحمل والإنجاب ما هي إلا جزء بسيط من البرامج التي يعمل عليها قادة الجمهورية الإسلامية من أجل تنفيذها على أرض الواقع.
إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية قد تمثل فرصة جيدة للشعب الإيراني للتفكير أكثر في خطط التنمية الفاشلة وغير المجدية التي يتبعها نظام الجمهورية الإسلامية والوقوف ضدها.
سياسة النظام التطلع إلى الشرق وتقديم المصالح الوطنية إلى روسيا والصين تدريجاً، كما ترافق هذه السياسة إجراءات متمثلة بعدم الكفاءة والتخطيط حالها حال السياسات الاستراتيجية للسياسة الخارجية الإيرانية، بالتالي الاستراتيجية التي يتبعها النظام ويروج أنها لتنمية البلاد التي تملك أحد أكبر مصادر النفط والغاز في العالم، لا تؤدي إلى نتيجة ومآلها الفشل.
نقلا عن “اندبندنت فارسية”
المصدر: اندبندنت عربية