قال سايمون واتكينز في مقال نشره موقع “أويل برايس” إن الصين والولايات المتحدة تتنافسان على “المركز الحيوي للنفط في الشرق الأوسط” أي عُمان التي تحضر في نهاية الشهر لمنح مجموعة من الامتيازات في حقول النفط والغاز البرية ومجموعة أخرى من حقول الغاز والنفط البحرية في نهاية حزيران/يونيو، حسبما أعلن وزير الطاقة العماني الأسبوع الماضي.
ويقول واتكينز إن الصين استهدفت عمان في السنة الماضية، نظرا لأهميتها في الشرق الأوسط، أكثر من أهمية الكمية المؤكدة من احتياطاتها النفطية 5.4 مليار برميل، مما يجعلها في المرتبة 22 من دول العالم ذات الاحتياطات النفطية الكبيرة. ويقول الكاتب إن الأسس لتعهدات الصين المالية وحملتها الدبلوماسية لجذب دول الخليج وضعت عبر سلسلة من اللقاءات مع عمان والدول الجارة في بكين في كانون الثاني/يناير 2022، بين مسؤولي الحكومة الصينية البارزين ووزراء خارجية كل من السعودية وعمان والكويت والبحرين إلى جانب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي.
وقدم الكاتب تحليلاً معمقاً لهذه اللقاءات في كتاب له حول أسواق النفط وتدور حول موضوع رئيسي وهو توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي وتوثيق “تعاون استراتيجي أعمق” في المنطقة التي يظهر فيها تراجع في تأثير الولايات المتحدة. وبالتالي لدى الصين والولايات المتحدة الأسباب الحقيقية لتأمين هذه الامتيازات في منطقة حيوية للنفط في الشرق الأوسط.
وتحتل سلطنة عمان منطقة جغرافية وجيوسياسية مهمة في طرق النفط، ولدى البلد شاطئ طويل على خليج عمان وبحر العرب بشكل يعطي فرصة لا تعوض للأسواق في الشرق والغرب. وتقدم مخازن النفط وموانئ السلطنة البديل الوحيد في الشرق عن مضيق هرمز، الذي تتحكم به إيران وتمر عبره ثلث إمدادات النفط العالمية والنفط الخام. ونظرا لمساحته الضيفة فمن السهل استهداف ناقلات النفط من خلال سفن أخرى أو من البر. وأدى خلاف 2011 حول مضيق هرمز لجعل عُمان بلدا جذابا وواحدا من مراكز تخزين النفط العالمي إلى جانب سنغافورة في الشرق الأقصى وإي أر إي في أوروبا (أمستردام- روتردام- أنتويرب) وكوشينغ الأمريكية.
وبدأ الخلاف في كانون الأول/ديسمبر 2011 عندما هددت إيران بالحد من مرور إمدادات النفط عبر المضيق لو أدت العقوبات لعرقلة أو وقف صادرات النفط الإيرانية، وشملت التهديدات مناورات عسكرية استمرت 10 أيام قرب المياه الدولية، قرب نقطة الاختناق.
وما تريده الصين من عمان هو السيطرة على كل نقاط الاختناق المرورية من الشرق الأوسط إلى أوروبا والتي تحاول تجنب الطريق المكلف وتحديات الملاحة البحرية حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا ومنطقة مضيق هرمز الحساسة من الناحية السياسية.
يتساوق هذا الهدف مع خطة الصين المتجسدة في “حزام واحد وطريق واحد” القائم على سلسلة من المشاريع المتعددة.
وتسيطر الصين على مضيق هرمز من خلال الاتفاقية التي وقعتها مع إيران وتشمل تعاونا لمدة 25 عاما واستثمارات في البنى التحتية البحرية والصناعات والنقل. وتعطي نفس الصفقة الصين سيطرة على مضيق باب المندب والذي تمر منه سفن النفط إلى البحر الأحمر وإلى قناة السويس وقبل أن تواصل إبحارها في البحر الأبيض المتوسط إلى الغرب. وتم إنجاز هذا من خلال وقوع باب المندب بين اليمن، الذي يسيطر فيه الحوثيون أنصار إيران، على مساحات واسعة فيه، وجيبوتي التي أسست فيها الصين حضورا قويا.
وقبل اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي في كانون الأول/ديسمبر 2021، استخدمت الصين الدبلوماسية والمال لتوسيع حضورها في عُمان. وتمثل الصين 90% من صادرات النفط العمانية والصادرات البتروكيماوية، إذ سارعت بكين بالإعلان عن التزامها في استثمار 10 مليارات دولار إضافية في المشروع الرئيسي للبلاد وهو مشروع مصفاة دقم. ومع أن مزيدا من الاستثمارات الصينية كانت موجهة من الناحية النظرية نحو إكمال مشروع المصفاة إلا أن الصين تعهدت باستثمارات أخرى في مشروع منطقة للصناعات الثقيلة والخفيفة والتي تستخدم لأغراض متنوعة على مساحة 11.72 كيلومترا مربعا بدقم. وهو ما سيسمح للصين بغرس علمها في المناطق الإستراتيجية بالسلطنة. وجاءت الإشارات عن تحول عمان للفلك الصيني قبل اجتماعات مجلس التعاون الخليجي، ففي حزيران/يونيو 2021، قال وزير الغاز والنفط محمد الرمحي إن السلطنة تريد إحياء خطة لنقل النفط من إيران حالة تمت العودة للاتفاقية النووية، وإنها تفكر بتوسيع الخط إلى اليمن.
وكان خط النفط هو جزء من اتفاقية موسعة وقعتها عمان مع إيران عام 2013 وتوسع مداها في 2014 وتمت المصادقة عليها عام 2015 وتركزت على استيراد عمان سنويا 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني ولمدة 25 عاما. وكان من المتوقع البدء بتطبيق الاتفاقية في 2017، أي أقل من مليار متر مكعب في اليوم وقيمتها 60 مليار دولار في ذلك الوقت. وكان الهدف هو تغيير الكمية إلى 43 مليار متر مكعب في السنة ولمدة 15 عاما ومن ثم تعديلها إلى 28 مليار متر مكعب في العام لفترة أدناها 15 عاما.
وبحسب بيان الصفقة عام 2015، قال مدير الشركة الوطنية الإيرانية للنفط في حينه، مهران أمير معيني، إن الشركة الإيرانية تعمل على آلية عقد مختلف يتعلق بالبنود الرئيسية للمشروع. وبشكل محدد، في الفقرة المتعلقة بالبر من المشروع ستغطي حوالي 200 كيلومتر لأنبوب بقياس 56 بوصة (سيتم تصنيعها في إيران) ويمتد من رودان إلى جبل مبارك في جنوب إقليم هرمزغان. وسيشمل الجزء البحري على خط بحجم 36 بوصة ويمتد على طول 192 كيلومترا على طول المنعطف لبحر عمان وبعمق 1.340 من إيران إلى ميناء صحار العماني. وكانت الفكرة هي فتح المجال لحرية الحركة للنفط والغاز الإيراني إلى عمان ومنها إلى الأسواق العالمية. ولكن إيران تعرضت للعقوبات وتم تصميم هذا الخط لتدفق النفط، الذي لا عقوبات عليه والذي كان يمر عبر العراق. وكان هذا سيفتح المجال أمام دخول إيران لسوق الغاز المسال سهل النقل.
وبشكل مخالف، الغاز المنقول عبر الأنابيب يحتاج إلى مزيد من الوقت والمال وصيانة مستمرة قبل أن يتوفر. وفي عالم باتت فيه الحاجة ملحة لتعويض الغاز الروسي، أصبح الغاز الطبيعي المسال الإمداد “المرجح” في إمدادات الغاز، وطالما تطلعت إيران لأن تصبح رائدة عالميا في مجال الغاز الطبيعي المسال ولا تزال هذه الخطط قائمة. ولتحقيق هذا حاولت إيران وكجزء من اتفاقيتها مع عمان في 2013- 2015 الاستفادة من حوالي 25% من منشآت إنتاج الغاز بالسلطنة. وعندما يتم تحويل الغاز إلى غاز مسال فسيتم تحميله في ناقلات ودفع عمولة لعمان. وكان من المتوقع البدء في هذا بعد إكمال الأنابيب البرية والبحرية. وإلى جانب المنفعة من هذا التآزر في المحور الإيراني- الصيني، فإنه سيكمل الخط الذي يتم من خلاله التحايل على العقوبات وهو غوريه- جاسك ولديه قدرة على نقل مليون برميل في اليوم من الحقول الرئيسية في إيران ويمتد من غوريه في شعيبية غربي في إقليم خوزستان وعلى مسافة 1100 كيلومتر إلى ميناء جاسك في هرمزغان على خليج عمان.
وبحسب تصريحات الرمحي وقت توقيع الاتفاقية وفي مناسبات أخرى، فإن مسقط مستعدة لأن تكون معبرا لخطوط الغاز التي تبدأ من حقل إيران العظيم “جنوب بارس” إلى صحار شمال عمان. ويربط الخط هذا بالخط الموجود ويمتد حتى صلالة قرب حدود اليمن ويمكن مده للأراضي اليمنية حيث يخوض الحوثيون حربا ضد السعودية.
المصدر: “القدس العربي”