يورد الزعيم الصيني شي جينبينغ أنه يستعد للحرب. في الاجتماع السنوي للبرلمان الصيني وأعلى هيئة استشارية سياسية في البلاد الذي انعقد في مارس (آذار)، تناول شي موضوع الاستعداد للحرب في أربعة خطابات منفصلة، وفي واحد منها طلب من جنرالاته أن “يتجرأوا على القتال”. كذلك، صرحت حكومته عن زيادة بـ7.2 في المئة في موازنة الدفاع الصينية، مع ملاحظة أن تلك النسبة قد تضاعفت خلال العقد الماضي، إضافة إلى إعلانها خططاً ترمي إلى جعل البلاد أقل اعتماداً على واردات الحبوب الأجنبية. وفي الأشهر الأخيرة، كشفت بكين عن قوانين جديدة للجاهزية العسكرية، وملاجئ جديدة للغارات الجوية في المدن المطلة على مضيق تايون، ومكاتب جديدة لـ”التعبئة العسكرية الوطنية” في جميع أنحاء البلاد.
واستطراداً، فمن السابق لأوانه الجزم على وجه اليقين بشأن ما تعنيه هذه التطورات. إذ إن الصراع ليس مؤكداً أو وشيكاً. في المقابل، ثمة ما تغير في بكين لا يستطيع صانعو السياسات وقادة الأعمال في جميع أنحاء العالم تجاهله. وإذا صرح شي أنه مستعد للحرب، فسيكون من الحماقة عدم أخذ كلامه على محمل الجد.
عويل الأشباح وارتجاف الأعداء
في الأول من مارس (آذار) 2023، حينما نشرت مجلة بارزة في مجال النظريات السياسية وتابعة للحزب الشيوعي الصيني مقالة بعنوان “تحت قيادة فكر شي جينبينغ عن تعزيز الجيش، سنتقدم منتصرين”، جاءت أولى المؤشرات الدالة على أن اجتماعات “البرلمان الشعبي الوطني” و”المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني” التي عقدت في العام الحالي، وتعرف باسم “الدورتين” لأن كلا الهيئتين تجتمعان في وقت واحد، قد لا تكون [الاجتماعات] تسييراً روتينياً للأعمال. وقد ظهرت المقالة تحت اسم “جون جانغ” Jun Zheng، وهو لفظ مجانس لـ”الحكومة العسكرية” يشير ربما إلى أعلى هيئة عسكرية في الصين، أي “اللجنة العسكرية المركزية”.
وجادلت المقالة بأنه “يجب تسريع عملية تحديث الدفاع الوطني والجيش”. كذلك، دعت إلى تكثيف الاندماج بين القطاعين العسكري المدني، من خلال اعتماد سياسة شي التي تتطلب من الشركات الخاصة والمؤسسات المدنية أن تخدم الجهود الرامية إلى التحديث العسكري الصيني. وفي ما يلي مقتطفات بتصرف من خطاب ألقاه شي أمام القادة العسكريين الصينيين في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تضمن انتقادات واضحة نوعاً ما للولايات المتحدة:
في مواجهة الحروب التي قد تفرض علينا، يجب أن نتحدث إلى الأعداء بلغة يفهمونها ونستخدم النصر كي نكسب السلام والاحترام. في هذا العصر الجديد، يصر الجيش الشعبي على استخدام القوة من أجل وقف القتال. ويشتهر جيشنا ببراعته في القتال وروحه المقاومة القوية. لقد ألحق هزيمة بجيش الـ”كومينتانغ” المجهز بالمعدات الأميركية، مستخدماً حبوب الدخن والبنادق [عبارة رددها ماو تسي تونغ للتعبير عن انتصار جيش التحرير الشعبي على حزب الكومينتانغ القومي الذي قاده الجنرال شيان كاي تشيك، بعيد الحرب العالمية الثانية. فلجأ تشيك وأنصاره إلى تايوان]. وكذلك انتصر “جيش التحرير الشعبي” على العدو الأول للعالم [إشارة إلى أميركا] المدجج بالسلاح في ساحة المعركة الكورية، وخاض معارك قتالية مثيرة اتسمت بالعظمة والهيبة، هزت العالم وتسببت في نحيب الأشباح والآلهة [انتهت المقتطفات].
وحتى قبل نشر المقالة، برزت مؤشرات على أن القادة الصينيين يخططون ربما لصراع محتمل. في ديسمبر (كانون الأول) 2022، أصدرت بكين قانوناً جديداً من شأنه تمكين “جيش التحرير الشعبي” من تحريك قواته الاحتياطية بسهولة أكبر وإضفاء الطابع المؤسساتي على نظام يهدف إلى تعبئة القوات القتالية في حال نشوب حرب. ووفق ما لاحظه المحللان لايل غولدشتاين وناثان واكتر، فإن هذا النوع من الإجراءات يشير إلى أن شي قد استخلص ربما دروساً حول التعبئة العسكرية، من إخفاقات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا.
والجدير بالذكر أن هذا القانون الساري على جنود الاحتياط العسكريين لا يشكل التغيير القانوني الوحيد الذي يلمح إلى استعدادات بكين. ففي فبراير (شباط) 2023، اعتمدت الهيئة التداولية العليا الخاصة بـ”البرلمان الشعبي الوطني” قراراً متعلقاً بتعديل “تطبيق بعض أحكام “قانون التشريعات الجنائية” على الجيش خلال فترة الحرب”، ووفقاً لصحيفة “بيبولز دايلي” People’s Daily التي تديرها الدولة، يمنح هذا القرار “اللجنة العسكرية” صلاحية تعديل الأحكام القانونية، بما في ذلك “الاختصاص [الولاية القضائية]، والدفاع والتمثيل، والإجراءات الإجبارية، ورفع الدعاوى، والتحقيق، والمقاضاة، والمحاكمة، وتنفيذ الأحكام”. وعلى رغم أنه من المستحيل التنبؤ بكيفية استخدام هذا القرار، إلا أنه يمكن أن يتحول إلى سلاح يستهدف الأفراد الذين يعارضون الاستيلاء على تايوان. وقد يستخدمه “جيش التحرير الشعبي” أيضاً للمطالبة بممارسة سلطة قضائية قانونية على منطقة محتلة، على غرار تايوان. وكذلك قد تستغله بكين كي تجبر المواطنين الصينيين على دعم قراراتها في زمن الحرب.
ومنذ ديسمبر 2022، فتحت الحكومة الصينية أيضاً عدداً كبيراً من مكاتب “التعبئة العسكرية الوطنية”، أو مراكز التجنيد، في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في بكين، وفوجيان، وهوبي، وخونان، ومنغوليا الداخلية، وشاندونغ، وشنغهاي، وسيشوان، والتبت، ووهان. في الوقت نفسه، بدأت المدن في مقاطعة فوجيان، المطلة على مضيق تايوان، في بناء أو تحديث ملاجئ الغارات الجوية و”مستشفى طوارئ واحد على الأقل لزمن الحرب”، وفقاً لوسائل الإعلام الحكومية الصينية. وفي مارس (آذار)، بدأت فوجيان وعدد من المدن في المقاطعة تمنع “عناوين بروتوكول الإنترنت” IP address الأجنبية من الوصول إلى مواقع الـ”ويب” الحكومية، ربما بهدف عرقلة إمكانية تتبع التحضيرات الصينية للحرب. [تحدد عناوين بروتوكول الإنترنت الهوية الشبكية لكل موقع على الشبكة العنكبوتية].
النزعة الفلاديميرية داخل شي
إذا كانت تلك التطورات تشير إلى حدوث تحول في طريقة تفكير بكين، فإن اجتماعات الدورتين في أوائل شهر مارس تؤكد ذلك. ومن بين المقترحات التي ناقشها “المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني”، أي الهيئة الاستشارية، هناك خطة ترمي إلى إعداد قائمة سوداء تضم النشطاء المؤيدين لاستقلال تايوان والقادة السياسيين فيها. طرح تشو شياو بينغ، المدون القومي المتطرف الشهير، هذه الخطة التي تأذن باغتيال الأفراد المدرجين في القائمة السوداء، بمن فيهم نائب رئيسة تايوان، وليام لاي تشينغ تي، إذا لم يحسنوا الأساليب التي يستخدمونها. وفي وقت لاحق، صرح تشو لصحيفة “مينغ باو” في هونغ كونغ أن المؤتمر وافق على اقتراحه و”أحاله إلى السلطات المعنية من أجل تقييمه والنظر فيه”. في الحقيقة، إن اقتراحات مثل تلك التي يتقدم بها تشو لا تأتي من طريق الصدفة. في عام 2014، أشاد الرئيس شي بـ”تشو” بسبب “الطاقة الإيجابية” التي تتسم بها لائحة تذمراته من تايوان والولايات المتحدة.
وفي “اجتماعات الدورتين” نفسها، أعلن لي ككيانغ، رئيس مجلس الدولة المنتهية ولايته، موازنة عسكرية تبلغ 1.55 تريليون يوان (حوالى 224.8 مليار دولار) لعام 2023، بزيادة قدرها 7.2 في المئة عن العام الماضي. ودعا لي أيضاً إلى مضاعفة “الاستعدادات للحرب”. في الواقع، لطالما اعتقد الخبراء أن الصين لا تبلغ عن نفقاتها الدفاعية بالأرقام الصحيحة. ومثلاً، في عام 2021، ادعت بكين أنها أنفقت 209 مليارات دولار على الدفاع، لكن “معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام” قدر أن الرقم الحقيقي يصل إلى 293.4 مليار دولار. وتجدر ملاحظة أنه حتى الرقم الرسمي الذي تصرح الصين بأنها تنفقه، يتجاوز مجموع المبالغ التي أنفقت على الدفاع من قبل حلفاء أميركا ضمن “معاهدة المحيط الهادئ” (أستراليا واليابان والفلبين وكوريا الجنوبية وتايلاند)، ومن المؤكد أن الصين تنفق أكثر بكثير مما تعلنه.
ربما ليس من المستغرب أن أكثر اللحظات دلالة وتعبيراً في اجتماعات الدورتين، تمحورت حول شي نفسه. لقد ألقى الزعيم الصيني أربعة خطابات في المجمل، واحداً لمندوبي “المؤتمر الاستشاري السياسي الشعبي في الصين”، واثنين لـ”المؤتمر الوطني الشعبي”، وواحداً للجيش والقيادات شبه العسكرية. وفي تلك الخطابات، وصف الرئيس شي مشهداً جيوسياسياً قاتماً، وأشار إلى الولايات المتحدة على وجه التحديد باعتبارها خصماً للصين، وحث الشركات الخاصة على خدمة أهداف الصين العسكرية والاستراتيجية، وأكد مجدداً أنه يرى توحيد تايوان مع البر الصيني الرئيس ضرورياً من أجل نجاح سياسته المميزة الرامية إلى تحقيق “التجديد العظيم للعرق الصيني”.
في أول خطاب له في السادس من مارس 2023، بدا أن شي يعمل على تجهيز القاعدة الصناعية الصينية، كي تخوص النضال والنزاع. وحذر من أنه “في الفترة المقبلة، ستزداد المخاطر والتحديات التي نواجهها وستشتد حدتها. وفي الحقيقة، لا يمكن للناس الاستمرار في تحقيق انتصارات أجد وأعظم إلا حينما يفكرون جميعاً في الاتجاه نفسه، ويعملون بجد في الاتجاه نفسه، ويساعدون بعضهم بعضاً حينما يمرون في الظروف الصعبة نفسها، ويتحدون معاً، ويتجرأون على القتال، ويبرعون فيه”. وبغية مساعدة الحزب الشيوعي الصيني: في تحقيق تلك “الانتصارات الأعظم”، تعهد شي تزويد الشركات الخاصة “بالتوجيه الصحيح” للاستثمار في مشاريع منحتها الدولة الأولوية.
واستطراداً، انتقد شي الولايات المتحدة بشكل مباشر في خطابه، مغيراً عادته المتمثلة في عدم تسمية واشنطن كخصم إلا في السياقات التاريخية. واعتبر أن الولايات المتحدة وحلفاءها يمثلون السبب الرئيس للمشكلات التي تواجهها الصين حالياً. وبحسب كلماته، فإن “الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة نفذت عملية احتواء من الاتجاهات جميعها. وقد طوقتنا وقمعتنا، الأمر الذي أدى إلى تحديات خطرة غير مسبوقة تحدق بمسيرة التنمية في بلادنا”. وفي حين ركزت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على “حواجز الأمان” وغيرها من الوسائل المستخدمة لإبطاء تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، فمن الواضح أن بكين تستعد لحقبة جديدة أكثر تصادمية.
وفي الخامس من مارس الماضي، ألقى شي خطاباً ثانياً عرض فيه تصوراً عن الاكتفاء الذاتي الصيني، واستفاض فيه أكثر من أي من أحاديثه السابقة عن ذلك الموضوع. ورأى أن مسيرة الصين نحو التحديث تعتمد على وضع حد للاعتماد التكنولوجي على الاقتصادات الأجنبية، قاصداً بذلك الولايات المتحدة والديمقراطيات الصناعية الأخرى. كذلك، بين أنه يريد من الصين إنهاء اعتمادها على واردات الحبوب والسلع المصنعة. وأعلن أنه “في حال واجهنا نقصاً في أي منهما، فإن السوق الدولية لن تحمينا”. وفي اليوم نفسه، صدر تأكيد عن لي، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، بشأن النقطة نفسها ضمن “تقرير العمل” الحكومي السنوي، مشيراً إلى أن بكين يجب أن “تعمل بلا هوادة كي تضمن أن أيادي 1.4 مليار صيني تمسك بنفسها أطباق الرز بإحكام”. حالياً، تعتمد الصين على الواردات في أكثر من ثلث استهلاكها الصافي من المواد الغذائية.
بعد ذلك، ضمن خطابه الثالث الذي ألقاه في الثامن من مارس الماضي أمام ممثلين عن “جيش التحرير الشعبي” و”الشرطة المسلحة الشعبية”، أعلن شي أن الصين يجب أن تركز جهودها الابتكارية على تعزيز الدفاع الوطني وإنشاء شبكة من قوات الاحتياط الوطنية يمكن الاستفادة منها في زمن الحرب. كذلك دعا إلى حملة “تعليم الدفاع الوطني” National Defense Education من أجل توحيد المجتمع وراء “جيش التحرير الشعبي”، ذاكراً كمصدر إلهام “حركة الدعم المزدوج” Double Support Movement، وهي حملة شنها الشيوعيون عام 1943 بهدف عسكرة المجتمع في منطقة “يانآن” التي شكلت قاعدة أساسية لهم.
وفي خطابه الرابع (وهو أول خطاب ألقاه بصفته رئيساً لولاية ثالثة)، في 13 مارس الماضي، أعلن شي أن “جوهر” حملته من أجل التجديد العظيم يتمثل في “توحيد الوطن الأم”. على رغم أنه يلمح عادة إلى العلاقة بين ابتلاع تايوان وحملته التي يتباهى بها بشدة والرامية إلى جعل الصين، بشكل أساسي، عظيمة مرة أخرى، إلا أنه من النادر أو ربما من المستحيل أن يفعل ذلك بمثل هذا الوضوح.
أخذ شي على محمل الجد
بعد مرور عقد على حكم شي، فقد تجلى بوضوح ضرورة أخذه على محمل الجد، وهو أمر لا يفعله عدد من المحللين الأميركيين، للأسف. حينما أطلق شي سلسلة من الحملات العدوانية ضد الفساد، والمؤسسات الخاصة، والمؤسسات المالية، وقطاعي العقارات والتكنولوجيا، توقع محللون كثيرون أن تكون تلك الحملات قصيرة الأجل. لكنها استمرت لوقت طويل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى سياسة “صفر كوفيد” الصارمة التي انتهجها شي لمدة ثلاث سنوات، إلى أن أجبر بشكل غير معهود على تغيير هذا النهج في أواخر عام 2022.
وحاضراً، يكثف شي حملة دامت عشر سنوات تهدف إلى كسر أهم أوجه التبعية والاعتماد في الاقتصاد والتكنولوجيا الصينيين، على العالم الديمقراطي الذي تقوده الولايات المتحدة. إنه يفعل ذلك تحسباً لمرحلة جديدة من “النضال” الأيديولوجي والجيو – استراتيجي، على حد تعبيره. وفي الواقع، فإن رسالته حول الاستعداد للحرب واعتباره أن النهضة الوطنية تتساوى مع الوحدة بين الصين وتايوان، يمثلان مرحلة جديدة في حملته الحربية السياسية الرامية إلى تخويف تايوان. ومن الواضح أنه على استعداد لاستخدام القوة من أجل الاستيلاء على تلك الجزيرة. في المقابل، يبقى الشيء غير الواضح متمثلاً في مدى اعتقاده بقدرته على فعل ذلك من دون المخاطرة بتصعيد يخرج عن السيطرة مع الولايات المتحدة.
* جون بومفريت، الرئيس السابق لمكتب صحيفة “واشنطن بوست” في بكين، ومؤلف كتاب “البلد الجميل والمملكة الوسطى، أميركا والصين، بين عام 1776 والوقت الحاضر”.
** مات بوتينجر، مدير برنامج الصين في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”. وقد شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي بين عامي 2019 و2021.
فورين أفيرز مارس (آذار)/ إبريل (نيسان) 2022
المصدر: اندبندنت عربية