ما زالت الانتخابات في الولايات المتحدة الأميركية معرضة للاختراق من قبل أعداء خارجيين وداخليين. أظهرت الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 مدى الهشاشة التي تعانيها إزاء الأعداء الخارجيين. وفي رد فعل على ذلك، سارع مسؤولون من مختلف المستويات الحكومية إلى تعزيز حماية عملية الاقتراع وتحصينها. وعام 2020، جرى التركيز أكثر على أخطار الهجمات التي تتعرض لها العملية الانتخابية من الداخل، ثم جاءت أحداث 6 يناير (كانون الثاني) المتمثلة في اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي عام 2021 كي تشكل نداء مرعباً ودعوة من أجل اليقظة والانتباه، إذ إن مشهد القوى العنفية والمعادية للديمقراطية التي أفلتت من عقالها في ذلك اليوم، ما زال ماثلاً للعيان.
ورغم الجهود المبذولة في مواجهة ما يحصل، فإن الأخطار انتشرت. وعلى مدى العامين الماضيين، واصلت أصوات بارزة نشر الأكاذيب المتعلقة بنظام الاقتراع ونتائج انتخابات 2020. وتعرض العاملون في الانتخابات لمضايقات وعنف على نحو متواصل. وكذلك حدث ضرب من “التهديدات الداخلية”، تمثل في لجوء عدد ضئيل من العاملين بالانتخابات، إلى نشر معلومات انتخابية خاطئة وتنفيذ أفعال تطعن بنزاهة الانتخابات على نحو مباشر.
في هذا الإطار، تتمثل الأخبار الجيدة في تمكن الانتخابات التشريعية في منتصف الولاية (انتخابات الكونغرس بمنتصف ولاية بايدن) عام 2022، من إيقاف اندفاعة من يشككون في شرعية انتخابات 2020، إذ إن المعترضين على تلك الانتخابات ممن ترشحوا لتولي إدارة الانتخابات في الولايات التي تشهد تنافساً حاداً، خسروا في الغالب، وجرت عملية الاقتراع في مختلف أنحاء البلاد بهدوء وسلام لافتين.
لكن، رغم تلك النتيجة، سيكون من الغباء الاقتناع بزوال الخطر، إذ يدأب المشككون في نتائج الانتخابات وصحتها على العمل في بعض المراكز الانتخابية بمناطق مختلفة، وفازوا عام 2022 بأكثر من 170 سباقاً إلى مجلس الممثلين (مجلس النواب، أو البرلمان) ومجلس الشيوخ، وشغلوا مراكز أساسية على مستوى الولايات. وكذلك تواصل شخصيات نافذة، من بينها دونالد ترمب وآخرون ممن لديهم ملايين الأنصار والمتابعين [على شبكة الإنترنت]، جهودها الهادفة إلى زعزعة ثقة الرأي العام بالانتخابات الأميركية.
أما على الصعيد الخارجي، فثمة دول تتمتع بمصادر هائلة ولديها النية والوسائل للتدخل مستقبلاً في دورات انتخابية مقبلة. وفي الأحوال كلها، إن الأخطار الجيوسياسية المتفاقمة نتيجة الحرب في أوكرانيا، وغيرها من الأزمات الدولية الراهنة، ستؤدي إلى زيادة حوافر تلك الأطراف للتدخل بالانتخابات المقبلة في 2024، إذ غدت الانتخابات في نواح عدة، ميداناً للصراع على النظام العالمي والتنافس عليه.
واليوم، مع دنو موعد الانتخابات الرئاسية، حان الوقت للمضي بتعزيز دفاعات النظام الانتخابي في وجه التهديدات الخارجية والداخلية، وذلك بهدف المساعدة في ضمان حماية العملية الديمقراطية حينما يتوجه الأميركيون إلى الاقتراع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
نشر الأكاذيب
أظهرت دراسة استطلاعية نشرت في سبتمبر (أيلول) 2022 أن قرابة ثلث الراشدين الأميركيين ما زالوا غير مقتنعين بنتائج انتخابات 2020 الرئاسية، إذ إن التعميم المستمر للأكاذيب المتعلقة بالانتخابات وظاهرة قبول تلك الأكاذيب يشكلان خطراً وجودياً على الديمقراطية الأميركية. كذلك ينبغي أن يقلق جميع الأميركيين من التبني المتواصل لأضاليل كتلك.
ويمكن أن يبدو التصدي الفاعل للأضاليل المتعلقة بالانتخابات مهمة مستحيلة. إلا أن الأميركيين تعلموا كثيراً خلال الأعوام الماضية، وثمة إستراتيجيات تواصل وتدابير قانونية قادرة على الإسهام في تخفيف آثار الأكاذيب والمعلومات المضللة.
وفي هذا الإطار، يتمثل الأمر الأول الذي تعلمه الأميركيون في “الكشف المسبق” عن المعلومات المضللة قبيل ظهورها، وتوجيه المواطنين نحو مصادر موثوقة قبل انتشار المعلومات الخاطئة وتبنيهم لها. وتوصل تحليل عن مداولات ونقاشات على الإنترنت متعلقة بالانتخابات أجراه “مركز برينان” Brennan Center، و”مرصد ستانفورد للإنترنت” Stanford Internet Observatory، وأطراف أخرى، إلى أن شخصيات كبيرة من أوساط المشككين في نتائج الانتخابات تعتمد على السرديات الخاطئة نفسها، بل تستخدمها مراراً وتكراراً. ويشير ذلك التكرار إلى وجود إمكانية فعلية في التنبؤ بكمية معتبرة من المعلومات الانتخابية المضللة. بالتالي، يستطيع المسؤولون والمشرفون على الانتخابات، وقادة الرأي العام، والمنظمات المدنية، توقع الادعاءات الكاذبة المرشحة للتداول.
وبالتالي، يستطيعون أيضاً تدريب الناخبين على معرفة المعلومات المضللة واكتشافها، وتقديم الأدلة الواقعية لدحض الإشاعات المتكررة، أو “الكشف عنها مسبقاً” قبل انتشارها، وتوجيه الناخبين نحو المصادر الموثوقة. ويعد مكتب “الإشاعة مقابل الحقيقة” التابع لـ “وكالة أمن البنى التحتية والأمن السيبراني” The Cybersecurity and Infrastructure Security Agency-، والمعروف شعبياً باسم (مكتب) “مراقبة الإشاعات”، مثلاً جيداً في هذا السياق، إذ يقدم المكتب المذكور معلومات ووقائع عملانية من شأنها أن تبدد عدداً من نظريات المؤامرة (المتعلقة بالانتخابات) الأكثر انتشاراً. فمنذ انتخابات 2020، استخدم مسؤولون وموظفون يعملون في قطاع الانتخابات، وصحافيون وأشخاص آخرون كثر، هذا المصدر الموثوق [مكتب مراقبة الإشاعات] لمواجهة الأضاليل المتعلقة بالانتخابات ودحضها.
كذلك عمدت ولايات عدة منذ ذلك الحين، من بينها كونيكتيكت وكنتاكي وأوهايو، إلى البناء على تلك الجهود، فأطلقت صفحات إلكترونية خاصة بها بغية مراقبة الإشاعات، ووظفت فرق عمل متخصصة تتولى إيصال المعلومات الصحيحة إلى الناخبين، ونشر مصادر تسهل متابعتها عبر تقديم شرح عن الخطوات المتعددة التي تبقي الانتخابات آمنة ودقيقة.
استناداً إلى ذلك، من المستطاع الإشارة إلى وجوب أن يستمر المسؤولون في اعتماد عملية “الكشف عن الإشاعات مسبقاً”، وتطبيق ذلك في مستويات عدة تشمل “وكالة أمن البنى التحتية والأمن السيبراني” والبناء على جهودها المبذولة في مراقبة الإشاعات والسيطرة عليها، وتجديد قاعدة بياناتها، إضافة إلى التأكد من اتساع إطار وصولها.
وكذلك ينبغي على مزيد من الولايات إطلاق جهودها الخاصة في هذا الإطار، وعلى منظمات المجتمع المدني مضاعفة نشر المعلومات الدقيقة. ورغم أن “التعديل الأول” [في الدستور الأميركي] يمنع الحكومة من فرض حظر شامل على جميع المعلومات الانتخابية المضللة، إلا أنه بوسع المشرعين اتخاذ خطوات معينة بهدف الحد من انتشار مواد مضللة وأكاذيب متعلقة بموعد الانتخابات ومراكز الاقتراع وطريقته، تؤثر في حق الأفراد بالاقتراع السليم. ومثلاً، في ولايات كنساس ومينيسوتا وفيرجينيا، يعد نشر المعلومات غير الدقيقة، الهادفة إلى عرقلة أو إبطال اقتراع الأشخاص، مخالفاً للقانون.
ويشمل ذلك الكذب في شأن موعد الاقتراع أو متطلباته القانونية. وثمة قوانين مشابهة يجري النظر بها هذا العام في ولايات أخرى من بينها ميشيغان ونيويورك. طبعاً هذا النمط من القوانين لا يكبح جميع المعلومات المضللة، لكن بوسعه الحد من أسوأ أنواع الأكاذيب التي يمكنها حرمان الناخبين من أصواتهم، وتقويض الثقة بالعملية الانتخابية.
وفي ذلك السياق، ينبغي ألا توجد شكوك في إمكانية أن تؤدي الأضاليل الانتخابية دوراً كبيراً في انتخابات 2024، إذ إن الدرس الذي تعلمه عدد من المرشحين والناشطين الآخرين منذ 2020، يتمثل في أن الأضاليل قادرة على تحقيق إيرادات مالية كبيرة.
في الوقت عينه، من شأن تغييرات حصلت في بيئة منصات التواصل الاجتماعي، من بينها منصة “تويتر”، أن تؤدي إلى افتراض حدوث تراجع في فاعلية جهود كبح المعلومات المضللة إلى مستويات أدنى مما شهدناه عام 2020. وكذلك ستعمل أعداداً متزايدة من تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي المتطورة التي ظهرت فجأة، على تسهيل توليد الصور والأصوات المزيفة وغيرها من المضامين المضللة أو الكاذبة. بالتالي، ينبغي لقادة الرأي العام والمجتمع المدني الاستعداد لمواجهة ذلك.
مسؤولون يتعرضون للهجوم
لقد غدا الأشخاص الذين يشرفون على الانتخابات في الولايات المتحدة هدفاً لأولئك الساعين إلى تقويض الديمقراطية الأميركية. فأظهرت دراسة استقصائية تناولت مسؤولي الانتخابات المحليين، أجراها “مركز برينان” عام 2022، أن واحداً من ستة أشخاص (ممن شملتهم الدراسة) أشاروا إلى أنهم تعرضوا لتهديدات، وأكثر من نصف المستطلعين أحسوا بالقلق على أمن وسلامة زملائهم. في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، اضطر مسؤول انتخابي في أريزونا إلى الاختباء خوفاً على سلامته، فيما جرى اعتقال مرشح خاسر في نيومكسيكو ادعى أنه حرم من الفوز، بسبب صلته بإطلاق نار على منازل مسؤولين فائزين بالانتخابات.
وتأتي تلك التهديدات والاعتداءات ضمن مجموعة عوامل تسهم في خلق بيئة صعبة بالنسبة إلى مسؤولي الانتخابات، فيفكر كثيرون منهم في ترك هذه المهنة كلياً. وكذلك رجح 20 في المئة من العاملين الرسميين في قطاع الانتخابات الذين استطلعوا العام الفائت، أو رجحوا كثيراً، أن يتركوا عملهم قبل انتخابات عام 2024. ومن دون شك، يرتبط السبب في ذلك، وإن جزئياً، بالبيئة التي يواجهونها، ذلك أنها تزداد عداء. وحتى مع تهوين الاستطلاع المذكور من حجم المشكلة في نيفادا، إلا أن 17 مقاطعة في الأقل ستحظى بمدير انتخابات مختلف عام 2024 بالمقارنة مع 2020. كذلك من شأن فقدان المعرفة المؤسساتية الذي يرافق كثير من الاستقالات، أن يقود إلى مزيد من الأخطاء الإدارية التي لن تسهم إلا بإتاحة فرص أكبر لنظريات المؤامرة وتزيد من احتمالات تقهقر الثقة بالنظام الانتخابي.
ينبغي أن تتوقف هذه الدوامة. ورغم أن الولايات المتحدة استطاعت تلافي السيناريوات الأسوأ عام 2022، إلا أن انتخابات 2024 ستجلب مزيداً من الانقسامات والتوترات، مع احتمالات أكبر في شأن حدوث عنف. تحتاج الحكومة الفيدرالية والولايات إلى التحرك الآن لحماية العاملين في الانتخابات، وطبعاً لصون الثقة بالعملية الانتخابية.
والأمر الأهم في هذا السياق، أن يحظى مسؤولو الولايات والعاملون المحليون في الانتخابات بمزيد من التمويل لتعزيز الأمن المادي في مكاتبهم، وفي بيوتهم وحولها حينما تقتضي الحاجة. كذلك يتوجب على الكونغرس أن يؤمن مزيداً من التمويل، وكذلك تستطيع برامج للمنح الفيدرالية من نوع “برنامج منحة الأمن الوطني” Homeland Security Grant Program، و”برنامج منحة ذكرى إدوارد بيرني لدعم العدالة” Edward Byrne Memorial Justice Assistance Grant Program، أن توجه بإطار هذه المساعي.
ورغم تولي المسؤولين الفيدراليين مهمة تشجيع الولايات على استخدام هاتين المنحتين في تلبية الحاجات الأمنية للانتخابات في الدورتين السابقتين، فإن غياب متطلبات الإنفاق الأمني خلال الانتخابات حرم مسؤولي العملية الانتخابية من الحصول على مقعد خلف طاولة اتخاذ القرارات في ولاياتهم، فيما لم يبلغ مكاتب الانتخابات سوى القليل من تلك الأموال. وبصورة جزئية، صححت “وزارة الأمن القومي” هذا الأمر جزئياً في 2023 عن طريق اشتراطها تخصيص ثلاثة في المئة من “برنامج منحة الأمن الوطني” لخدمة أمن الانتخابات، وكذلك طلبها من الولايات استشارة المسؤول الانتخابي في كل ولاية عن كيفية إنفاق تلك المبالغ. لكن في نهاية المطاف، تبقى هناك حاجة ملحة إلى بذل مزيد من الجهود لمعالجة المشكلة بمجمل نطاقاتها.
ويحتاج مسؤولو إدارة الانتخابات إلى مزيد من الحماية القانونية للمساعدة في إبقاء الخصوصية على معلوماتهم الشخصية، مع منحهم قدراً أكبر من الأمان في عملهم. وفي العام الفائت، لم يتحقق أي تقدم في الكونغرس حول المقترحات القانونية التي كان من شأنها تعزيز التمويل الأمني وتحقيق خطوات أخرى لتوسعة حماية مسؤولي الانتخابات.
بالتالي، بات متوجباً الآن على الولايات أن تقود السبيل في هذا المنحى. ونهض بعض الولايات بذلك بالفعل. ومثلاً، في السنة الماضية، أقرت ولايات كاليفورنيا وكولورادو ونيفادا وأوريغون وواشنطن، قوانين تتيح لمسؤولي العملية الانتخابية إبقاء عناوين منازلهم سرية. وفي هذا العام، أقر المشرعون المحليون قوانين مشابهة في ويلايتي ميريلاند وفيرجينيا.
واستطراداً، ثمة حاجة أيضاً إلى وجود قدر أكبر من المساءلة بحق الأشخاص الذين يهددون بالعنف موظفي الانتخابات. وفي معظم الأحيان، يشكل ذلك التهديد أمراً غير مشروع وفق القوانين الفيدرالية وقوانين الولاية، لكن نادراً ما جرت محاسبة الذين يطلقون تلك التهديدات.
وعملت “هيئة النظر بالتهديدات الانتخابية” التابعة لوزارة العدل، على مراجعة أكثر من ألف تقرير عن تهديدات تعرض لها عاملون في الانتخابات على مدى العامين الماضيين، بيد أن الوزارة لم تصدر اتهامات إلا في ثماني حالات. إن بناء علاقات أقوى وأواصر ثقة متبادلة بين العاملين في الانتخابات وبين قوى إنفاذ القانون، ربما يسهم في معالجة تلك العنات والهفوات.
وتقدم “هيئة سلامة وأمن الانتخابات”، المدعومة من قبل “مركز برينان” وغيره من المنظمات غير الحزبية، نموذجاً يحمل بشائر أمل في هذا الإطار، إذ تمثل تلك الهيئة شراكة انعقدت أخيراً بين العاملين في الانتخابات وقوى إنفاذ القانون، بغية تطوير وتعميم السياسات والممارسات التي تبقي العاملين في الانتخابات والناخبين ضمن جو يسوده الأمان. بالطبع، لن تعالج تلك الحلول جميع المسائل دفعة واحدة، بيد أنها ضرورية لوقف مد التهديدات والأخطار المحدقة بالعملية الانتخابية.
تهديدات داخلية
منذ عام 2020، سجلت في الأقل 17 حالة عن عاملين في الانتخابات عمدوا إلى منح إذن غير شرعي بالدخول إلى مرافق (أو مراكز) انتخابية لأشخاص سعوا إلى الطعن بنتائج الانتخابات الرئاسية في ذلك العام، أو مارس أشخاص مشككون [في النتائج] ضغوطاً على الموظفين كي يتسنى لهم الدخول إلى المرافق الانتخابية. تمثل هذه الحالات عدداً قليلاً نسبياً بالمقارنة مع عشرات آلاف العاملين بالانتخابات في مختلف أنحاء البلاد.
في المقابل، من شأن الانتهاكات والهجمات التي نفذها أشخاص من الداخل، أن تؤذي نزاهة الانتخابات بصورة أساسية، خصوصاً حين يكون السباق محتدماً والتنافس بين المرشحين شديداً. في الإطار نفسه، تسطيع “وكالة أمن البنى التحتية والأمن السيبراني” مدّ يد المساعدة. وينبغي لتلك الوكالة أن توسع نطاق خدماتها لتشمل مكافحة التهديدات الداخلية عبر صنع قوائم مرجعية إضافية تضم أفضل الممارسات، كي يجري استخدامها في تطوير آليات المراجعة الذاتية للمسؤولين، وتدريب خبراء الأمن في الوكالة على الممارسات الأمثل. بالتالي، يصبح أولئك الخبراء قادرين على إرشاد العاملين في الانتخابات لمواجهة التهديدات الداخلية، إضافة إلى مهمات راهنة أخرى.
في إطار متصل، يفترض بالولايات قيادة المساعي للوصول إلى حلول. ومثلاً، تقدم ولاية كولورادو نموذجاً مهماً في هذا السياق. وبعد حادثة وقعت عام 2021، تمثلت في أن أحد موظفي المقاطعة عمد إلى تسليم تجهيزات التصويت إلى مجموعة من الأشخاص مرتبطين بالرئيس التنفيذي لشركة “ماي بيلو” MyPillow، مايك ليندل، وغيره من الشخصيات البارزة التي دعت إلى إلغاء انتخابات 2020، عملت السلطة التشريعية في الولاية المذكورة على تمرير قانون يحظر التلاعب بتجهيزات وأدوات التصويت، ويفرض مراقبة متواصلة على مدى 24/7 بواسطة كاميرات الفيديو، ومفاتيح دخول رقمية (شرائح أو بطاقات) إلى الغرف حيث تحفظ تجهيزات التصويت. وكذلك فرض ذلك القانون نفسه حصول العاملين في الانتخابات على إجازة من سلطة الولاية لضمان تدريبهم الأمني وانصياعهم للقانون. وحاضراً، ثمة قانون مشابه أمام السلطات التشريعية في ولاية نيفادا يفرض على العاملين في الانتخابات الخضوع لتدريب كل سنتين للتعامل مع متطلبات وإجراءات الانتخاب.
إضافة إلى ذلك كله، يتوجب على الولايات أن تتحرك لمنع عاملين في الانتخابات من انتهاك السلطة المعطاة لهم عبر تأخير نشر النتائج الانتخابية، أو رفض إقرارها والتصديق عليها. وفي هذا الإطار، قدمت ولاية ميشيغان مشروع قانون يتناول ذلك الشأن.
وفي البداية، رفضت هيئة فاحصة في المقاطعة، التصديق على نتائج انتخابية لعام 2020، بالتالي، عمل الناخبون هناك عام 2022 على تمرير تعديل دستوري يحد من صلاحيات المجالس الفاحصة، ويفرض تقديم شهادة بالنتائج للمرشح الحائز على معظم الأصوات.
وفي الحالات التي يرفض فيها المسؤولون تقديم تلك الشهادة، ينبغي أن تكون للولايات خطة بديلة. ففي نيومكسيكو عام 2022، مثلاً، لجأت أمانة الولاية إلى القضاء بهدف الحصول على أمر من المحكمة ضد المقاطعات التي رفضت المصادقة على النتائج، مجبرة إياها على تغيير سلوكها.
واستطراداً، يفترض بجميع الولايات العمل على ضمان الاستعداد لإنجاز أمور مماثلة والتحرك بسرعة أيضاً كي تضمن أن تأتي القوانين التي تفرض على المسؤولين التصديق على النتائج الانتخابية، واضحة بقدر المستطاع، إضافة إلى عدم التسامح مع ما يبذل من جهود للطعن والتشكيك بحرية الانتخابات ونزاهتها.
قرصنة الأصوات
يتضمن سجل الأخطار الأكثر انتشاراً التي تتهدد الانتخابات الأميركية اليوم، ظواهر تشمل المعلومات المضللة وترهيب العاملين في الانتخابات والتهديدات الداخلية المحدقة بأنظمة التصويت والاقتراع، لكن هذا لا يعني أن الخوف من الهجمات السيبرانية لم يعد مطروحاً. لقد غدا نظام الانتخابات الأميركية راهناً أكثر مرونة في وجه الهجمات السيبرانية مما كان عليه عام 2016، إذ إن المسؤولين الانتخابيين اعتمدوا أفضل السبل والوسائل في تحديد الهجمات أو القرصنات السيبرانية والتعافي منها.
وكذلك شهد نظام مشاركة المعلومات وتبادلها تحسناً عظيماً بين أوساط المسؤولين، سواء على المستوى المحلي أو على مستويي الولاية والاتحاد الفيدرالي. وبعد أعوام من غياب أي دعم تمويلي، أمّن الكونغرس بعض التمويل في 2018 و2019 بغية مساعدة الولايات في تطوير أنظمتها المتقادمة. شكلت تلك الاستثمارات سبباً أساسياً في اعتبار انتخابات 2020 “الانتخابات الأكثر أماناً في التاريخ الأميركي”.
في المقابل، أمام التهديدات الناشئة والمتنامية، فإن الفشل في التطور ربما يعني التخلف عن الركب. ثمة 24 ولاية اليوم تستخدم معدات تصويت عمرها أكثر من عقد، وباتت هشة ومن المرجح أن تتسبب بالمشكلات في يوم الانتخابات. ومع عمليات التناوب المكثفة التي ينهض بها الموظفون [العاملون في الانتخابات]، تغدو مراكز الاقتراع معرضة لهفوات حقيقية تؤدي إلى خسارات غير قليلة في نطاق المعرفة المؤسساتية المطلوبة في تجاوز الهنات ونقاط الضعف.
في هذا السياق أيضاً، نستطيع الإشارة إلى أن مناوئين [للولايات المتحدة]، كالصين وإيران وروسيا، سيواصلون محاولات تدخلهم في الانتخابات الأميركية. الوكالة الفيدرالية الأهم في هذه المعركة هي “وكالة أمن البنى التحتية والأمن السيبراني” التي تؤمن لمسؤولي الولايات وللعاملين المحليين في الانتخابات، الدعم والمساندة في وجه الأخطار وضمن إطار مهمات الأمن ومشاركة المعلومات وتبادلها.
بالتالي، ينبغي على تلك الوكالة، على غرار ما فعلته عام 2020، إصدار خطة استراتيجية لانتخابات 2024 والإشراف على التخطيط الداخلي والتأكيد للعاملين في المؤسسة الانتخابية والجمهور العام أن الانتخابات تمثل أولوية من أولويات الوكالة. وكذلك يتوجب على تلك الوكالة نفسها مساعدة الوكالات الحكومية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني، في تحديد وفهم مواضع الفجوات إن كانت موجودة، والمساعدة في ردمها.
كذلك يتوجب على “وكالة أمن البنى التحتية والأمن السيبراني” تحويل مواردها صوب البناء على جهود بذلت في أوقات سابقة بالفعل، من بينها زيادة دعم الخطوط الأمامية للمكاتب (المراكز) الانتخابية المحلية الضعيفة بقدرات الأمن السيبراني، أو تزويدها بتلك القدرات إن افتقرت إليها كلياً.
وسبق للوكالة نفسها أن اعتبرت المكاتب المذكورة “غنية بالأهداف وفقيرة بالموارد”. وعلى نحو مماثل، تستطيع برامج منح الفروع التنفيذية الموجودة بالفعل، المساعدة أيضاً في ذلك الأمر، شرط أن يجري توجيهها وفق ما ينبغي. في ذلك الصدد، يعتبر البرنامج الجديد المتمثل في “منحة الأمن السيبراني في الولايات والنطاقات المحلية” State and Local Cybersecurity Grant Program الصادر من “وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية” Federal Emergency Management، مثلاً جيداً إذ سيؤمن مبلغ مليار دولار على مدى الأعوام الأربعة المقبلة لمعالجة أخطار الأمن السيبراني في جميع أنحاء البلاد.
في سياق متصل، ينبغي على الولايات والبلديات أن تبذل جهوداً أكبر من جهتها. وما زالت معظم الولايات تستخدم وسائط التصويت غير الورقي التي حذر الخبراء من هشاشتها الزائدة تجاه الهجمات السيبرانية مراراً وتكراراً. وعملت تلك الولايات على تمرير قوانين للتخلص التدريجي منها واستبدالها بأنظمة تخلق سجلاً ورقياً (أو مرجعية ورقية) لكل صوت (أو اقتراع).
في المقابل، يبقى من الصعب على المسؤولين المحليين تحديث الوسائط والتجهيزات من دون الحصول على تمويل ملائم من الولاية أو من الحكومة الفيدرالية. واستكمالاً، يتوجب على الولايات التي لديها بالفعل سجلات ورقية لكل صوت، اعتماد وتطبيق نظام تدقيق صارم بعد الانتخابات بهدف التأكد من دقة النتائج وإظهار موثوقية وأهمية التجهيزات والوسائط التي تعتمدها.
وفي الإطار نفسه، يجب أن تواصل الولايات تحيّن الفرص كي تُمدّ أنظمتها بمزيد من الوفرة والمرونة، بغية ألا يتسنى للهجمات السيبرانية منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم أو إيقاف عد مجاميع الأصوات وإحصائها. ورغم وجود مهمات أساسية يفترض إنجازها في حماية الناس والأنظمة الانتخابية والبنى التحتية الضرورية للانتخابات، يبقى هناك وقت كافٍ للاستعداد قبل انتخابات 2024.
بالتالي، يفترض بالنجاحات التي تحققت بالفعل، المتمثلة في تحصين البنى التحتية لنظام الانتخابات الأميركي في وجه الهجمات السيبرانية، أن تمد كل ناخب بالأمل والتوقعات الإيجابية في أن يكون قادة البلاد مستعدين لمواجهة تحدي الدفاع عن الديمقراطية الأميركية.
* لورانس نوردن المدير الأول لبرنامج الانتخابات والحكومة في “مركز برينان للعدالة” بكلية القانون في جامعة نيويورك.
** ديريك تيسلر يتولى مهمات مستشار في “برنامج الانتخابات والحكومة” في “مركز برينان للعدالة” بكلية القانون في جامعة نيويورك.
مترجم من فورين أفيرز، مارس (آذار)/ أبريل (نيسان) 2023
المصدر: اندبندنت عربية