رغم إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، نيّتها إرسال فريق إلى سورية خلال الأيام القليلة المقبلة، إلا أنه من غير المتوقع إغلاق الملفات العالقة بينها وبين النظام السوري منذ سنوات، حيث يواصل نظام بشار الأسد محاولاته إخفاء الأدلة على تورطه في العديد من الهجمات بالأسلحة الكيميائية خلال السنوات الماضية، زاعماً أنه سلّم أو دمّر كل ما كان في حوزته من هذه الأسلحة.
وأعلنت المنظمة الدولية، أول من أمس الخميس، أن فريقاً منها سيزور سورية في الفترة ما بين 17 و22 من شهر يناير/كانون الثاني الحالي ضمن الجهود لإزالة برنامج الأسلحة السوري. وقال نائب الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، أديجي إيبو، أمام مجلس الأمن الدولي، إن “أي استخدام للأسلحة الكيميائية في سورية سيؤدي حتماً إلى محاسبة المسؤولين عن ذلك”، وفقاً لموقع المنظمة. واعتبر إيبو أن غياب المحاسبة للاستخدامات السابقة في الحرب السورية يعد “تهديداً للسلام والأمن الدولي ويشكل خطراً علينا جميعاً”، مشيراً إلى أن المنظمة لم تتلق المعلومات التي طلبتها من النظام السوري بشأن 20 قضية معلقة.
شهدت سورية 222 هجوماً كيميائياً خلال 10 سنوات
وطالب إيبو النظام السوري بالتعاون “بشكل كامل مع الأمانة الفنية للمنظمة من أجل معالجة الثغرات وأوجه عدم الاتساق والتباينات التي لا تزال غير محسومة”. وأشار إلى أن المنظمة “ستواصل جهودها لضمان تنفيذ سورية بشكل كامل لجميع متطلبات الإعلان عن برنامجها الكيميائي، وصولاً إلى إغلاق الملف”. كما أن المنظمة تخطط لجولة أخرى من عمليات التفتيش لمرافق مركز الدراسات والبحوث العلمية في برزة وجمرايا في عام 2023، بحسب قوله.
النقاط العالقة بين منظمة حظر الكيميائي والنظام السوري
ومن بين النقاط التي لا تزال عالقة بين المنظمة والنظام، قول مسؤولي المنظمة إن النظام السوري لم يقدم بعد المعلومات الفنية أو التفسيرات التي تُمكّن من إغلاق القضية المتعلقة بالكشف عن مادة كيميائية في مرافق مركز برزة (دمشق)، والتحريك غير المصرح به للأسطوانتين المرتبطتين بالهجوم الكيميائي في دوما بريف دمشق في 7 إبريل/نيسان 2018، واللتين تم تدميرهما في هجوم على منشأة لإنتاج الأسلحة الكيميائية.
ويقول النظام عبر مندوبه لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، إن الموقع الذي كان يحوي الأسطوانتين تعرض لقصف إسرائيلي أدى إلى تدمير العديد من الغرف ومعدات الإطفاء والآليات وأسطوانتي الكلور الخاصتين بحادثة دوما. وحول أسباب رفض النظام طلب فريق التفتيش التابع للمنظمة بنقل الأسطوانتين إلى مقر المنظمة، قبل هذا القصف المزعوم، قال صباغ إن الأسطوانتين “موضع تحقيقات قضائية، وتشكلان أدلة مادية قانونية حول الحادثة المزعومة التي استخدم فيها الإرهابيون سلاحاً كيميائياً تسبب بقتل المدنيين الأبرياء”، وفق قوله.
ويزعم النظام السوري أنه دمّر جميع مخزوناته من الأسلحة الكيميائية ومرافق إنتاجها في عام 2014، بموجب اتفاق تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة وروسيا عقب الهجوم الكيميائي الواسع على الغوطة الشرقية في عام 2013.
النظام شنّ 217 هجوماً كيميائياً
وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ذكرت في تقرير لها نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أنها وثّقت مقتل 1510 أشخاص في سورية خلال 10 سنوات، جراء هجمات كيميائية شنّها النظام السوري بشكل أساسي.
ووفق الشبكة، فقد شهدت سورية ما لا يقل عن 222 هجوماً كيميائياً منذ أول استخدام موثَّق لهذه الأسلحة في 23 ديسمبر/كانون الأول 2012 وحتى 30 نوفمبر 2022، كان النظام السوري مسؤولاً عن 217 هجوماً منها في مختلف المحافظات السورية. وأدت جميع الهجمات إلى مقتل 1510 أشخاص، بينهم 1409 مدنيين، منهم 205 أطفال و260 سيدة و94 من مقاتلي المعارضة المسلحة، و7 أسرى من قوات النظام كانوا في سجون المعارضة. وأوضحت الشبكة أن جميع القتلى قضوا في هجمات شنّها النظام السوري، إضافةً إلى إصابة 11212 شخصاً، 11080 منهم أصيبوا في هجمات شنها النظام و132 أصيبوا في هجمات شنّها تنظيم “داعش”.
وكانت أبرز هجمات النظام الكيميائية في 21 أغسطس/آب 2013 على الغوطة الشرقية ومعضمية الشام بريف دمشق، حيث تشير تقارير إلى استخدام غاز السارين في هذه الهجمات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 1400 شخص.
كما وقع هجومان في مارس/آذار 2017، استخدم فيهما غازا السارين والكلور واستهدفا بلدة اللطامنة في ريف حماة، وأكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في إبريل 2020 مسؤولية النظام عنهما.
ينتقد النظام الصلاحيات التي تتمتع بها المنظمة الدولية
وكان العميد زاهر الساكت، المنشق عن قوات النظام والذي عمل في مجال تصنيع الأسلحة الكيميائية خلال خدمته العسكرية، قد ذكر لـ”العربي الجديد”، أن النظام لطالما استخدم شركات الأدوية كغطاء لاستيراد مواد كيميائية ذات استخدام مزدوج، يستخدمها هو لإنتاج أسلحة كيميائية. وأوضح أن النظام يجبر بعض شركات الأدوية في سورية على استيراد مواد معينة لصالحه.
مماطلة النظام
وتشكو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من عدم تعاون النظام مع جهودها لكشف ملابسات الهجمات الكيميائية في سورية، وتقول إنها زوّدت النظام بقائمة الإعلانات المعلقة وغيرها من الوثائق التي طلبتها منذ عام 2019، بهدف حل القضايا الـ20 العالقة، لكنها لم تتلق بعد المعلومات المطلوبة.
من جهته، يقول النظام بلسان مندوبه في الأمم المتحدة، صباغ، إن “سورية انضمت طوعاً إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في سبتمبر/أيلول 2013، وأنهت تدمير جميع مخزوناتها ومرافق إنتاجها في 2014 رغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها”. وأضاف أنه “على مدى السنوات التسع الماضية منحت اللجنة الوطنية السورية ما يزيد على 500 تأشيرة دخول لموظفي الأمانة الفنية لمنظمة الحظر، شملت جميع فرق المنظمة التي عملت في سورية، حيث سهلت عقد 24 جولة مشاورات لفريق تقييم الإعلان، وإجراء 9 جولات تفتيش لمركز الدراسات والبحوث العلمية، كما قدمت جميع التسهيلات لإنجاح زيارات فريق بعثة تقصي الحقائق”، وفق قوله.
لكن صباغ انتقد تخويل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تحديد هوية الجهة التي استخدمت السلاح الكيميائي، معتبراً أن اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لم تكلف الأمانة الفنية للمنظمة بولاية تحديد المسؤولية عن حالات استخدام الأسلحة الكيميائية.
ورأى الباحث السوري عمر أبو بكر، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الاستخدام المتكرر من جانب النظام السوري للأسلحة الكيميائية شكل تحدياً غير مسبوق للمجتمع الدولي، وهو ما دفع إلى توسيع صلاحيات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتشمل تحديد المسؤول عن استخدام هذه الأسلحة، وهي الخطوة الأولى من نوعها منذ تأسيس المنظمة.
وأوضح أبو بكر أنه بعد هذه الصلاحيات الجديدة للمنظمة الدولية، أصدرت الأخيرة تقارير عدة حددت مسؤولية النظام عن هجمات كيميائية عدة، لكنه لفت إلى البطء الشديد في تحركات المنظمة تجاه النظام، حيث لم تتمكن بعد نحو 10 سنوات من استخدامه للسلاح الكيميائي للمرة الأولى، من اتخاذ خطوات عقابية ضده، باستثناء الإجراء الهزيل المتمثل في حرمان مندوب النظام في المنظمة من بعض حقوقه، مثل حق التصويت.
المصدر:العربي الجديد