هل لدى سلطنة عمان أوهام بطبيعة نظام الأسد؟ هل دولة مثل الإمارات تقدر أهمية السلم الاجتماعي في العلاقة بين الحاكم والمواطن تتقبل سلوك الأسد في التعامل مع شعبه؟
لنبدأ من نهاية المقال، وهو السؤال الذي نحاول الإجابة عنه: هل هناك حل في سوريا بعيدا عن وجود نظام الأسد؟
الرئيس السوري بشار الأسد ارتكب كل أنواع الأخطاء السياسية؛ بدءا باعتماد نظام علماني على حزب الله الطائفي والإشادة بحماس الإخوانية، ومرورا بالاستسلام للتحريض القطري ضد السعودية وليس انتهاءً بالحديث عن “أنصاف الرجال”. ولعل الأسوأ هو الإحساس بأنه كرئيس شاب، لديه الدهر كله ليحل مشاكل سوريا؛ ويتجلى ذلك أساسا من خلال الحديث عن الاستثمار في تقنية المعلومات، باعتباره استخدم وضعه كرئيس لجمعية المعلوماتية السورية إبان حكم أبيه الرئيس الراحل حافظ الأسد، لنجد أن سوريا عام 2000 حين تسلم الحكم، وسوريا عام 2011 حين نشبت ضده الثورة السورية، بقيت تراوح مكانها في حين تحرك العالم سياسيا واقتصاديا وديمغرافيا. لم يلتقط بشار الأسد المحطات الخطيرة في درب التحولات الكبرى في المنطقة، وخصوصا غزو الولايات المتحدة للعراق والإطاحة بنظامه، أو تبعات اغتيال رفيق الحريري في لبنان، أو إعادة تركيا إلى المنطقة بحجة التقارب مع نظام رئيس الوزراء/ رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.
لو نظرنا إلى مشاكل سوريا اليوم سنجدها امتدادًا لاستثمارات سياسية خاطئة لنظام الأسد. الإسلاميون، الأشد خطرا تقليديا على نظام الأسد، هم نتاج لمصالحة رعتها قطر بين النظام والإخوان وحماس، أو لسذاجة في فهم خطورة السلفيين الذين تسللوا عبر سوريا نحو حرب العراق، فعادوا بهذه الحرب إلى سوريا بمسميات داعش والقاعدة والنصرة. الاحتفاء بأردوغان جزء من معادلة القبول بوجود إسلاميين في الحكم، مباشرة كما في حال سيطرة حماس على غزة، أو غير مباشرة كما هو حال حزب الله. لسبب ما، كان الأسد يعتقد أن بوسعه استخدام كل هؤلاء الإسلاميين لصالحه، مرة لمنع الأميركيين من توجيه دباباتهم من بغداد نحو دمشق، ومرات من أجل السيطرة على الرواية القومية في مواجهة الصهيونية وإسرائيل تحت مسميات القضية الفلسطينية والممانعة.
عجز الأسد عن قراءة المتغيرات العالمية. لكن عجزه الأكبر تجسد في عدم قدرته على قراءة المتغيرات في بلده، من مشروع مفتوح زمنيا للتغيير بلا أي تغيير، إلى شباب انسدّ في وجوههم الأفق، ثمّ إلى تصحر في شرق البلاد وشمالها، ما ترتبت عليه هجرة داخلية متذمرة لأعداد كبيرة من السوريين ممن وجدوا أنفسهم بلا خيارات آنية أو مستقبلية. ثم حدث الانفجار الكبير الذي استبقه الأسد بالقول إن الوضع في سوريا يختلف عن الوضع في تونس مثلا. واكتشفنا أن سوريا بالفعل تختلف عن تونس وأنها كوكتيل متفجر بما لا يمكن مقارنته مع الكثير من البلدان في الشرق الأوسط.
استثمرت قطر والسعودية في الأزمة السورية بشكل كبير، كل منهما لأسبابها الخاصة؛ قطر، بانتهازيتها المعروفة واعتقادها أن عصر الإخوان قد حل وأن البوابة التركية ستكفل لها السيطرة على مصير سوريا ما بعد الأسد، والسعودية بمنطق الانتقام مرتين: مرة لدور حقيقي أو مفترض في تصفية أهم استثمار سعودي في لبنان تجسد برفيق الحريري الذي اغتيل تحت عين الحكم السوري العسكري للبنان، ومرة لموقف سوري من الحكم في السعودية ووصفه بكل الأوصاف المقذعة دون مبرر إلا مجاراة لموقف القطريين والإيرانيين.
العداء القطري والسعودي لنظام الأسد مستمر إلى الآن، أو للدقة العداء لما تبقى من نظام الأسد، كدولة وكسيطرة على الأرض وكدور في المنطقة. يبدو بشار الأسد اليوم في وضع أقوى، ربما لأنه وجد من يدعمه في حربه، أو لأن أعداءه اليوم أضعف كثيرا مما كانوا يوم اشتعلت الحرب الأهلية السورية. قطر أهدأ اليوم، والسعودية تهتم بالسعودية أكثر من اهتمامها -مثلا- بلبنان وتفاهة زعمائه، وتركيا التي طوحت بها صراعاتها، مع نفسها اقتصاديا وسياسيا، ومع الآخرين في محاولة فرض النفوذ على المنطقة.
حتى قبل الزلزال، كان هناك من ينظر بجدية إلى إعادة تأهيل سوريا كبلد حتى لو كان هذا يمر بإعادة تأهيل النظام. هل لدى سلطنة عمان أوهام بطبيعة نظام الأسد؟ هل دولة مثل الإمارات تقدر أهمية السلم الاجتماعي في العلاقة بين الحاكم والمواطن تتقبل سلوك الأسد في التعامل مع شعبه؟ الرد لا شك سيكون لا. لكن هذه دول مسؤولة تعرف أن ما على المحك اليوم هو سوريا وليس نظام الأسد. ومن لديه شبهة أوهام بأن هذه النظرة هي الأكثر واقعية، فعليه أن ينظر إلى ما حدث في العراق واليمن حين جر انهيار النظامين في بغداد وصنعاء ويلات على البلدين وعلى المنطقة. بل إن صورة لما كان يحدث في الرقة وغير الرقة من جرائم داعش، تكفي لتفهم لماذا اختار الكثير من السوريين الوقوف إلى جانب نظام الأسد وهم يدركون كل عيوبه، بعيدا عن السير في حرية من النظام برعاية داعش أو النصرة. لا حب مفقودا للنظام، ولكن السوري يسأل نفسه وهو يختار: أيهما تكره أكثر، النظام أم داعش؟
في مرحلة جر قطر لمجلس التعاون والجامعة العربية للوقوف ضد سوريا (واليمن)، تجاوب الجميع تقريبا وذهبوا بعيدا في قبول ما أملاه وزير الخارجية القطري آنذاك الشيخ حمد بن جاسم على مؤسسات المجلس والجامعة. الوضع اليوم يبدو مختلفا. تعلمت الدول العربية دروسا مختلفة الأوجه من مخاطر عزل دول مهمة مثل سوريا واليمن وقبلهما العراق. حجة الإجماع في الموقف للضغط على نظام الأسد أو علي عبدالله صالح، أدت إلى كوارث في البلدين والمنطقة ككل. قطر تقيم علاقات متينة مع إيران، في حين تهدد إيران السعودية من الجنوب في اليمن، ووصلت إلى البحر المتوسط عبر ممر أرضي يمر عبر العراق وسوريا. هذا إجماع عربي مجاني للتمكين الإيراني من المنطقة وليس لردع نظام الأسد أو نظام علي عبدالله صالح.
اليوم الأسد في أبوظبي وقبل أيام في مسقط. هاتان الزيارتان وغيرهما المحتملة هي إعادة تأهيل مسؤولة لسوريا وليست احتفاء بنظام. العناد والأحقاد لا مكان لهما في معادلة الحرص على بقاء سوريا حتى وإن كان الأمر يمر من خلال التعامل مع بشار الأسد ونظامه.
عودة إلى سؤال البدء وهو سؤال الختام: هل لمقاربة مسؤولة في التعامل مع الوضع في سوريا أن تنكر بقاء النظام؟
المصدر: العرب