تتواصل الاتصالات البينية التركية مع النظام السوري، عبر الكثير من المستويات، وتتحرك عجلة الحوار التفاوضي بين أركان الدولة التركية ونظام الأسد من خلال الوسيط الروسي ومصالحه البراغماتية، وصولًا إلى توافقات، من الممكن أن تفضي إلى تطبيع ما، أو مصالحة بين الطرفين، قد تتجاوز خلافات الماضي القريب، وتنجز حالة سياسية وجيوسياسية في الواقع السوري تقطف بعض ثمارها استراتيجيات بوتين في المنطقة، بعد حربه الطغيانية على الشعب الأوكراني وهو الذي دخل أوكرانيا دون القدرة على تجرع كأس السم ومن ثم الخروج منها، كما فعلها يومًا (الخميني) في حربه على العراق. لكن الإنخراط اليوم في مسارات تفاوضية تطبيعية بين الأتراك ونظام القتل الأسدي ذات طبيعة متباينة ومختلفة، ولا يُؤمل منها الكثير ضمن حيثيات واضحة للعيان، مفادها أن النظام السوري/ الكيماوي المغرق والغارق في إجرامه ضد الشعب السوري والشعوب الإقليمية المحيطة، وقد وصل وأوصل البلد السوري إلى حافة الانهيار المعيشي والاقتصادي الأكيد، بعد حربه الممنهجة على السوريين، بكافة تلويناتهم الأثنية والطائفية. هذا النظام لايمكن أن يكون قادرًا (فيما لو قرر ذلك) على إعطاء أي عوامل سلام أو أمن قومي للدولة التركية في شمال شرق سورية، حيث الهيمنة لقسد وداعميها من كل الإدارات الأميركية المتعاقبة، ناهيك عن عدم قدرته على منح أي ورقة تجارية، أو اقتصادية للدولة التركية، وهو العاجز عن ضبط المدن والشوارع الداخلية والخارجية، وهيمنة الشبيحة وقطاع الطرق من المليشيات الطائفية التي استقدمها من كل بقاع الدنيا، كي تعيد قيامة نظامه، الذي كان آيلًا للسقوط في ىسنة ٢٠١٣ قبل أن تتدخل هذه المليشيات المدعومة إيرانيًا، والتي جاءت لإنقاذه، ومصادرة الوطن السوري، واختطافه، لصالح مشاريع فارسية لم تعد خافية على أحد، ولتأتي التدخلات العسكرية الروسية أواخر أيلول/ سبتمبر عام ٢٠١٥ لتكمل المسألة، وليكون القرار السيادي السوري مرتهنًا بأيدي الروس والإيرانيين، وكل المليشيات الإيرانية/الطائفية التي أتت لتنفذ مشروعها ومشروع إيران، وليس مشروع سورية، مهما اختلفت ألوانه وتعددت.
هذا النظام الأسدي الغارق بكل أنواع الضياع، والذي يقف على حافة الانهيارات السريعة، لن يكون بمقدوره منح الحكومة التركية أية فرصة تعبوية، لتكون بيدها كورقة رابحة في صندوق الاستحقاقات الانتخابية القادمة، بعد ماهو أقل من ستة أشهر.
الروس يريدون مصلحتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، والأتراك يودون انجاز تطبيع يؤدي إلى كسب ورقة انتخابية واضحة، في الصندوق الانتخابي، والإيرانيون يريدون البقاء وإنفاذ مشروعهم الفارسي، ببقاء المجرم بشار الأسد. لكن نظام الفاشيست الأسدي أعجز بكثير من أن يمنح أي ورقة أو فائدة ترجى لجيرانه، وهو الذي لم يعد بمقدوره تطبيق أي اتفاقات تجارية أو اقتصادية أو أمنية /عسكرية ولا إقامة منطقة آمنة، ولاقدرة له على إزاحة قسد إلى مابعد ٣٠ كيلو متر داخل الأراضي السورية. ومن ثم فماهي علامات ونتائج التطبيع الإيجابية المفترضة، فيما لو مشت الأمور كماتشتهي الحكومة التركية .
ناهيك عن أن المعارضة السورية بكليتها مابرحت تَعثُر في الأكم وفي الوهد، منشغلة بخلافاتها الداخلية، التي تدفع إلى مزيد من التذرر والتشظي المضني، عسكريًا وسياسيًا وتعطيلًا لاجتماعات هيئة التفاوض، وانقطاع اجتماعات اللجنة الدستورية (الصفرية) التي لم تعد ترى روسيا ضرورة لها إبان خلافاتها مع الغرب بالتساوق مع ولوجها في الحرب على أوكرانيا والدعم الكبير الذي تقدمه دول الغرب إلى الحكومة الأوكرانية.
التطبيع التركي الجاري مع نظام الأسد المجرم لن يفضي إلى الحل، ولا يمكن أن تكسب المعارضة السورية ولا السوريين منه ما عجزوا عنه في ظروف كانت أفضل على كل المستويات، إنه استمرار للمراوحة بالمكان، فلا العدالة الانتقالية ولا التصالحية ممكنة في سورية مع بقاء بشار الأسد وزمرته في دمشق، بعد مليون شهيد سوري، وتدمير ماينوف عن 65 بالمئة من البنية التحتية السورية، وتجويع السوريين، وبيع القرار السياسي السوري للروس والإيرانيين والوصول إلى واقع الدولة الفاشلة التي ينهبها الشبيحة وعصابات الأسد. ومازال في المعتقلات السورية أكثر من 400 ألف إنسان معتقل سوري تحت القهر وسلب إنسانية الإنسان.
المصدر: إشراق