يكسر وصول وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إلى العاصمة السورية دمشق، الثلاثاء، حاجزا جديدا على طريق التطبيع بين الرياض والنظام السوري، ورغم أن الرواية الرسمية للمملكة تشير إلى أن الانعطافة تأتي في إطار “استئناف الخدمات القنصلية”، تذهب جملة من المعطيات المفروضة إلى خلاف ذلك.
ولم يكن متوقعا أن تتسارع عملية التطبيع إلى هذا الحد بين الجانبين، بحسب مراقبين، إذ أنه وفي غضون أسبوعين وصل وزير خارجية النظام فيصل المقداد إلى الرياض، ومن ثم تبعه بن فرحان الثلاثاء إلى دمشق، وما بينهما استضافت مدينة جدة اجتماعا، قيل إنه حقق بعض الأهداف، وفشل في أخرى.
ومن غير الواضح الأمور التي تدفع الرياض إلى إعادة تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، والأسباب التي تقف وراء التسارع الكبير في إعادة العلاقات، وما إذا كان الأمر مرتبطا بالاتفاق الأخير بين إيران والسعوديةK أم أنه يرتبط بسياقات أخرى.
وتعتبر زيارة بن فرحان إلى دمشق يوم الثلاثاء الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد، وعقب وصوله إلى العاصمة السورية استقبله رأس النظام السوري، بشار الأسد، وهو الذي لطالما وجه كلمات لاذعة للمملكة وحكامها التاريخيين والحاليين، فيما اتهم مسؤولوه الرياض بأنها “راعية للإرهاب”، في السنوات الأولى لانطلاقة الثورة.
وكان اجتماع جدة الذي رعته المملكة قد تطرق لقضايا عدة، على رأسها سوريا، وخرج ببيان ختامي أكد على ضرورة الحل السياسي وإنهاء المعاناة الإنسانية، بينما أورد قضية “الكبتاغون” والمخدرات، التي لطالما وضعها مراقبون حجر أساس لأي انفتاح مرتقب وكامل بين الرياض ودمشق.
ما سر التسريع؟
ويرى المحلل المستقل لشؤون سوريا، سام هيلر أن “التسارع في العلاقات الثنائية بين الرياض والحكومة السورية يعود إلى الرغبة السعودية في تصفير مشاكلها الإقليمية، حفاظا على مشروعها التنموي الداخلي”.
ويقول هيلر لموقع “الحرة” إن التسارع يرتبط أيضا بما فرضه الزلزال المدمّر، الذي “مثل نقطة تحول في المواقف الإقليمية تجاه سوريا، وفرصة لمراجعة السياسات بعد 12 عاما من القطيعة”.
بدوره يوضح المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي إن بلاده “عمدت إلى مراجعة علاقاتها مع سوريا، وتوصلت إلى أنه لا بد من مد جسور التواصل وفق خطوات من شأنها أن تؤدي في النهاية لعودة العلاقات بشكل قوي”.
ومع ذلك يرى آل عاتي في حديثه لموقع “الحرة” أن “الدبلوماسية السعودية تعتمد أيضا خطوات مدروسة قائمة على عدم اختراق القرارات الشرعية الدولية وعلى حفظ حقوق الشعب السوري”.
و”خلال الأيام الماضية رأينا أن التواصل قائم على خطوات متبادلة، وتأتي زيارة الأمير بن فرحان بعد وصول فيصل المقداد إلى الرياض”، وفق المحلل السعودي.
ورغم أن الحديث أثير كثيرا عن العلاقات بين النظام السوري والسعودية في السابق، دون أي تأكيد رسمي على نوايا كل من الطرفين، إلا أن مسار التطبيع اتضح على نحو أكبر في أعقاب الزلزال المدمر، وبعد الاتفاق الذي وقعته السعودية وإيران.
وكان الاتفاق السعودي- الإيراني ألقى بظلاله خلال الأيام الماضية على ملفات عدة، أبرزها الملف اليمني، فيما يعتقد مراقبون أنه خلّف آثارا على الملف السوري، وكذلك الأمر بالنسبة لقضية فلسطين.
لكن المحلل آل عاتي يرى أن “التطورات بين سوريا والسعودية كانت بدأت قبل الاتفاق الإيراني”، مشيرا إلى “تفاهمات حصلت منذ أشهر”.
من جهته يوضح محمود البازي، وهو باحث مختص في الشؤون الإيرانية، لموقع الحرة” أن “سياسة ولي العهد الأمير بن سلمان تقوم على تهيئة بيئة اقتصادية هادئة بعيدة عن الحروب والأزمات وبعيدة عن الدخول في تحالفات تنتهي بأزمات أمنية وتعطل التنمية”.
ويأتي ما سبق “تحضيرا لمرحلة ما بعد النفط، والسعي للتحول إلى مراكز لتبادل الطاقة والسياحة”، بحسب ذات المتحدث.
“ما بعد اتفاق جدة”
وفي حين خرج اجتماع جدة التشاوري، الذي استضافته المملكة السعودية ببيان ختامي تضمن التشاور والتأكيد على عدة نقاط، إلا أنه لم يتطرق إلى مسألة عودة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية.
وبينما ترددت مواقف رافضة من جانب عدة دول عربية، من بينها قطر والمغرب والكويت، سرعان ما اتجه النظام السوري ليعيد تكرار سيناريو ما قبل قمة الجزائر، العام الماضي، التي استبعد منها بناء على مواقف دول ممانعة.
وهذا السيناريو يعتمد على التقليل من الرغبة في حضور القمة العربية، “حفاظا على وحدة الصف العربي”، كما قال فيصل المقداد في الجزائر، مشيرا إلى أن “أولوية دمشق إصلاح العلاقات الثنائية”.
وعلى ما يبدو، بحسب الباحث هيلر أن “اجتماع جدة لم يصل إلى توافق أو إجماع على برنامج موحد أو مبادرة واحدة من أجل عودة سوريا للجامعة، أو لتأطير التعامل مع دمشق والانفتاح على الحكومة السورية”.
ومع ذلك “كان هناك توجه واحد نحو الانفتاح على سوريا، ولو اختلفت دول بشأن كيفية التعامل مع دمشق”.
ويتوقع هيلر “المزيد من التقارب العربي – السوري وتطور في العلاقات الثنائية بين سوريا وبعض دول المنطقة في الفترة القادمة، ولو على هذا الأساس الثنائي وليس على مستوى الجامعة العربية”.
ويوضح المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف أن “سوريا والسعودية بدأتا محادثات أمنية بواسطة روسية ما بعد عام 2015″، وهو ما يفسر طبيعة التسارع في التطبيع في الوقت الحالي”.
واعتبر في حديث لموقع “الحرة”: “السعودية اقتنعت عندما تدخلت روسيا عسكريا أنه لا جدوى من العمل المسلح في الداخل، ولذلك كان لها مواقف في إنهاء معركة الجنوب والغوطة الشرقية”.
وعلى خلاف الروايات المذكورة يرى يوسف أن “التسارع في التطبيع يرتبط بشكل أساسي بدخول الصين على الخط بقوة، في الوقت الذي تنشغل فيه روسيا بحرب أوكرانيا”. “الصين أخذت على عاتقها هذا الدور”، وفق المحلل السوري.
ويشير الكاتب والمحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي إن “التطورات في العلاقة بين السعودية وسوريا لن تقف على فتح خطوط الطيران والقنصليات، بل قد تتطور إلى خطوات أكبر”، ويرى أنها “تلوح بالأفق في زيارة بن فرحان الحالية”.
ويقول آل عاتي: “خطط التقارب السعودي – السوري تأتي متأثرة بالقمة العربية المقبلة التي ستستضيفها المملكة. السعودية حريصة على إنجاح كل قمة تستضيفها”.
ويعتقد المحلل السعودي أن “المملكة تركّز على أن العلاقات يجب أن يكون لها ثمن بحماية القطر السوري من التدخلات الإقليمية ومنع تهديدات تهريب المخدرات وحماية الحدود السورية من أن تكون منطلقا وتهديدا للأمن العربي”.
كما “ستحث الجانب السوري على البدء بخارطة طريق سياسية سترسم فيها المملكة مع الجامعة العربية والمجتمع الدولي طريقا لحلحلة العلاقة بين المعارضة والشعب السوري والنظام”، وصولا إلى “سوريا لكل السوريين دون إقصاء طرف على طرف”.
أين إيران؟
وفي الوقت الذي وصلت فيه العلاقة بين الرياض ودمشق إلى مرحلة متقدمة، تثار تكهنات بشأن موقف إيران والمسار الذي سيمضي من خلاله النظام السوري، لكي يوازن العلاقة بين الحليف التقليدي والدول العربية، وعلى رأسها المملكة.
ولطالما حاولت إيران لتعويم بشار الأسد، وبينما أصرت الدول الغربية والولايات المتحدة على 3 لاءات ولا تزال تؤكد عليها حتى الآن، سعت الحليفة الأساسية لدمشق سياسيا وعسكريا لكسرها.
وهذه اللاءات هي: “لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات”.
وبوجهة نظر الباحث محمود البازي “من الممكن أن تستفيد السعودية (التي لا تستطيع الوصول إلى المياه الدافئة إلا عبر مضائق لا تسطير عليها كمضيق عدن، ومضيق هرمز) من الموانئ السورية في طرطوس واللاذقية”.
ويأتي ذلك بشكل تبادل تجاري وتبادل موارد الطاقة مع روسيا، التي تعتمد بشكل أساسي على موانئ سوريا.
ويوضح البازي أن إيران “تدافع عن عودة العلاقات لأنها ترغب في سيطرة الأسد على كل الأراضي السورية، ومع ذلك تراقب هذا التقارب بحذر كي لا يتم الإضرار بمصالحها”.
“هم لاعبون ذو نفس طويل بتحقيق الاستراتيجيات طويلة الأمد”.
ويضيف الباحث المختص بالشؤون الإيرانية: “لا يجب على أحد أن يعتقد بأن هناك أموالا مجانية سعودية لإعادة إعمار في سوريا أو استثمارات. هذه السياسات المالية كانت في زمن الوفرة النفطية، واليوم يتم التركيز على صناديق الاستثمار المحلية الداخلية في السعودية، وليس مشاريع مجانية أو مشاريع ذات نفس طويل تتأخر أرباحها”.
المصدر: الحرة. نت