بعد اثني عشر عاماً من الصراع غير المتكافئ بين شعب، اوصله الاستبداد والقهر إلى درجة السحق المدمر، وبين أباطرة وأرباب الاستغلال والاستثمار والاضطهاد في المنظومة الدولية المهيمنة الذين اثبت لنا زمن الثورة وتجربتها أنهم صناع جميع أنظمة منطقتنا العربية المستبدة. وعلى رأسهم نظام العصابة الأسدية الذي مارس كل أدوات التدمير والقتل والإبادة في أرضنا وعلى شعبنا أطفالاً وشيوخاً ونساءً ورجالاً.
وأنهم خلف صناعة كل مستويات الصراع في مفاصل الثورة وتقلبات أحداثها، لازال أوار الثورة يتحرك هادراً هنا وهناك من أرض الوطن وبأشكال متعددة ومختلفة متجاوزاً جميع أدوات الكبح والتيأيس وغسل الأدمغة بمقولات اللا جدوى والتعب والجوع وانعدام الرؤى المستقبلية والإيهام بالوصول إلى طريق مسدود.
لم يكن يخطر بالبال عندما انطلقت الثورة في الخامس عشر من الشهر الثالث عام 2011، أن يتغير مسار الثورة بعيداً عن المسار الابتدائي الذي أعلنت الثورة فيه بعد الأشهر الستة الأولى من انطلاقتها، أن العصابة النظام على وشك الانهيار والسقوط وأن المظاهرات المليونية كادت أن تطلق ضربتها الأخيرة فتدفن بواسطتها، وإلى الأبد أقذر عصابة في التاريخ.
لكن المفاجأة فرضت نفسها بل لنقل المفاجآت، فمن منا كان يتوقع أن يظهر خواء وعجز القوى السياسية الديمقراطية المعارضة للعصابة تاريخياً، بدءاً من ممارساتها على الأرض وفي ميادين الثورة بين الشباب الثائر من تنسيقيات ومجالس أحياء ومدن وانتهاء بأدائها في المجلس الوطني وما تلاه في الائتلاف المُصنّع القاصر.
ومن كان منا يتوقع ألا يهضم الإخوان المسلمون تجربتهم التاريخية مع نظام العصابة في الثمانينات من القرن المنصرم المعروفة ويستفيدوا من دروسها وعبرها، فلا يذهبون منفردين في الميدان باذلين قصارى جهودهم المالية والتنظيمية ليحتكروا الثورة ومندرجاتها لصالحهم ولتفردهم، بعيداً عن القوى الثورية الأخرى.
ومن كان يتوقع أن ينام هؤلاء على أنغام الأخرين من الأطراف الدولية والإقليمية والعربية ….
ومن منا كان يتوقع أن المنظومة الدولية التي باتت تظهر لسكان المعمورة، وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق تحديداً أنها راعية وحامية وحارسة قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والدولة الوطنية وسيادتها ومناهضة التمييز العنصري، وتبشر كذلك بالعولمة الإنسانية التي تجلب الخير والرخاء والرفاه الاقتصادي والمادي لكل سكان المعمورة، هي من يدق أول إسفين في مسار الثورة السورية، فيغذي افسادها وأسلمتها ودعشنتها وارهابيتها ويدفع فيها إلى مهاوي الاستغراق في الزمن والتغيير الديمغرافي وتأسيس مرتكزات الكيانات المنفصلة والمتفصلة جغرافيا وديمغرافيا فيغدو واقعاً قائماً.
ليكتشف بالتالي كل السوريين الثائرين أن اللعبة الدولية القذرة كانت لثورتهم بالمرصاد وأن ما أعلن عنه في الثمانينات من القرن المنصرم من التحضير لإنتاج شرق أوسط جديد يرعاه الكيان الصهيوني تحت عناوين الذكاء اليهودي والمال الخليجي والأيد العاملة العربية الرخيصة، هو المشروع الذي كانت تنجدل لأجله محطات الفعل الصراعي وصناعة الأحداث في مسار الثورة.
واليوم، وقد بات المشهد واضحاً وضوح الشمس حيث ها هي المنظومة الدولية بأدواتها وموظفيها من رموز أشخاص ودول اقليمية وعربية تتهافت نحو رأس العصابة تحت عناوين الرحمة والإنسانية ووقف نزيف الدم.
في حين أنهم في حقيقة الأمر يتهافتون على استثمار ما تم تكريسه على الأرض من تدمير وتخريب وتغيير في بنية شعبنا ووطننا الجغرافية والسكانية والمجتمعية عن طريق إعادة الإعمار وعودة الأمان والسلام ليلجوا بنا لاحقاً إلى انتاج ما وعدونا به أيضاً مما سمي بصفقة القرن أي إقرار الهيمنة الإسرائيلية على كيانات هذه المنطقة مما يسمونه الشرق الأوسط الجديد الذي سيرفُل بالرخاء الاقتصادي والتقني والعلمي المزعوم، كما ويعدون العدة أيضاً من خلال أدواتهم التي تم الإعلان عنها في المنفى لما يسمى السلام الابراهيمي، وتتويجها لاحقاً بالديانة الابراهيمية ويلحقها ايضاً مسمى العالم الابراهيمي اخيراً.
وآخراً..
سينسدل الستار في أكبر مصالحة تاريخية مع العدو الاسرائيلي وفق حل الدولتين الذي حمل اسم المبادرة العربية منذ تسعينات القرن الفائت…
واليوم، وأمام هذه الصورة التي انكشف غالبية أجزائها، لا بد من العودة إلى اوار الثورة المتحرك الذي يتبدى هنا وهناك في الأرض السورية، ويعلن عن نفسه بأشكال مختلفة وخاصة بمناسبة الذكرى الثانية عشر للثورة، فنجد انه في وضع تختمر فيه عناصر تأكيد وترسيخ التحرك الثوري الناضج والذي تتمظهر فيه كل علامات المواجهة والمقاومة لا عتى وأعقد مشروع دولي حداثي معاصر، وسيكون لنا بهجة مشاهدة تساقط هذه المنظومة وتلاشيها بإذن الله ليفسح المجال لإعلان انتصار الثورة العظيمة فتعلن بذلك فتح السبيل لانتصارات ثورات الربيع العربي كافة.
وإن غداً لناظره قريب.